هل نشارك في الانتخابات العراقية أو نقاطعها؟
هيفاء زنگنة
هل نشارك في الانتخابات العراقية أو نقاطعها؟
في تغريدة باللغة الانكليزية خاطب مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء حكومة بغداد، الشعب العراقي بمناسبة إجراء الانتخابات المبكرة، في العاشر من أكتوبر، قائلا : « أحثكم على الحصول على بطاقات تسجيل الناخبين الخاصة بكم… أولئك الذين يريدون الإصلاح والتغيير يجب أن يهدفوا إلى إقبال كبير على التصويت». وهي رسالة، تبدو بفحواها المرتب، وكأنها موجهة الى شعب يعيش رفاهية التمتع بوجود حكومة أنتخبت ديمقراطيا وعلى وشك تسليم السلطة لمن سيتم انتخابه ديمقراطيا فعلا. أي إنها موجهة أما لمن لا يعرف واقع الحال المُعاش سياسيا وإقتصاديا في العراق أو لمن يتظاهر بأنه لايعرف ومن مصلحته إستمرار الحال على ما هو عليه.
هناك مستويان للنظر إلى مجرى الانتخابات الموسومة بالمبكرة، لأن قرار إجرائها أُتخذ بعد إنتفاضة تشرين/ أكتوبر 2019 التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي بتكلفة عالية من حياة مئات المتظاهرين وآلاف الجرحى والمُقعدين. المستوى الأول هو ما يُقدم كصورة إعلامية مزوقة عن الإعداد لانتخابات توحي، للعالم الخارجي، بأنها لا تختلف عن عديد البلدان في أرجاء العالم الديمقراطي. هناك اسطوانة يومية، مثلا، عن مفوضية عليا « مستقلّة» للانتخابات، وإحصائيات وقانون انتخابات ومراقبة دولية لضمان النزاهة. إلا أن تفكيك هذه الصورة، وهو المستوى الثاني للنظر، يبين ما هو مخفي ورائها من تزوير وتزييف للواقع المٌعاش، المؤثر على سيرورة الانتخابات وإنقسام مواقف أحزاب وميليشيات ومرجعيات دينية أرتبطت بالاحتلال وحركات ومنظمات وُلدت من رحم إنتفاضة تشرين.
قبل أشهر، أعلنت مفوضية الانتخابات أن عدد الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية، يبلغ ما يقارب 25 مليون شخص. إلا أنها عادت، بعد طفو ملامح التزوير إلى السطح، إلى حصر عدد من يحق لهم التصويت بمن يمتلكون البطاقة البايومترية، مع زيادة عدد المراقبين الخارجيين. ومع اقتراب موعد الانتخابات وزيادة عدد الخروقات في الإعلانات والترويج، وإطلاق المرشحين (ومعظمهم من ممثلي الأحزاب الفاسدة الموجودين في البرلمان حاليا) وعودا خيالية زائفة لمداعبة حاجات المواطنين، من الصحة والتعليم، إلى البناء والإعمار والكهرباء والماء الصالح للشرب، وتعيين الخريجين، ومع تصاعد أصوات الداعين إلى مقاطعة الانتخابات، ازدهر موسم إصدار التصريحات والبيانات الداعية إلى إلمشاركة.
حكوميا، صرّح الكاظمي، مثلا، بأنه سيشرف شخصيا على الأمن الانتخابي وأنه لن يسمح « بأي خرق، أو تجاوز يمكن أن يؤثر على سير العملية الانتخابية أو نتائجها» متعاميا عن حقيقة إطلاقه الوعود بالأطنان حول تقديم قتلة المتظاهرين الى القضاء وتقليم أظافر الميليشيات، بداية تسنمه المنصب. ولم يُنفذ أيا منها. وأصدرت المرجعية الدينية، متمثلة بمكتب المرجع الديني علي السيستاني، المُصر على أنه لا يتدخل بالشأن السياسي، بيانا يوم 29 أيلول/ سبتمبر، لتشجيع «الجميع» على المشاركة في الانتخابات لكي يتفادى البلد خطر الوقوع بـ «مهاوي الفوضى والانسداد السياسي» مفترضا أن ما يعيشه البلد، حاليا، هو قمة النظام والانفتاح السياسي. وهو بيان يستحق أن يُقرأ بتأن لسببين. الأول لتوقيت إصداره قبل أيام من إجراء الانتخابات، وبعد أن بات تغلغل الفساد في كل تفاصيل التهيؤ لها مكشوفا، فجاء البيان أما من باب رفع العتب أو محاولة إنقاذ، لنظام فاسد، ما أن يوشك على الغرق حتى يمد مكتب المرجعية له يد الانقاذ.
