[rtl] تابعت مؤخراً لقاءً مع السيد عبد القادر العبيدي، الذي شغل منصب وزير الدفاع في العراق في الفترة ما بين عامي 2006 و2010. أيّ في الحكومات التي تشكّلت ضمن نظام المحاصصة الطائفيّة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.[/rtl]
[rtl]يقول العبيدي في اللقاء أن (إسرائيل) قد بنت ما تسمّيه بـ"القبّة الحديدية" من أموال التعويضات العراقية التي تلقّتها بواقع ما لا يقلّ عن 10 مليار دولار عن كل صاروخ عراقي سقط على (إسرائيل) عام 1991. وبحسبة بسيطة، وبما أنّ العراق قد أطلق 39 صاروخاً، فسيكون مجموع ما دفعه من تعويضاتٍ لـ(إسرائيل) هو 390 مليار دولار أميركي.[/rtl]
[rtl]والقبّة الحديدية نظامٍ دفاعي يقوم على نشر مجموعاتٍ من الصواريخ في مناطق معينة بهدف إعتراض ما يُطلق من الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية ضدّ كيان الإحتلال (الإسرائيلي).[/rtl]
[rtl]لقد كان السيد العبيدي يتحدّث بلغة العسكري المحترف المتأكدّ تماماً مما يقول، وهو يقدّم (أرقامه) مؤكداً أكثر من مرّة ّ أن "القبّة الحديدية" قد بُنيت من أموال العراق. أمّا المحاور، حميد عبدالله، فقد إنفرجت أساريره لهذه المعلومة التي تسعده كثيراً، وتزيد رصيده من المعلومات (الموثوقة)![/rtl]
[rtl]أودّ أن نجري مناقشة سريعة لما جاء في الحديث، إعتماداً على لغة الأرقام أيضاً.[/rtl]
[rtl]وقبل ذلك، لا بدّ أن أذكر أن ما سأقدّمه من أرقامٍ ومعلوماتٍ محدّدة، لا يأتي من مجرد إهتمامٍ عام بالموضوع، بل من متابعةٍ تفصيلية كوني كنت الدبلوماسي المسؤول عن ملف التعويضات في البعثة الدائمة لجمهورّية العراق لدى الأمم المتحدّة والمنظمّات الدولية في جنيف في الفترة من 1999 ولغاية 2003. وبذلك فقد كنت حلقة الوصل بين العراق ولجنة الأمم المتحدّة للتعويضات (وهي اللجنة التي شكّلها مجلس الأمن الدولي وأوكل إليها مهمّة إستلام طلبات التعويض من الدول والشركات، ومهمّة إقرار ما يستحقّ التعويض منها، ومن ثمّ توزيع المبالغ على المطالبين). وفي تلك الفترة راجعت اللجنة المطالبات (الإسرائيليّة) وحدّدت مبالغ تعويضاتٍ لها.[/rtl]
[rtl]وأدناه بعض الإيضاحات:[/rtl]
[rtl]أولاً: يوضّح الرسم في أدناه أنّ مجموع مبالغ التعويضات التي طلبتها مختلف دول العالم من العراق هي 352 مليار دولار أميركي. كما يوضّح، أنّ مجموع ما أقرّته لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، لكلّ تلك المطالبات، في نهاية المطاف كان 52 مليار دولار أميركي أيّ (15% من المبلغ المُطالب به).[/rtl]
[rtl]فكيف، ومن أين، تم دفع مبلغ 390 مليار دولار أميركي؟[/rtl]
[rtl]ثانيا: يوضّح هذا الرسم توزيع مبلغ الـ 52 مليار دولار أميركي على الدول التي طالبت العراق بتعويضات.[/rtl]
[rtl]ويتّضح فيه أن القسم الأعظم من المبلغ ذهب إلى الكويت بواقع 74% منه، وأن مصر حصلت على 4% والسعودية والأردن حصلتا على 3% لكلّ منهما، والهند على 2%، وأن هنالك 104 دول، من بينها (إسرائيل)، بلغ نسبة ما حصلت عليه مجتمعةً 10% من مبلغ الـ 52 مليار دولار أميركي.[/rtl]
[rtl]المطالبات (الإسرائيلية)[/rtl]
[rtl]والآن لنتحدث تحديداً، وبإختصار، عن المطالبات التي قدّمتها (إسرائيل) إلى لجنة الأمم المتحدّة للتعويضات.[/rtl]
