تداعيات في امريكا بعد افغانستان
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
تداعيات في امريكا بعد افغانستان
فشل الاستعمار الامريكي
بعد التوغل الامريكي داخل افغانستان نشرت حينها (نهاية 2001) افتتاحية في جريدة بابل العراقية واسعة الانتشار، توقعت فيه ان مصير الاحتلال الامريكي لهذا البلد سينتهي بالفشل مثلما حدث للسوفيت وستكون النهاية للاستعمار الامريكي اسوء مما حدث لهم في فيتنام، وعلى أثره تم استضافتي في عدد من القنوات حينها كالجزيرة وغيرها متحدثا عن هذا الموضوع.
الفشل وليس الخطأ
يعتقد كثيرين ممن يعتلون المنابر الدعائية لاسيما القنوات الإعلامية ان ادارات الولايات المتحدة الامريكية اخطأت باحتلالها لأفغانستان والعراق ، وعلى الرغم من أن هناك فرق بين الخطأ والفشل كون أمريكا لم تستطيع تحقيق كل أهدافها، فأن هؤلاء فاتهم ان الادارات ايا كنت جمهورية او ديمقراطية هي ادوات تنفذ خطط وبرامج موضوعه سلفا من قبل القوى التي تهيمن على النظام العالمي،(مثل عوائل روتشيلد وفورد وروكفلر وو) ، وهذه القوى تراقب أداء الإدارات ، فأن هي انجزت المطلوب بكفاءة ويرى بأنها تحتاج لوقت اطول ، يتم التمديد لها، والعكس صحيح ايضا، وهذه القوى التي تقود العالم سبق لها وان ورطت الاتحاد السوفيتي للتوغل في افغانستان وكان ذلك سببا هاماً في نهاية الاتحاد السوفيتي وتفككه . وحينها قامت امريكا بتقديم الاسلحة المتطورة للمقاتلين المسلمين التي اسهمت بهزيمة السوفييت وهروبهم من أفغانستان. وهي من اسهمت بولادة حركة طالبان الذي تشكل القسم المهم منها حينها من الاطفال الذين قتلت عوائلهم على يد القوات السوفيتية اثناء غزوها لأفغانستان، والذين تم ترحيلهم حينها الى بعض المناطق الباكستانية (حليفة امريكا) المتاخمة للحدود مع افغانستان، وزجهم بمدارس تعليمية خاصة ركز فيها بشكل اساسي وواضح على الشريعة الاسلامية، بينما اهملت العلوم الأخرى، وهذا ما يفسر الغلو والتشدد عند الجيل الاول من طالبان. وعلى الرغم من ذلك ، فأن تداعيات الحرب الطويلة بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية ساهمت في أحداث تطور ربما بنيوي في هذه الحركة حيث رشح عنها جيل جديد استفاد من تجارب الامس، قدم الحركة على أنها تنظيم بهيئة جديدة يستوعب التطور ويجيد عملية التغيير الايجابي، وهذا ما ألقى بظلاله على طريقة ومنهجية تعاطي الحركة مع الأدارة الأمريكية في ترتيب وصياغة آلية الانسحاب الأمريكي المتفق عليه بين الجانبين ،فالغزو الأمريكي كان لأسباب واهداف ، وعندما انتفت الحاجة اليها أو لأنهم وجدوا مقتربات اخرى للتعاطي معها تقرر الانسحاب ،وعلى أية حال ، فأن الانسحاب الأمريكي على وفق ما تم الاتفاق عليه ويجري تنفيذه الان هو أقرار صريح من طرف الأدارة الأمريكية بالفشل ،فأمريكا في اطار تبرير الانسحاب السريع كما قال الرئيس الحالي جو بايدن في المؤتمر الصحفي يوم الجمعة 20 من شهر آب الماضي ان القوات الامريكية غير مستعدة للدفاع عن النظام في كابل نيابة وبديلا عن القوات الافغانية (300 ألف عسكري) التي انفقنا المليارات على تدريبها وتجهيزها بشكل ممتاز....
السيناريوهات في المنطقة
في معرض محاولاتي ايجاد تفسيرات منطقية لما يحدث في منطقتنا... وقع بيدي محضر موثق لاحد اجتماعات لجان الاستماع لمجلس النواب في أميركا في عام 2008 ،وخلاصة ما خرجت به من استقراء عميق لكل النقاشات وما طرح من اراء للخبراء والمتخصصين في المجالات الستراتيجية المختلفة ان الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب لم ينطلقوا في احتلالهم لأفغانستان والعراق من أهداف بناء الدولة أو لنشر الديمقراطية كما زعموا ولم يكن ليهمهم مصالح الشعبين العربي او الأفغاني، بل وحتى عملاءهم والخونة الذين ساروا في ركابهم ، وغيرهم من المغفلين الذين تم تحريضهم على القتال دفاعا عن الاحتلال الامريكي الغربي لأفغانستان، لم ينظر أليهم ألا كأدوات ميكانيكية تنفيذية ما يلبثوا أن يتركوا كمخلفات حرب تنال نصيبها من الذل والهوان واللعنة ،وهذا ما حدث عندما حاولوا أيهام حكومة كرزاي ومابعدها وعملائهم في حكومات بغداد بأن سيكون لهم حظ في البقاء وانهم سيحولون مدن العراق وافغانستان الى لوس أنجلوس .
