تخلوا عن كل شيء في مرتين للهروب من العراق.. فأعيدوا إليه
الحرة / ترجمات - واشنطن:لم تنجح الثلوج والغاز المسيل للدموع وطائرات الترحيل الجاهزة بانتظارهم في ثني مئات العراقيين من العودة للمنطقة الحدودية بين بيلاروس وبولندا لمحاولة دخول الاتحاد الأوروبي من جديد بعد ترحيلهم إلى بلدهم.
وتختلف قصص رحلاتهم لكن الهدف واحد: الوصول إلى داخل حدود الاتحاد الأوروبي هربا من الجوع والفساد الذي يدفع آلاف العراقيين اليائسين من تحسن الأوضاع للخروج.
ومن مئات الحالات ينقل تقرير من صحيفة "نيويورك تايمز" حالة باريا علي وأسرتها التي لم تتردد في مغادرة إقليم كردستان العراق إلى الحدود بين بيلاروس وبولندا.
باعت علي، 21 عاما، أسلحتها الافتراضية على حسابها في لعبة PUBG مقابل 8000 دولار، وعلى غرار قانون اللعبة الذي يقتضي من اللاعب استعمال أسلحته للبقاء على قيد الحياة، استخدمت المال لمساعدة عائلتها على مغادرة العراق.
كانت خطتها السفر إلى بيلاروس في أوروبا الشرقية ومن هناك شق الطريق إلى ألمانيا، لكن الآمال انهارت في مطار وارسو بعد أن تم ترحليهم وإعادتهم إلى العراق رفقة عشرات الآخرين.
وتروي علي للصحيفة كيف فكرت في كسر أصابعها حتى يتم نقلها إلى المستشفى وتتمكن من البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع عن ذلك، بعد أن قررت رفقة شقيقها، عبد الرحمن، 19 عاما، أن ذلك قد يفرق العائلة المكونة أيضا من والدتهم وشقيقهم الأصغر، 11 عاما.
وكانت الأسرة تأمل في الدخول إلى أوروبا للالتحاق ببعض الأسر من معارفهم هناك، إذ يعد الأكراد أكبر أقلية عرقية في أوروبا.
لكن هذا الباب أغلق بعد أن اعتمدت الدول الأوروبية تدابير أكثر صرامة بشأن المهاجرين قبل ثلاث سنوات.
وتروي والدتها، يادغر حسين، 47 عاما، أنها حاولت مغادرة العراق لأول مرة في 2015. باعت منزلها ودفعت للمهربين الذين قادوها رفقة أطفالها لأربعة أشهر عبر الحدود الأوروبية، ووصلت إلى ألمانيا حيث تم إيواؤهم لخمسة أشهر في مركز للاجئين في انتظار البث في طلب لجوئهم.
وتكشف حسين للصحيفة أنها طلبت من السلطات الألمانية ترحيلها آنذاك بعدما علمت أن والدها كان مريضا، وافتقد ابنها والده فظنت أن العودة للعراق قد تكون فرصة ليعود طليقها إليها.
وجاءت المحاولة الأخيرة للوصول إلى ألمانيا مرة أخرى، بعد أن لامتها ابنتها على قرارها بالعودة للعراق في المرة الأولى.
وفي رحلتها الشاقة من بيلاروس إلى بولندا، قالت إنها تخيلت الحياة الهادئة التي تنتظرها في أوروبا.
ولدى وصولهم إلى بولندا بعد أن قطعت الشرطة البيلاروسية السياج الحدودي، قيل لها في المحكمة إن عائلتها ستتمكن من البقاء حتى يناير لحين البث في قضيتهم. ولكن بعد 10 أيام، طلب منهم ومعهم نحو 20 عراقيا آخرين التوقيع على وثائق ترحيل لم يفهموها.
وتقول حسين للصحيفة من بيتها في أربيل إنها ستحاول رفقة ابنها الأكبر سنا المحاولة من جديد للوصول إلى أوروبا.
وعلى عكس عائلة علي التي تمكنت من العودة سالمة إلى أربيل، يموت آخرون على الحدود كما حدث للشاب الكردي، كيلان ديلير، الذي عاد جثمانا بعد محاولته أيضا الوصول إلى ألمانيا.
وكان ديلير البالغ من العمر 25 عاما ويعاني من مرض السكري والتهاب في الحبل الشوكي، اتجه في رحلة طويلة قاصدا ألمانيا على أمل الحصول على علاج من مرضه، بحسب ما يقول والده، دلير اسماعيل، في حديث لموقع قناة الحرة.
وحكى والد ديلير للحرة في تصريحات سابقة أن ابنه عانى من كسر رجله في الغابات الممتدة على الحدود، وتضاعفت معاناته بعد نفاد زاده من دواء الإنسولين المخصص لمرض السكري.
ونقل الجنود على الحدود ديلير إلى المستشفى بعد تدهور حالته، لكنه توفي بعد يوم واحد من طرده من جديد إلى الحدود بسبب نقص الأنسولين.
وهذه القصص هي نماذج لمئات العراقيين الذين يدفعون آلاف الدولارات للسفر ويقطعون مئات الكيلومترات على أمل إيجاد "مستقبل أفضل" لهم ولأبنائهم في أوروبا ويواجهون صعوبات هائلة.
وقبل إغلاقها بناء على طلب الحكومة العراقية منذ ما يقرب من أسبوعين، أصدرت القنصليات البيلاروسية في أربيل بكردستان العراق وبغداد تأشيرات سياحية تسمح للزوار بالسفر إلى مينسك من ثم إلى الحدود مع بولندا، إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وتؤكد وارسو أن ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف شخص، بينهم الكثير من الأكراد العراقيين، يخيمون حاليًا على طول الحدود، في هذه الأزمة التي تتواجه فيها الدول الغربية من جهة، وبيلاروسيا وحليفتها روسيا من جهة أخرى.