سياسيون عراقيون يستغلون قنواتهم للابتزاز السياسي
نشرت منظمة تطلق على نفسها اسم “إنهاء الإفلات من العقاب في العراق” ما وصفته بوثائق خاصة بها عن عمليات الابتزاز السياسي بين رجال أعمال وقادة ميليشيات يديرون قنوات فضائية.
العرب/بغداد - أثارت اعترافات نسبت للسياسي العراقي ورجل الأعمال المعتقل بتهم فساد جمال الكربولي زعيم كتلة “الحل” جدلا عن عمليات الفساد في العراق، وزعمت الاعترافات التي لم يستطع مراسل “العرب” في بغداد التأكد من صحتها من مصدر قضائي أو أمني عراقي، أن الكربولي قام بتأسيس قناة دجلة الفضائية عام 2013، وقام “بالتركيز على قضايا الابتزاز لفساد السياسيين والتجار لغرض المكسب المالي والضغط عليهم إعلاميا والاستفادة منهم ماديا، عن طريق الوثائق التي كان يجلبها لهم أعضاء في مجلس النواب العراقي”.
وجمال الكربولي لديه نحو 12 نائبا في البرلمان العراقي وهو رجل أعمال ومالك مؤسسات إعلامية مهمة من بينها قناة “دجلة” التي سبق أن تعرضت للحرق والغلق العام الماضي من قبل ميليشيات شيعية لانها عرضت أغاني أيام شهر محرم الذي يصادف ذكرى مقتل الامام الحسين.
واعتقلت قوة من لجنة مكافحة الفساد في مكتب رئيس الحكومة في أبريل الماضي الكربولي من منزله وسط بغداد وفق مذكرة قبض قضائية صدرت بحقه على خلفية تهم فساد.
وجاءت اعترافات الكربولي ضمن وثائق جديدة نشرتها منظمة “إنهاء الإفلات من العقاب في العراق”، وتورد عددا من عمليات الابتزاز السياسي عبر القناة وتلقي أموال طائلة بسببها، في أحدث دليل على ممارسات بعض وسائل الإعلام العراقية المنافية للمعايير المهنية، واستخدامها وسيلة لتحقيق المكاسب السياسية.
وفي اعترافه عن مقدار الأموال والأملاك التي حصل عليها، قال الكربولي “إنه من خلال الرشاوي والمبالغ المالية التي حصل عليها من عقد مع وزارة الصناعة والمبالغ التي حصل عليها عن طريق الابتزاز عبر قناة دجلة والدعم لحزب الحل من دول الجوار تكونت لديه أموال داخل وخارج العراق”.
وبيّنت ”الوثائق” أن الكربولي قد استهدف لجنة القضايا الخاصة بمكافحة الفساد من خلال استضافة محللين ومختصين في برنامج ”القرار لكم” الذي تقدمه سحر عباس على شاشة قناة “دجلة” لنشر معلومات غير دقيقة عن عمل اللجنة والطعن بها وأنها تقوم بعمليات تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان، لاسيما وأن ميزر حمادي العاكوب شقيق محافظ نينوى نوفل العاكوب كان قد اتفق مع الكربولي على الطعن بعمل هذه اللجنة كونها كانت قد استهدفت شقيقه.
ويتهم عدد من المتابعين للشأن العام وسائل الإعلام العراقية بممارسة الابتزاز العلني، تحقيقا لأجندات شخصية وسياسية، أو لكسب الأموال والمنافع المادية.
وتركّز الصراع المستمر بين الإعلاميين والسياسيين، منذ سقوط النظام السابق عام 2003، حول قضايا الفساد المالي والفضائح الشخصية، وعلى الرغم من أهمية الملفات التي تطرحها وسائل الإعلام العراقية المختلفة، إلا أن كثيرين يتهمونها بالسعي للحصول على قسم من الأموال المسروقة أو المختلسة من المشاريع والوزارات المختلفة، كما أن الميل لإثارة الفضائح يزداد مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، لابتزاز بعض الشخصيات السياسية التي تسعى للحفاظ على سمعتها، قبيل مشاركتها بالانتخابات.