أذن فالأهداف الحقيقية للاحتلال استندت على رغبة وقناعة في آن معا لأعاده صياغة الصيرورة الاجتماعية والفكرية والأخلاقية للبلدان المحتلة بما يمنعها من بلوغ أيا من أهداف النمو والنهوض وترسخ لديها كل عوامل الضعف والفتن لضمان قصورها في تنفيذ أي دور وطني أو أقليمي ، وفضلا عن هذا كله ، تبقى المصالح الاقتصادية الحيوية تشكل قواما رئيسيا من أهداف الاحتلال. أن نتاج الاحتلال للبلدين اثبت حقيقة ان الاستعمار الامريكي والبريطاني والفرنسي وغيرهم لا يجيدون غير افعال الدمار والخراب والقتل ونشر الفوضى والفساد والتخلف بكل عناوينه، فالمحتل يبرع في الاعمار في بلاده ويتقن التدمير في مستعمراته وهذا ما يحرص عليه بشدة.
لذلك ستشهد الاسابيع القادمة متغيرات ليست داخل أفغانستان المحررة بل في كل اجزاء مختلفة من المنطقة ولا نستبعد حدوث مفاجئات قد تطيح او تغير او تعيد انتاج بعض الانظمة أو سياساتها في الشرق الاوسط وتحديدا بعد ان اقدمت الولايات المتحدة الامريكية على تنفيذ اضافات اخرى في سيناريوهات خططها للمنطقة الملتهبة؟؟؟
الضرورات تبيح المحذورات
اغلب الظن ، ستقوم امريكا اليوم وغدا مضطرة الى الابتعاد عن شعوبنا وان تكف شرها عنهم، وربما هي بحاجة لئن تتعظ وتكتفي بما ازهقته من أرواح الامريكيين ومن حلفائها في الناتو في حروب تدميرية. فقد خسروا في العراق وحده عشرات الالاف من جنودهم، ومئات ألاف الجرحى والمعوقين بدنيا وعقليا، عدا التريليونات من الدولارات التي كان يمكن ان توظف لتحسين اوضاع المواطنين والبنى التحتية المتداعية داخل المدن الامريكية ، ناهيك عن سرقة المسؤولين الامريكيين لمئات المليارات من اموال وخيرات شعوبنا ،خصوصا وأن ما اشتملت عليه أسباب الحرب أضافة الى ما تم ذكره آنفا هو تبيض الاموال والربح من تجارة المخدرات وتنشيط شركات انتاج السلاح والادوية في العالم وووو ،وكل ذلك كان بدعاوى مزيفة ومبررات الكاذبة تم ترويجها لاحتلال الشعوب بصيغة انتقائية مثل مسرحية احداث سبتمبر والصاقها بأفغانستان ،واكاذيب ربط العراق بالقاعدة والزعم بامتلاكه الأسلحة النووية والبيولوجية ، مع ملاحظة ان امريكا وكل حلفائها يقفون متفرجين امام صنيعتهم دولة الملالي في طهران التي اعلنتها جهارا ومرارا انها انتجت او ستنتج السلاح النووي وغيره.