[rtl]يُظهر السجل الرسمي للجنة، أنّ (إسرائيل) قدّمت 517 مطالبة، تطالب فيها بتعويضها عن الخسائر التي لحقت بها وبمواطنيها، جرّاء تعرّضها للضربات الصاروخيّة العراقية عام 1991، وتحديداً في الفترة التي حصلت فيها العمليات العسكرية وهي من 15 كانون الثاني/يناير 1991 حتى 2 آذار/مارس 1991.[/rtl]
[rtl]تتضمن تلك المطالبات، مطالبات فرديّة تعود لأشخاص عن ما أحدثته صواريخ سكود العراقية من أضرارٍ في الممتلكات الخاصّة من بيوتٍ ومحال تجارية ومكاتب. أمّا المطالبات الحكومية فقد كانت عن الخسائر التي تدّعي السلطات أنّها قد تكبّدتها جرّاء إضطرارها القيام بعمليات إجلاءٍ وما شابه ذلك بسبب الهلع الذي أخاف السكّان إثر تساقط تلك الصواريخ على تل أبيب والمناطق المجاورة.[/rtl]
[rtl]وضمن المطالبات الفردية، طالب بعض رجال الأعمال بتعويضاتٍ عن خسائر في دخل الأعمال الفردي المتعلّق بقطّاع السياحة؛ والخسائر عن تدمير أو إتلاف المباني التجارية والمخزون والممتلكات، وعن خسائر الدخل المتعلق بأعمال أخرى غير تلك المتعلقة بالقطّاع السياحي، على سبيل المثال: الصيدليات أو المحال التجارية أو مكاتب المحاماة.[/rtl]
[rtl]وعند مراجعتها لهذه المطالبات إعتبرت اللجنة أن "أن التهديدات الموجّهة ضدّ (إسرائيل) من قبل العراق كانت جدّية وذات مصداقية... وأنّ هجمات الصواريخ العراقية، شكّلت عملياتٍ عسكرية ضدّ كامل أراضي (إسرائيل) اعتباراً من 15 كانون الثاني 1991، وفعلياً من الثامن عشر منه، إلى 2 آذار/1991". وبالتالي فهي قابلة للتعويض، حسب رأي اللجنة.[/rtl]
[rtl]وإضافة الى مطالبات الأشخاص وأصحاب الأعمال التجارية الفردية، تسلّمت اللجنة مطالبات من شركاتٍ تجارية في قطّاع النقل. وفي هذا الصدد رأت اللجنة "أن إطلاق صواريخ سكود قدّ عرّض للخطر الأنشطة المتعلّقة بالنقل البرّي وفي والمياه المجاورة وفي المجال الجوي لـ (إسرائيل)". وأوضحت "أنّ شركات الطيران (الإسرائيليّة) قد أُضطّرت إلى نقل أساطيلها خارج الشرق الأوسط خلال تلك الأعمال بسبب مخاطر الأضرار التي تلحق بطائراتها وارتفاع أسعار التأمين الإضافية ضدّ مخاطر الحرب في المواقع الأصلية". وأن هذه المطالبات تدخل أيضاً في سياق عمل اللجنة.[/rtl]
[rtl]وبلغ مجموع ما طالبت به (كلّ) تلك المطالبات مجتمعةً (ملياراً و343 مليوناً، و62 ألفاً، و237 دولاراً). وكما واضح فإن هذا الرقم بعيد جدّاً عن الأرقام التي وردت في حديث السيد وزير الدفاع الأسبق.[/rtl]
[rtl]لكنّ، هل حصل كيان الإحتلال (الإسرائيلي) على كل هذا المبلغ كتعويض من العراق فعلا؟[/rtl]
[rtl]من خلال تنظيمها وتصنيفها للمطالبات بصورة عامة، خضعت المطالبات (الإسرائيلية) إلى دراسةٍ مستفيضة من قبل ستّة فرق في لجنة التعويضات وهي فرق المطالبات (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ) و(و).[/rtl]
[rtl]وخلال مراجعة تلك المطالبات، وجدت الفرق أن عدداً منها يقع خارج المدّة الزمنية التي جرت فيها العمليات العسكرية، كما لاحظت أنّ مطالباتٍ أخرى تضمنت مبالغات لخسائر لم يستطع المطالبون إثبات حصولها، وغير ذلك.[/rtl]