ويقول خبراء إعلام إن الإعلام العراقي توجهه الأهواء الأيديولوجية والطائفية حينا، والرغبة في الكسب المادي أحيانا أخرى. وأصبح الصحافيون خاضعين لتوجهات المال السياسي الذي يموّل العمل الإعلامي في البلاد.
وأفاد صحافي عراقي فضل عدم ذكر اسمه، أن المسؤولين عن بعض القنوات التابعة لأحزاب سياسية، يأمرون بين فترة وأخرى بإجراء حملة إعلامية ضد شخصية سياسية ما، من أجل الضغط عليها لدفع مبلغ مالي معيّن، مقابل إيقاف الحملة.
وأشار إلى أن أغلب العاملين بهذه المؤسسات الإعلامية لم يكونوا راضين عن هذه الممارسات، ولكن حاجتهم الماسة للعمل جعلت منهم أدوات لتنفيذ سياسة الابتزاز.
وتقوم هذه الممارسة على تركيز الأخبار والتقارير والمداخلات الهاتفية ضد شخصية معينة، من أجل مساومتها على دفع مبلغ من المال، بحجة أن المال الذي يتم الحصول عليه عن طريق الابتزاز هو حق الشعب، والعاملون في المؤسسات الإعلامية من الشعب.
وتم تسهيل الدور الهائل الذي تؤديه الميليشيات حاليا في العراق عن طريق القنوات التلفزيونية والإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تُشيد بفضائل هذه الجماعات المسلحة، وتتجاهل سلوكها المزعزع للاستقرار، وتُحبط أي أصوات معارضة. على سبيل المثال، قبل اغتيال المحلل العراقي هشام الهاشمي في السادس من يوليو 2020، تم القيام بحملة مكثفة لتشويه سمعته، ووصفه من قبل منافذ إعلامية مختلفة بأنه عميل أميركي، وتوزيع قوائم سوداء تضمنت اسمه.
كما أدانت وسائل الإعلام التي تديرها الميليشيات وبعض الأحزاب السياسية بشكل منهجي المتظاهرين الذين بدأوا في الاحتجاج على الفساد والانتهاكات الحكومية الأخرى في أكتوبر الماضي. ومن خلال تسميتهم “أبناء السفارة” وأسماء مهينة أخرى، سعت هذه المنافذ الإعلامية إلى تبرير حملة القمع التي أسفرت عن قتل المئات من المتظاهرين وتشويه آلاف آخرين.
وقال الباحث بلال وهاب في تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن وسائل الإعلام الحزبية تستمر في أعمالها الدعائية لأن الفصائل السياسية تعتبرها أساسية لتغذية شبكات المحسوبية التابعة لها والتمهيد للدورات الانتخابية.
وتُعتبر وسائل الإعلام الحكومية في حالة يُرثى لها. فعندما ألغت السلطات الأميركية وزارة الإعلام في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003، تم استبدالها بـ”شبكة الإعلام العراقي” التي استولت عليها الأحزاب السياسية نفسها التي أتقنت فنّ تقسيم الغنائم الحكومية الأخرى.
وتوظف الهيئة أكثر من 5000 موظف وتشرف على عدد من المنافذ الإعلامية مثل صحيفة “الصباح” وتلفزيون “العراقية”، لكنها تبدو أنها بعيدة تماما عن مستوى وسائل إعلام الميليشيات الأكثر عددا، ويبدو أحيانا أنها تنسى مَن يُفترض أن تخدمه. وفي أبريل 2020، على سبيل المثال، قطعت قناة “العراقية” برامجها العادية لكي تبث نقلا مباشرا لخطاب زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، هاجم فيه الولايات المتحدة والحكومة العراقية على السواء.