لبنان يدفع مجدداً ثمن الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران
منذ 9 ساعات
0
حجم الخط
بيروت: تتخطى الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وبيروت تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي حول الحرب في اليمن، لتعكس وفق محللين، صراعاً سعودياً إيرانياً يدفع ثمنه مجدداً لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.
وتدعم القوتان الإقليميتان منذ عقود قوى سياسية محلية متخاصمة، لكن دعم السعودية الحليفة التقليدية للبنان، تراجع تدريجياً خلال السنوات الماضية، على خلفية تعاظم دور حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز المدعومة من طهران. وحملت الرياض على المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً حلفاءها لا سيما رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، بسبب عدم تصديهم لهذا الدور.
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار “لا علاقة تذكر للتصعيد الأخير بما قاله وزير الإعلام قبل شهر من توليه منصبه. لكن أعتقد أن الأمر يتعلّق بشدّ الحبال السعودي الإيراني المستمر خلال السنوات القليلة الماضية”.
ويضيف “أعتقد أن قرداحي شكّل ذريعة لأمر كان في طور الإعداد لفترة طويلة وهو يرتبط بحقيقة أن لبنان ما زال إحدى ساحات القتال الأربع أو الخمس بين إيران والسعودية” الى جانب العراق واليمن وسوريا والبحرين.
وأثارت تصريحات أدلى بها قرداحي في مقابلة تلفزيونية تم بثّها الإثنين، بعد تصويرها في آب/أغسطس الماضي، أي قبل شهر تقريباً من تشكيل الحكومة، غضباً سعودياً. ووصف قرداحي فيها حرب اليمن بأنّها “عبثية”. وقال إنّ المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران “يدافعون عن أنفسهم” في وجه “اعتداء خارجي” من السعودية والإمارات.
ورغم مسارعة الحكومة اللبنانية الى رفض تصريحات قرداحي وتأكيدها أنه “لا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا”، استدعت السعودية والإمارات الأربعاء سفيري لبنان لديهما للاحتجاج على التصريحات التي اعتبرتاها “مسيئة”. واتخذ الأمر منحى أكثر خطورة الجمعة، مع إعلان الخارجية السعودية استدعاء سفيرها من بيروت وطلبها من سفير لبنان مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة، ووقف الواردات من لبنان. وأقدمت البحرين والكويت على الخطوة ذاتها.
ورفض قرداحي الاعتذار” عن “آرائه الشخصية”، في خطوة لاقت دعماً من حزب الله الذي أبدى رفضه “أي دعوة لإقالة الوزير أو دفعه إلى الاستقالة”.
وتشهد العلاقة السياسية بين لبنان والسعودية فتوراً منذ سنوات، على خلفية تعاظم دور حزب الله، الذي تعتبره الرياض منظمة “إرهابية” تنفذ سياسة إيران خصمها الإقليمي الأبرز.
وفي بيانها الجمعة، اعتبرت الخارجية السعودية أن “سيطرة حزب الله الإرهابي على قرار الدولة اللبنانية جعل من لبنان ساحة ومنطلقاً لتنفيذ مشاريع دول لا تضمر الخير للبنان وشعبه”.
“حروب بالوكالة”
ويأتي تصعيد السعودية تجاه لبنان، على وقع مباحثات منذ أشهر مع إيران، تهدف إلى تطبيع علاقتهما المقطوعة منذ أكثر من خمس سنوات وتخفيف حدة المواجهة بينهما في الشرق الأوسط.
والقوتان الإقليميتان على طرفي نقيض في معظم الملفّات الاقليمية خصوصا النزاع في اليمن حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة، وتدعم طهران المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد.
وصعّد الحوثيون هجماتهم مؤخراً للسيطرة على مدينة مآرب الاستراتيجية القريبة من الحدود السعودية.
ويقول بيطار “يبدو أن السعوديين يمارسون ضغوطاً متزايدة على حلفائهم في لبنان (..) من أجل اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه حزب الله، وهو ما يدفع للتساؤل عما إذا كان ثمة محاولة في خضم المفاوضات بين السعوديين والإيرانيين للضغط على لبنان من أجل موازنة التنازلات المقدمة في اليمن”.
ويضيف “عندما يتقاتل فيلان فإن العشب هو من يعاني. ولبنان مجدداً يشكل العشب الذي يعاني كلما اشتدت حدّة الحروب بالوكالة”.
ومن شأن التصعيد أن ينعكس وفق محللين سلباً على لبنان في هذه المرحلة الحرجة، وفي وقت كانت الحكومة تتطلع فيه إلى اعادة ترتيب علاقاتها مع دول الخليج خصوصاً السعودية وتعوّل على دعمها المالي في المرحلة المقبلة، فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ويفاقم التصعيد السعودي، ما لم ينجح لبنان في احتوائه، التحديات الشاخصة أمام الحكومة التي أبصرت النور بعد عام من فراغ نجم عن انقسامات سياسية حادة، والمعطلة جلساتها أساساً منذ أسابيع جراء اعتراض حزب الله على مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المروع ومطالبته بتنحي المحقق العدلي.
وكتب الباحث مايكل يونغ مدير تحرير في مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، تعليقاً على مطالبات باستقالة حكومة ميقاتي على تويتر “يحتاج لبنان إلى حكومة، ولا يكسب شيئاً بإطلاق النار على قدمه، بينما يجد نفسه في خضم صدام إقليمي”.
وأضاف “بما أن السعوديين يعتبرون لبنان ورقة إيرانية، فإنهم يشعرون أنه من المنطقي التصرف تجاه البلد بهذه الطريقة”. لكنّ “المشكلة أنه من خلال عزل لبنان، سيضمنون فقط تشديد إيران ووكلائها المحليين سيطرتهم على لبنان”.
ويهدّد اصطفاف قوى سياسية الى جانب قرداحي، خصوصاً حزب الله لناحية عدم استقالته، مصير الحكومة التي دعا رئيسها الجمعة وزير الإعلام الى “تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية”.
(أ ف ب)