القراءة الثانية للبيان تبين مهارة «الواعظ» في صياغة خطاب، بلا محتوى حقيقي، باستثناء دغدغة المشاعر. فكيف يمكن للناخب «أن يكون واعيا ومسؤولا» من أجل «إحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة» وهو الذي ما إن خرج إلى الشارع مطالبا بوطنه حتى جوبه «بالاستخدام المفرط للقوة المميتة، من طرف قوات الأمن لتفريق المحتجين، بما في ذلك القنابل المسيلة للدموع ذات الاستخدام العسكري، والذخيرة الحية والهجمات المميتة التي يشنها القناصة» حسب منظمة العفو الدولية التي وثَّقت، أيضا « حالات الاختفاء القسرية للناشطين». وتنصح المرجعية بانتخاب المرشح « الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا، الكفوء، غير المتورط بالفساد، المؤمن بثوابت الشعب العراقي «. وهي مواصفات بضاعة، يعرف مكتب المرجعية جيدا كما أبناء الشعب، إنها غير متوفرة بين المرشحين، المغموسين بالفساد، مما يلقي ظلال الشك حول النية من إصدار البيان.
الملاحظ أنه ليس هناك موقف موحد بين المرجعيات بصدد المشاركة. حيث أوضح المسؤول الإعلامي لمكتب المرجع الديني جواد الخالصي، في مقابلة مع وكالة ( روداو) بأن البيان لم يصدر باسم السيد السيستاني بل من مكتبه وهو ليس فتوى، بل بيان تشجيعي، مما يعني أن الالتزام به ليس فرضا. وترى مدرسة الامام الخالصي أن الاحتلال الأمريكي لايزال موجوداً « وهو المتحكم والمسيطر والمهيمن على كل تفاصيل العملية السياسية، ومن ضمنها الانتخابات». و«أن نتائج الانتخابات محسومة والاصوات مفروزة والمقاعد موزعة».
بعيدا عن المرجعية، أيد «تجمع قوى المعارضة» الذي تأسس من مجموعات شاركت في انتفاضة تشرين، المقاطعة لأنها «تفتقر إلى النزاهة وتكافؤ الفرص». وكان الحزب الشيوعي قد إنسحب من المشاركة يوم 24 تموز/ يوليو، بعد مناورة الانسحاب المؤقت لشريكه « التيار الصدري» يوم 15 تموز/ يوليو. إلا أن الصدر أعلن، بعد أسابيع، عدوله عن قراره السابق وألزم مرشحي تياره بالتوقيع على تعهد من 28 نقطة أُستهل بشرط « الطاعة والولاء» للصدر، تاركا حليفه الحزب الشيوعي في عراء اللا مشاركة مع كونه بعيدا عن تجمع قوى المعارضة التي التزمت منذ البداية برفض العملية السياسية برمتها.
هل ستؤدي المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها إلى إحداث أي تغيير في هيكلة منظومة الحكم الحالية؟ نعم، سنرى تغييرا ما إلا أنه في الأغلب، لن يكون لصالح الشعب المتطلع إلى التخلص من النظام الطائفي الفاسد وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي، بل سيكون لصالح تمديد عمر منظومة الفساد مع إعادة توزيع لتوازناتها، انسجاما مع التوازنات الاقليمية الجديدة بين دول الجوار والتحالف الدولي وصفقاتها الداخلية.