مهازل سيرك العملية السياسية
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
مهازل سيرك العملية السياسية
السياسيون ودعاة الدين
يقول عالم الاجتماع دعلي الوردي (رأيت ذات يوم رجلا من العامة يستمع الى خطيب وهو معجب به اشد الاعجاب فسألته :ماذا فهمت..أجابني وهو حانق :وهل استطيع ان افهم مايقوله هذا العالم العظيم!!).
ينقل عن الفيلسوف الألماني الكبير فردريك نيتشه في معرض تحليله للثورة الفرنسية،انه قال : (لقد أنتصرت الثورة الفرنسية منذ أن رفع ثوار الباستيل شعارهم الذي يعنون كل كلمة فيه: "لا يعم السلام حتى يشنق اخر أقطاعي بأمعاء اخر قديس". ،فهذه الجملة البليغة على مافيها من تطرف وراديكالية شكلية، تتضمن عدة أمور جوهرية لنجاح أي ثورة شعبية، فأولا هي عامة لم تضع صفات لا للأقطاعي ولا للقديس ولم تستثني مثلا الأقطاعي المحسن والقديس الزاهد والأ لتنازع الثوار في تحديد من هو المحسن ومن هو الزاهد وما تعريف الأحسان والزهد ولضاعت ثورتهم ،وثانيا، لم يترك الثوار الحكم للأله بل أتخذوه هم بأنفسهم كواجب وطني وأنساني فهم بذلك عرفوا أن لا طريق ابدا للوصول للأله الأ عبر القصاص من عدوهم رجال الدين،وثالثا، لم يخدع الثوار بتوصيفات ومراتب رجال الدين الكهنوتية، فأبتدؤا عقابهم بالقديس نفسه،ففي العراق، لن تنتصر ثورة الناس الأ عندما يطلقون هدفهم الوحيد (لا تبنى دولة العراق الديمقراطية الحديثة الأ بشنق أخر سياسي بأمعاء أخر مرجع ديني) ويعون كل كلمة فيها…
لماذا مؤتمر اربيل للتطبيع؟
في علوم الاعلام نستخدم مفهوم اسمه (SPIN))) ويعني ان تخترع او تركز على حدث ثانوي وتبرزه دعائيا ،ليلتفت اليه الناس وينشغلوا به في حين يتم تمرير احداث خطيرة اخرى ،ربما لن يلتفت اليها الناس،وهذاماينطبق على مسرحية مؤتمر اربيل للتطبيع مع الصهاينة،فالناس تركوا قضية خطيرة وهي مؤامرة الانتخابات الهجينة التي ستمرر ضد الأرادة الحقيقية الواعية للشعب العراقي،وأنشغلوا بما تم فبركته في هذا المؤتمر التافه لحرف الأنظار وللتعمية عن ماصدر من تصريح عن بهاء الاعرجي حين قال( التطبيع سيأتي من النجف قبل بغداد وفي تصريح له اخيرا ان هناك لقاءات عقدت بين مممثلي بعض الاحزاب اللااسلامية ومسؤول محسوب على المشروع الصهيوني) ، وما يتصل بذلك مما قاله فائق الشيخ علي ( المعارضة والمالكي طلبوا السلاح من السفير الاسرائيلي عام 2000 لمحاربة النظام العراقي )علما ان وسائل الاعلام نقلت عن جهات اماراتية وجود علاقة لرئيس مجلس الدواب الحلبوسي بمؤتمر اربيل .
أن منهج التضليل وخلط الأوراق وتوظيف الأحداث لأستثمارها من قبل طرف سياسي على حساب آخر لن يلغي حقيقة أن كل الأطراف والتشكيلات داخل مايسمى بالعملية السياسية لاتدخر في جعبتها أي موقف حقيقي ضد الكيان الصهيوني، وهم في الأصل ومنذ كانوا بمايسمى أفتراءا "بالمعارضة" أنتظموا في منهج الخدمة لمصالح الغرب والكيان الصهيوني ونظام الملالي في أيران على حد سواء وهم في حقيقة الأمر مبدعين في تنفيذ الأسس الميكافيلية الذي تتحلل فيها القيم والمبادىء والأخلاق في صيرورة تحقيق المكاسب الغير مشروعة. أن الحقيقة الثابتة في جريمة احتلال العراق وما تمخض عنها ولايزال من جرائم وابادة وفساد وتهجير تعكس على نحو لايقبل الشك المنطلقات التي تهدف الى تهيئة نفوس العراقيين وعقولهم لقبول التطبيع ،الذي تم رفضه ومقاومته بقوة من قبل كل الأنظمة الوطنية التي توالت على حكم العراق لغاية عام 2003.