[rtl]وكان من نتيجة ذلك أن رفضت اللجنة الأمميّة معظم المبلغ المطلوب، ووافقت في نهاية المطاف على تعويضاتٍ بلغ مجموعها (123 مليوناً و673 ألفاً و81 دولاراً أميركياً). وكما أسلفنا فإنّ هذا المبلغ هوعن كلّ المطالبات (الإسرائيلية).[/rtl]
[rtl]هنالك تعويضات (أقل بكثير) أقرّت لـ(إسرائيل) أيضاً، ولكن لجنة التدقيق المحاسبي للأمم المتحدة طلبت فيما بعد رفضها لأنها وجدت أن مكان المطالبات (وهي في قطّاع السياحة) كان يقع في الجولان السوري المحتلّ وهنالك قرارات من ألأمم المتحدّة تمنع الأعمال التجارية فيه. وعلى أيّة حال، أستطيع أن أجزم هنا أنّ ما حصلته (إسرائيل) عن جميع المطالبات، وكما توضّح الأرقام أعلاه، لم يصل إلى ربع مليار دولار، على الإطلاق، فمن أين أتى السيد عبدالقادر العبيدي برقم 390 ملياراً؟![/rtl]
[rtl]وأنا هنا لا أقول بشرعية حصول (إسرائيل) على تلك المبالغ، لكنني أوضّح حقيقة ما حدث فقط. يُضاف إلى ذلك، أنّ العراق لم يتعامل مطلقاً مع أيّ من المطالبات (الإسرائيلية)، ضمن سياسته الرسمية في عدم الإعتراف بهذا الكيان. وهذا يعني أنّ الجهات العراقية لم تتسلم تلك المطالبات، أو رفضت أنّ تتسلمها، وبالتالي لم تعترف (واقعياً) بها.[/rtl]
[rtl]وثمّة ملاحظة أخرى لا بدّ من تبيانها أيضاً، وهي أنّ العراق كانت له تحفظّات جدّية وأساسيّة على كيفيّة تشكيل لجنة الأمم المتحدّة للتعويضات من قبل مجلس الأمن الدولي، وطبيعة المهامّ التي أوكلت إليها.[/rtl]
[rtl]فقد تلخص رأي العراق في أن مجلس الأمن الدولي قد تجاوز إختصاصاته المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدّة، وراح يتصرّف وكأنّه جهة قضائيّة تفصل بين الخصوم (المطالبين والعراق). كما كان العراق يعترض على عدم وجود مركز قانوني واضح له في اللجنة، أي أن يكون له دور فعّال في مجمل عملها، وما تتخذه من قرارات بخصوص مبالغ التعويضات.[/rtl]
[rtl]وعلى الرغم من عدم الإعتراف الرسمي العراقي باللجنة، فأن العراق لم يتوانَ عن إستثمار أيّ فرصةٍ تُتاح للدفاع عن مصالحه، ولتفنيد تلك المطالبات والردّ عليها، تفصيلياً، وكوّن لهذا الغرض فرقاً متخصّصة من خبراءٍ عراقيين أكفّاء في معظم التخصصات تحت إشراف وزير الخارجية وبعثة العراق في جنيف.[/rtl]
[rtl]فنّد الخبراء العراقيون كثيراً من المطالبات ودحضوا ادّعاءاتها وأسقطوا نحو 85% منها من خلال حججٍ دامغة.[/rtl]
[rtl]وعندما أجرت لجنة التعويضات تغييراً في بعض مواقفها، عندما وصلت إلى المطالبات الكبيرة، فأخذت ترسلها الى العراق لغرض الردّ عليها، جاء هنا الدور الحاسم والمتميّز للخبراء العراقيين. فقد قاموا بمراجعة تلك المطالبات، والردّ تفصيلياً على ما تضمنته من إدّعاءات بماً يُفنّد الكثير مما كان يرد فيها.[/rtl]
[rtl]وفي تلك الردود قدّم الخبراء العراقيون حججاً دامغة على المبالغات التي تضمنتها المطالبات، وعلى عدم أهلية الكثير منها لأيِّ تعويضٍ.[/rtl]
[rtl]وقدّ كان من نتيجة ذلك في نهاية عمل اللجنة أن تحقّق تخفيض كبير في مبالغ التعويضات التي طُلبت من العراق. فمن المبلغ الأساسي الذي كان بحدود 352 مليار لم تقرّ اللجنة سوى 52 مليار، أي برفض مبالغ مُطالبٌ بها وصلت إلى 200 مليار دولار أميركي تقريباً.[/rtl]
[rtl]وجهات نظر[/rtl]
|