الحوار بالنار
سناء الجاك
الحوار بالنار
وحدها الشعوب تدفع ثمن عداء الدول التي تستضعفها فتعتدي عليها بحجة مواجهة الشيطان الأكبر، إما مباشرة أو مواربة.
ربما الأمر كان على هذا الشكل منذ اندلعت الصراعات بين محاور القوى العالمية، على الأقل خلال القرن الماضي والسنوات التي انقضت من القرن الحالي.
الشيطان الأكبر يتغير مع تغير المراحل التاريخية وظروفها وموازين القوى. كذلك تتغير معه القيم المتحكمة بالعلاقات بين الدول.
وليست مهمة الأدوات التي تستخدم في الصراعات لتبرير الأعمال العسكرية، شرقا وغربا، من النزاع العربي الإسرائيلي إلى حرب فيتنام إلى أفغانستان إلى العراق، الى أيامنا الراهنة مع ما يجري في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وصولا إلى النزاع الروسي الأوكراني الذي يضع العالم بأسره أمام احتمالات محكومة بالتوتر والنزاعات المجهولة المصير.
والأهم أن هذه النزاعات لا تقتصر مفاعيلها على مرتكزاتها الجغرافية، بل هي تتمدد إلى حيث يمكن استثمارها، كما شهدنا مع تأثر سوق النفط والغاز. فاستهداف أرامكو في السعودية، ليس لتحسين وضع الحوثيين، كما يحلو لمن يدور في الفلك الإيراني أن يروج، ولكنه خدمة يقدمها الحوثيون لإيران بغية دفع الولايات المتحدة وأوروبا الى اعتمادها كمصدر لهاتين المادتين الأساسيين بعد تعطل التصدير من روسيا.
هي إذن دعوة للحوار بالنار، تماما كما كانت غيرها من الدعوات التي لطالما لجأت إليها الجمهورية الإسلامية، التي منذ ثورة الخميني وهي تحارب الولايات المتحدة بالشعوب التي تهيمن عليها وتصادر سيادتها.
وبالطبع لا يهم في هذا المقام مدى ركاكة القوة العسكرية للحوثيين قياسا إلى قوة المملكة العربية السعودية، أو قوة "حزب الله" بكل صواريخه ومقاتليه قياسا إلى قوة إسرائيل. فهذه المعادلات العلمية تغيرت.
وكما لم يهتم الحزب ومن خلفه إيران بتعرض لبنان كله إلى القصف، وتحديدا بناه التحية ومطاره وموانئه وشبكة طرقه، هذا عدا الأرواح التي تزهق في المعارك، مقابل إزعاج إسرائيل وتخويف الناس فيها ودفعهم إلى الملاجئ، لأن في النهاية، وبعد التوسل للحصول على قرارات دولية تقضي بوقف إطلاق النار بين الطرفين، بدأ حزب الله العمل لاستثمار الحرب في الهيمنة على لبنان ومصادرة سيادته، كما حصل في يوليو /تموز 2006، وما بعده، وصولا إلى يومنا هذا. مع الإشارة إلى أن هذه الحرب أدت إلى تهدئة الجبهة الجنوبية مع إسرائيل بغية التفرغ للجبهات الأخرى، داخليا أو اقليميا، أو حتى دوليا، أينما ما استوجبت مصلحة المحور الإيراني ذلك.
وقصف مصافي النفط في السعودية، تحديدا في هذه المرحلة الحساسة على مستويات عدة، يشبه حرب يوليو/تموز التي شنها حزب الله وتدمر لبنان بفعلها.
فهذا القصف هو دعوة إلى الحوار لا تستقيم إلا بالنار، تقوم بها دولة فاشلة، تملك ترسانة صواريخ، فقط لا غير. اقتصادها تحت الصفر، الوضع الاجتماعي لشعبها يحاكي الكارثة المستدامة، تعتبر الثقافة والانفتاح عمالة. كما تعتبر قمة العمالة، مطالبة المواطنين بالماء، والكهرباء، والطبابة، والعلم. تفرض ثقافة متوحشة همجية مدمرة قوامها الخضوع للقوة وليس للمنطق. ولديها ترسانة صواريخ. هذا هو الوضع اليوم من طهران الى اليمن مرورا بلبنان وسوريا والعراق.
ولكن، هذا الوضع ليس صنيعة إيرانية خالصة. هو في مكان ما وليد تراكمات سببها السلوك الأميركي والأوروبي الغربي منذ 11 سبتمبر 2001. وما تلاه من أولويات أميركية طارئة على حساب العرب، آخرها كان الاتفاق النووي عام 2015، ما سمح لإيران بأن تتغوَّل وتعيث خرابا في المنطقة، كما هو الحال مع القصف الحوثي المدعوم والممول منها بالصواريخ والمسيّرات لدولة الإمارات، ومؤخراً على مدن ومنشآت سعودية، وأيضاً الصواريخ الباليستية الإيرانية ومن الأراضي الإيرانية على أربيل والتراخي الأميركي تجاهها.
وتلاشي الاهتمام الأميركي بما تفعله إيران وحصر كل المفاوضات بالملف النووي، لا يبشر بالخير، تحديدا بعدما أدى هذا الأمر إلى تحويلها لاعباً رئيساً ضاغطاً في شؤون المنطقة.
ومع النزاع الحاصل بين روسيا وأوكرانيا وما تلاه من توتر غير مسبوق بين روسيا ودول الغرب مجتمعة، تقلصت مساحة تحييد الدول. وبدأت مساعي كل محور لكسب الحلفاء إلى جانبه تنشط على حساب الشعوب غير المعنية أصلا بالنزاع.
لكن البعد الجغرافي والاهتمام الاستراتيجي لهذه الدول، ومع التراخي الأميركي، لا يحول دون الاعتداء عليها لغايات لا علاقة لها بها، ما دام المعتدي هو من صنف الذين لا يتورعون عن استضعاف الشعوب من خلال زجها في معاركه بغية تحسين أوراقه بكل الوسائل، فقط ليحفِّز الحوار مع خصمه بالنار، سواء كان هذا الخصم هو المملكة العربية السعودية أو الإمارات او الولايات المتحدة الأميركية.