الإنتخابات العراقية بين صورتين لا تلتقيان
سناء الجاك
الإنتخابات العراقية بين صورتين لا تلتقيان
عكست الانتخابات العراقية المبكرة الجهود الواضحة التي بذلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ليضع العراق على سكة إعادة الثقة إلى النظام السياسي. كما عكست مساعيه لتغليب منطق الدولة والمؤسسات على منطق الميلشيات وكواتم الصوت الحاضرة لإخراس المطالبين بالحد الأدنى من حقوق الشعوب.
لكن بموازاة هذه الجهود، توحي التغطيات الإعلامية المباشرة لليوم الإنتخابي أن للحدث صورتين منفصلتين انفصالا كاملا. وكأنهما تسيران في خطين متوازين يستحيل أن يلتقيا.
فالصورة الرسمية، كما روجتها المفوضية العليا لإدارة الانتخابات والتي عكستها تصريحات المسؤولين، بدت مدروسة بكل تفاصيلها لتظهر أن هذا الحدث يستحق الحصول على علامة كاملة لجهة النجاح في إنجازه بمواصفات مثالية، طغت عليها مصطلحات تؤكد جمالية الصورة وكمالها، إن لجهة الشفافية والإنسيابية والسلاسة والدقة والتسهيلات المنبثقة عن التقنيات الفنية المتطورة، على الرغم من الأعطال الجانبية، أو حتى لجهة تنظيف هذا اليوم المشهود من الشوائب التي يمكن أن تشوش الصورة.
لذا حرصت المفوضية العليا للإنتخابات على قسم يهتم برصد الشائعات ومحاربتها وتعزيز الوعي بممارسة هذا الحق الديموقراطي المتاح للشعب، واستسقاء الأخبار من مصادرها الموثوقة.
في المقابل، لم تحمل صورة التغطية الميدانية للشارع ما يتناسب ويلتقي مع مثالية التصريحات الرسمية، فقد طغت الخبية على مواقف الناخبين العراقيين لجهة إمكانية التغيير ومكافحة الفساد، مع إشارة المراسلين إلى النسب المتدنية للمشاركة في "العرس الإنتخابي"، كما ردد المسؤولون عن سير العملية الانتخابية في وصفهم لهذا الإستحقاق.
وكأن جهود الكاظمي وآماله وطموحاته المرجوة للمستقبل، لم تجد ترجمة لها على الأرض لتبقى الغلبة لفقدان الثقة بالتغيير المأمول والقدرة على إنقاذ الدولة من شرذمة مؤسساتها بفعل الإنقسامات الطائفية والعرقية والهيمنة السياسية لأحزاب لم تُظْهِر إلا كفاءة في النهب الممنهج، كما ردد غالبية العراقيين ممن إستصرحهم المراسلون الميدانيون.
ولا تحتاج الصورتان إلى تحليل معمق، لنستنتج أن اليوم الإنتخابي العراقي يشكل "بروفة" لأيام إنتخابية سوف تشهدها دول أخرى على أبواب هذا الإستحقاق، وذلك بفعل المعطيات الإقليمية والدولية التي لا يغيرها إلا إنقلاب شعبي يستطيع الإطاحة بالمنظومات المتحكمة بهذه الدول فيرغم القوى الإقليمية والدولية على إعادة حساباتها.
بالتالي، فإن غياب هذا الإنقلاب الشعبي، حوَّل اليوم الإنتخابي العراقي إلى ما يشبه مسرحية تدور فصولها على خشبة لا علاقة لها بجمهور لم يعد يكترث، ولم يعد ينتظر. فاليأس الذي يغرق فيه هذا الجمهور، لا ينتشله منه إلا حصول مفاجآت غير متوقعة. حينها يمكن أن يبني على الشيء مقتضاه، ويعود إلى التفاعل مع جهود شخصيات سياسية من قماشة الكاظمي، تستطيع ردع قوى الأمر الواقع لمنعها من التصدي لمحاولات الخروج من الفوضى إلى الدولة.
وحتى تحصل مثل هذه المفاجآت وتحمل التغيير المرتجى، يبدو المشهد الإنتخابي وكأنه مناسبة تستغلها قوى الأمر الواقع لتبقى في السلطة وتحصل على شهادة حسن سلوك تقدمها إلى العالم الخارجي لتعزز وجودها وتشرعنه من خلال صناديق الإقتراع، وإن بأصوات من حضر. وكأن المجتمع الدولي هو المستهدف بهذا "العرس الإنتخابي"، وهو الذي لا يريد أن يرى إلى أبعد من الصورة المسطحة التي يعكسها الإداء الطاغي على الحدث بعناوين عريضة مستوردة من المصطلحات العامة وفق المواصفات العالمية المرعية الإجراء وبنسخة خالية من المضمون.
بالتالي، يمكن القول أن المسرحية الانتخابية نجحت من حيث الإعداد والسيناريو والديكور والمستلزمات الأساسية بفضل جهود الكاظمي وفريق عمله، ليستفيد منها الذين لا يريدون للأمور أن تتغير. وكل همهم الحصول على براءة ذمة دولية، لذا تركوا للحكومة أن تنجح في هذا الإستحقاق، فيتم تسجيل الإنجاز في دفتر ممثلي الأمم المتحدة الذين أبدوا إعجابهم بـ"العرس الإنتخابي"، وتحديدا مع غياب الحوادث الأمنية التي توارت بكبسة زر. ربما لأن الرافضين قيام دولة إلا على قياسهم يتحكمون بالأزرار، فيفتعلون الحوادث الأمنية ساعة يشاؤون وينكفئون عنها، متى تطلبت مصالحهم ذلك.
ولأن الجمهور يعرف كل هذه التقنيات المتعلقة بكبس الأزرار، لم نشهد إنعكاسا لنجاح اليوم الإنتخابي على أرض العراق، فلا مظاهر لإحتفالات شعبية عفوية، ولا فرح ولا ترقب ولا إنتظار لغد أفضل في قاموس الشعب العراقي، لتبقى الإشادة بهذه الخطوة المنفصلة عن ما عداها إعلامية بحتة، وتبقى الميليشيات والأحزاب التقليدية المسؤولة عن إنهيار الدولة قادرة على الترشح والمنافسة فيما بينها لإقتسام مغانم السلطة.