ان ذيول نظام الملالي في أيران كانوا حتما على اطلاع بحيثيات هذا المؤتمر ، وبعض من شاركوا فيه هم من عملاء نظام ايران، وسمح ملالي ايران باقامته لتتظاهر بانزعاجها بأدعائها الحرص على قضية فلسطين وهي التي تتوافق وتتماشى مع كل مخططات الصهاينة الموجهه ضد العرب والدلائل كثيرة ولايحيد عنها الا مدعي وكاذب،أن من باع وطنه وبدد ثرواته لصالح أيران وأقام ميليشيات تابعة لها على ارض العراق لا يحق له الحديث عن الوطنية والادعاء برفض المساس بهوية العراق وتاريخ العراق أوالادعاء بالدفاع عن القضية الفلسطينية. ان المهمة التي تقع على عاتق من يدعون رفضهم لهذه الجريمة من ذيول الاحتلال هي تطبيق القانون والبدء باجراءات تنفيذه من تصدير مذكرات قبض وتحري وإحضار والشروع بمحاكمة الاشخاص المعنيين والمعلومين والمعروفين لارتكابهم جرما جنائيا وبالفعل المشهود في المسانده والتبني والترويج للكيان الصهيوني استنادا لنص المادة ٢٠١ من قانون العقوبات العراقي المعدل رقم ١١١ لعام ١٩٦٩التي نصت على الحكم بالإعدام على كل من يساند ماديا او معنويا وبأي طريقة مهما كان الفعل ضئيلا للكيان الصهيوني،هذا هو المطلوب من اقزام السلطة .
أن سلطات الاحتلال في العراق عمدت الى خلق نظام غريب تحت مسمى النظام الاتحادي والذي يقوم على عدد من الأسس الجغرافية والتاريخية المفبركة المثيرة للريبة والشكوك في نواياها المبيتة فضلا عن ما يترتب عليها من الالغام المعدة للانفجار في كل مادة من مواد الدستور المسخ .ان عبارة العراق الجديد وردت في ديباجة الدستور المؤقت تعني بان العراق يجب أن يتغير بالكامل وفي كل الجوانب التاريخية والحضارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ،لان العراق الحقيقي لغاية ما قبل احتلاله كان ذا توجه عربي وتغلب عليه الصفة العربية ،فلا بد من تغيير هويته العربية ومسحها وهذا ما اشتملت عليه معاني مواد دستور ما بعد الاحتلال.ولذلك ما حصل من عقد لهكذا مؤتمر مسخ وتافه أن لم يكن ليحقق أيا من أهدافه الخيانية المتوافقة مع مضامين هذا الدستور والتي تستجيب لمصالح الغرب والصهيونية وأيران ،فهو في نظر من خطط وأسهم في عقده يمثل بالون اختبار لفحص وتقييم ما يترتب عليه من تداعيات وهو أمر ضروري تقتضيه خطواتهم اللاحقة، وفي ذات الوقت هو بداية مؤسسية لترويج فكرة التعاطي مع الكيان الصهيوني من جهة واستثماره لدواعي انتخابية من جهة أخرى.
الشعب يرفض العملية السياسية
منذ ان وطأت ارض العراق جراثيم الاحتلال وعملائه ورغم كل ما رافقها من عمليات البطش والاغتيالات والتغييب والترهيب والتهجير ، لا يزال الشعب العراقي يعيش في قمة ثورته المستمرة ضد الاحتلال وذيوله وما خلفه من اوضاع شاذة وقدم العراقيون في ثوراتهم مواكب عزيزة من الشهداء والجرحى والمعوقين ومئات الالاف من المعتقلين والمخطوفين منذ 19 عاما ولحد الان وبشكل غير قانوني ولا اخلاقي...وآخرها
1285شهيد وشهيدة و 30000 جريح ومعاق و 4016 معتقل ومغيب من أحرار العراق في ثورة تشرين ،ولايزال القتلة والمجرمين طلقاء ضمن بنايات وحماية الحكومة الباطلةو يسعون للانتخابات الباطلة عهرا وقسرا!! ، وكل الشعب يدرك ان لا حل في الافق الا بإسقاط النظام الحالي وعدم الإستمرار بمنحه الشرعية التي لا يستحقها واتخاذ الموقف الحاسم ضد مسرحية إلانتخابات المزيفة المزورة التي ستكون نتائجها ضد إرادة ومصالح العراقيين وعدم منح طغمة الفساد فرصة مجانية اخرى للبقاء والايغال أكثر في تدمير العراق او تقسيمه وإذلال شعبنا الصابر المثابر وإجهاض ثورة تشرين المباركة. فنظام المحاصصة المقيت الذي فرضه غزو وإحتلال العراق وبدوافع وأطماع إنتقامية وتدميرية رشح عنه تمكين هذه الزمرة من الفاشلين الطامعين في الاستحواذ على المناصب والمغانم وسرقة ونهب الثروات وترسيخ هيمنتم على السلطة بأحزابها وميليشياتها العميلة وعصابات الجريمة المنظمة .وهذه المافيات القذرة المنتظمة في مؤسسات الدولة وتلك التي تنشط خارج القانون وبإرادة خارجية هدفهم الحقيقي هو تفتيت النسيج الاجتماعي بتغليب الصراع الطائفي-العرقي-المناطقي والحزبي على حساب مبدأ المصلحة العامة والانتماء والثوابت والهوية الوطنية، ونشرالفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية وتغييب منهج سلطة القانون والرقابة وتجاهل التخطيط العلمي و خطط التنمية وكان أن قد نتج عن ذلك كله تفشي الظلم والفقر والجهل والمرض والنزوح والتهجير والهجرة والعنف والقتل على الهوية والطائفية والفساد السياسي والمالي والإداري والأخلاقي وغياب العدالة الإجتماعية وتصفية او تهميش الكفاءات الوطنية المخلصة ،وبهذا تم تحويل العراق الى بلد طارد لكفاءاته المشهود لها على جميع الصعد والمستويات المحلية والإقليمية والدولية، وغابت عنه العدالة الإجتماعية والسلم المجتمعي والأمن والاستقرار وفقد استقلالية قراره السياسي وأخترقت سيادته الوطنية وجرائم أخرى كثيرة طالت كل نواحي الحياة في المجتمع العراقي.