تعقيدات الوضع الامريكي الداخلي
لا يختلف اثنان من ان دولة الولايات المتحدة الامريكية (وليس الادارات) تعاني منذ عقود تعقيدات في المشهد السياسي بما ينذر حدوث تطورات وتغيرات كبيرة في الفترة القادمة ومنها ابعاد او وفاة جو بايدن بعدما انجز المطلوب منه ،وكما أتوقع شخصيا ،ان يتم ذلك وفقا للسيناريو الذي سبق وذكره الرئيس الامريكي الاسبق جيرارد فورد الابن قبل عشرات السنين(شغل منصب الرئيس الثامن والثلاثين للولايات المتحدة من عام 1974 إلى 1977 في أعقاب استقالة ريتشارد نيكسون) حيث اجاب فورد حينها عن سؤال لاحدى الفتيات الصغيرات الامريكيات ، ما نصيحتك لشابة تريد ان تكون رئيسة للولايات المتحدة الامريكية وكانت الاجابة بالنص(آمل ان يصبح لدينا في مرحلة ما امرأة شابة ترأس الولايات المتحدة ويمكنني ان اخبرك كيف يمكن ان يحدث ذلك لانه لن يحدث بالاوضاع الطبيعية ،سيقوم احد الحزبين الجمهوري او الديمقراطي بترشيح رجل لمنصب الرئيس وامرأة لمنصب نائب الرئيس ثم يفوز الرجل والمراة ليصبح الرئيس رجل ونائبته امرأة وخلال فترة الرئاسة يموت الرئيس وتصبح المرأة وفقا للدستور رئيسة لامريكا وحالما نكسر هذا الحاجز ،من ذلك الحين فصاعدا حري بالرجال ان يحذروا لانهم سيواجهون صعوبة كبيرة في الوصول حتى للترشح للرئاسة مستقبلا .. لكن هكذا أمر سيحدث مستقبلا) ، وكل المؤشرات تفضي الى عدم امكانية بايدن الاستمرار بتولي مهام منصبه في البيت الابيض حسب تقارير الاطباء والمشرفين على حالته الصحية. وهذا سيؤدي حتما بتغيير وتأجيج الوضع ،فالسيناريو متوقع وربما قريبا ،فالأحداث تتسارع حيث متوقع ان بايدن سيكون خارج كرسي الرئاسة قريبا للأسباب التي ذكرت ،وستتسلم كاميلا هارس سدة الرئاسة عام واحد وربما ستعم الفوضى في ولايات عديدة لاسيما التي مازالت تصر على ان ترامب هو الفائز بالانتخابات السابقة وهذه الولايات ستطالب بانتخابات مبكره ، وقد يؤول الأمر الى انتشار غير مسبوق للجيش والحرس الوطني لبسط الامن وهنا ستجبر النائبة للرئيس بالإعلان عن انتخابات مبكره ، وقد يترافق ذلك مع محاولة أوباما أن يصدر نفسه مرة أخرى وأغلب الظن بأن الحظ لن يحلفه لتفتح البوابة على مصراعيها أما ترامب وحزبه الجمهوري للعودة ومسك زمام الحكم مطلع عام ٢٠٢٣.
توقعات فورد وكاميلا هارس رئيسة امريكا
من يتابع بتفحص وعناية ما تنشره وتبثه وسائل الدعاية والاعلام الامريكي يلاحظ ان هناك تركيز على تحرك ونشاط كاميلا أكثر من الاهتمام بالرئيس جو بايدن، وهذا يعطينا مؤشر ان هناك عملية تهيئة ذهنية للشارع الامريكي اولا والرأي العام الخارجي ثانيا لتقبل عملية التغيير الدراماتيكي في الواجهه السياسية العليا في واشنطن.
لقد اخذت ماقاله جيرارد فورد الابن قبل عقود من الزمن على محمل الجد لعدة اسباب:
اولها ان فورد الابن ينتمي الى واحدة من اهم العوائل المتحكمة ليس بأمريكا بل بالعالم ومايقوله ليس مجرد توقعات أو رأي عابر بل انه أحد اهم المسؤولين عن المطبخ الذي يعد كل الطبخات الخطيرة التي تحدث في العالم.
السبب الثاني بحكم اختصاصي اعلم جيدا ان المطبخ الذي ذكرته يستعين دائما بأخطر ادواته وهي مؤسسة هوليوود لتهيئة اذهان العالم داخل وخارج امريكا لتقبل الاحداث المفصلية ،ولاحظت خلال متابعتي ان هوليوود انتجت كم كبير من المسلسلات والافلام التي تتناول سيناريوهات وصول امرأة الى رئاسة امريكا !!...علما انه سبق لي ان توقعت فوز باراك اوباما رئيسا لامريكا وقد كتبت مقال نشر بداية عام 2008 ان القادم للبيت الابيض اسود(اوباما) ليبيض وجه امريكا الاسود وكنت قد بنيت توقعاتي على ما ركزت عليه مسلسلات وافلام هوليوود لتهيئة اذهان الرأي العام لتقبل هذا التغيير وكان في ذلك تقاطع مع اجابة المرحوم هيكل على سؤال المذيع محمد كريشان من شبكة الجزيرة ليلة الانتخابات (من السابق لاوانه ان يتقبل الامريكان رئيسا اسود!!).
السبب الثالث هو وجود تقليد او عرف بين الحزبين، ان الجمهوريين يخوضون الحروب ويشعلون النيران ويأتي الديمقراطيون ليصوبوا الامور ويطفئون الحرائق...علما انني اتوقع خلال المرحلة القادمة عودة التعدد الحزبي الى الواجهة التنافسية السياسية ولن تعود هناك عملية انفراد للحزبين بل ستكون منافسة بين مجموعة من الاحزاب وقد نشهد ولادة رئيس امريكي مستقل؟؟!!!!