أن تطور حاجات المجتمع العراقي وطموحات الأجيال الصاعدة ومستلزمات وشروط الحياة الآمنة الحرة الكريمة من جهة والتطور التكنولوجي المعرفي الثقافي والفكري الذي يشهده العالم يوماً بعد آخر لا ولن يتفق وأستمرار هذا االكيانات في أدارة البلد ولذلك فأن دواعي الثورة حاضرة وأرادتها يجب أن تمضي في التعبير عن أهدافها المشروعة.
هل الشعب في خدمة النظام؟
في المانيا فرضوا التعليم الاجباري المجاني (كما كنا بالعراق قبل الاحتلال) ليس حبا بالناس فحسب بل لان عقلاؤهم اكتشفوا علميا ان تكاليف التعليم أرخص بكثير من كلف انتشار الجهله والمجهلين في مجتمعاتهم.
وكان العبيد في أمريكا منذ زمن منقسمين إلى قسمين (عبيد المنازل) و (عبيد الحقل)! عبيد الحقل يعيشون في قهر وذل وكبت ويخدمون في الحقول ليل نهار !!بينما كان عبيد المنازل يعتبرون أنفسهم من طبقة العبيد المرفهة.. فكانوا يأكلون بقايا طعام أسيادهم.. ويلبسون ملابسهم القديمة.. ويخدمون في بيوت الأسياد البيض !وكان كلما اجتمع عبيد الحقول لتحرير أنفسهم من العبودية يخالفهم عبيد المنازل المنتفعين.. وكانوا يسارعون بنقل أخبار و ترتيبات الثورة لأسيادهم.. فيقوم الأسياد بتعذيب عبيد الحقول ويفشلون حلمهم !!وكان العبيد المنتفعين يفعلون ذلك ليس لهدف أو لحكمة.. بل لأن بقايا الطعام والملابس أغلى عندهم من الحرية !!هؤلاء هم سبب فشل أي محاولة للحصول على الحرية .ان جمهور سطله الأحزاب العميلة هو الذي ينتخب الأحزاب الفاسدة و هم فئة عبيد البيوت ،خاصة أولئك الذين التحقوا في مرحلة مبكرة بالأحزاب الدينية، وتمكنوا كالسحالي الخبيثة، من التسلق على الأكتاف، والوصول لأعلى المناصب و كراسي البرلمان مستغلين سذاجة الكثير من الناخبين، وأصوات الحزب، ونجحوا، مع الوقت، في خلق هالة من القداسة حولهم، مما دفع الكثير من السذج أن يدوروا في فلكهم وينتظموا في منهجهم ويذعنوا لهم ،الأمر الذي منح هذه الثلة من الفاسدين مظلة شعبية يتحصنوا داخلها ويتصرفوا وفقا لذلك بغطاء من الشرعية ، وحقيقة الأمر أن هؤلاء أبعد ما يكونوا عن مصالح البلد والشعب وهم غارقين في اشباع رغباتهم، وتحقيق الثروات لأنفسهم. كما نجحوا في استغلال مكانتهم الدينية الحزبية الكاذبة، وتشتمل وظائفهم على التوسط لإنجاز كل ما يصعب إنجازه من معاملات حكومية، مقابل حقائب ممتلئة بالمال.
أن حل مشكلة العراق يجب أن يتضمن تشكيل حكومة إنقاذ وطني لفترة انتقالية محددة، تأخذ على عاتقها الاعداد لإنتخابات عادلة حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المحايدة، وتجميد العمل بالدستور وإعادة كتابته بما يستجيب لمتطلبات الإستقرار الأمني والاجتماعي والتوزيع العادل للثروة وتغيير مسار العملية السياسية المشوهة وحل الميليشيات ومصادرة السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وحظر جميع الأحزاب الطائفية ومحاكمة كل الاطراف المسؤولة عن الفساد والمحاصصة المقيتة والقضاء على كل مخلفات الدولة العميقة ودولة المافيات ،وتقديم قتلة شهداء الثورات والجهات الفاسدة التي تقف وراء تدمير العراق وإذلال شعبنا العراقي الأبي الى المحاكم النزيهة المختصة.