الميليشيات الولائية في العراق تفتح أبواب التجنيد تأهبا لسيناريو محاصرتها
أذرع إيران تتخذ من بقاء مستشارين أميركيين ذريعة للاحتفاظ بسلاحها.
إقدام ميليشيا كتائب سيد الشهداء على فتح باب التطوع لضم مقاتلين جدد لا يخلو من رسائل سياسية في علاقة بأزمة الانتخابات التشريعية المرجح أن تتصاعد بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية.
العرب/بغداد - تقول أوساط سياسية عراقية إن فتح بعض الميليشيات الشيعية الموالية لإيران باب التطوع لضم مقاتلين جدد في صفوفها يندرج في سياق التأهب للمرحلة المقبلة التي من المتوقع أن تشهد تغييرا على مستوى المعادلة السياسية في العراق بناء على ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية المنتظر حسمها الأسبوع الجاري.
وتشير الأوساط إلى أن الميليشيات تسعى من خلال استقطاب المزيد من المقاتلين لتسجيل حضورها، ومحاولة التسويق إلى أنها غير معنية بنتائج الاستحقاق الانتخابي الذي منيت فيه القوى الموالية لطهران بهزيمة قاسية وفق النتائج الأولية، وأنها تستمد قوتها من “مشروعية مقارعة الاحتلال الأميركي”، وليس من العملية السياسية.
وأعلنت ميليشيا كتائب سيد الشهداء قبل أيام عن فتحها باب التطوع لاستقطاب مقاتلين جدد بداعي “المنازلة الكبرى” مع الاحتلال الأميركي، متهمة الولايات المتحدة بالمماطلة في تنفيذ التزامها بالانسحاب من العراق نهاية العام الجاري، حيث لم تسجل إلى حد اللحظة أي خطوات عملية في هذا الصدد.
وقال المتحدث باسم الميليشيا المنضوية ضمن ما يسمى “تنسيقية المقاومة العراقية” في وقت سابق إن عدد المتطوعين بلغ نحو 49 ألف عراقي، وأنهم ينتمون إلى مختلف المشارب الدينية والقومية وهناك شخصيات تابعة للتيار الصدري وشخصيات تابعة لأحزاب مدنية محسوبة على قوى تشرين أيضا.
ولا تبدو ذريعة استقطاب مقاتلين جدد مقنعة بالنسبة إلى الكثيرين خصوصا وأنه لم يطرأ أي تغيير على موقف واشنطن بشأن سحب قواتها من العراق، ولم يصدر مسؤولو البنتاغون أي تصريح يعكس وجود تغير على مستوى السلم الزمني للانسحاب.
وتساءل الكاتب والباحث السياسي العراقي شاهو القرةداغي في تغريدة على صفحته على تويتر “لماذا قرر أبوآلاء الولائي فتح باب التطوع؟ لمحاربة طرف داخلي أم لمحاربة الولايات المتحدة؟”.
وينتظر أن تسحب الولايات المتحدة قواتها المقاتلة من العراق بنهاية ديسمبر المقبل مع الاحتفاظ بمستشارين ومدربين على الأرض، بناء على اتفاق جرى التوصل إليه بين واشنطن وحكومة بغداد في السادس والعشرين من يوليو الماضي ضمن الحوار الاستراتيجي الذي عقد بين البلدين.
وأكدت قيادة العمليات المشتركة قبل أيام على انتهاء وجود القوات القتالية العسكرية للتحالف الدولي نهاية العام الجاري. وقال المتحدث باسم القيادة اللواء تحسين الخفاجي إن “تواجد القوات القتالية الأجنبية سينتهي في نهاية العام الجاري، والتي لم يتبق منها سوى عدد قليل”.
وأوضح أن “العراق اتخذ خطوات كبيرة في مجال إنهاء تواجد القوات القتالية العسكرية للتحالف الدولي الذي سينتهي بنهاية الحادي والثلاثين من ديسمبر”.
وأشار إلى أن “وجود التحالف الدولي في العراق هو لغرض الاستشارة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية والأمنية التي تسهم في مطاردة وملاحقة عصابات داعش الإرهابية”.
وتقود واشنطن منذ العام 2014 تحالفا دوليا لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الذي استحوذ آنذاك على ثلث مساحة العراق. وتقدر أعداد قوات التحالف بنحو 3500 جندي من بينهم 2500 أميركي.
ويرى مراقبون أن إطلاق كتائب سيد الشهداء لعملية تجنيد واسعة لا يخلو من اعتبارات سياسية في علاقة بأزمة الانتخابات المتوقع أن تتصاعد بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية، خصوصا وأنه من غير المنتظر أن تحدث تغييرات مؤثرة على النتائج الأولية التي أفرزت تحولا في موازين القوى الداخلية لاسيما داخل البيت الشيعي.
وكشفت النتائج الأولية عن فوز التيار الصدري بأكثر من 70 مقعدا، فيما حصل ائتلاف دولة القانون على 34، في مقابل ذلك تلقى تحالف الفتح الممثل للميليشيات خسارة قاسية حيث فقد أكثر من ثلث مقاعده مقارنة بالانتخابات الماضية التي حقق فيها المفاجأة بحصوله على 48 مقعدا واحتلاله المركز الثاني.
وأثارت هذه النتيجة حالة من الارتباك والتخبط في صفوف الميليشيات التي سارعت إلى اتهام البعثة الأممية برئاسة جينين بلاسخارت والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بممارسة عمليات تزوير واسعة.
وجددت ميليشيا كتائب سيد الشهداء مهاجمة الممثلة الأممية الخاصة على خلفية الإحاطة التي قدمتها المسؤولة أمام مجلس الأمن والتي أكدت من خلالها على نزاهة العملية الانتخابية، منتقدة التصعيد الجاري ضد البعثة الأممية والمفوضية العليا للانتخابات، مطالبة المجتمع الدولي بضرورة تحمل مسؤوليته في حماية أعضاء البعثة والمفوضية.
وقال المتحدث باسم الميليشيا كاظم الفرطوسي إن “بلاسخارت فاتها أن تنتظر وتحترم القضاء العراقي ليقول كلمة الفصل في الكثير من القضايا المطروحة أمام القضاء، ابتداء من الدستور والقانون وانتهاء بالطعون والجرائم الانتخابية التي وقعت”، معتبرا أن “القفز إلى الأمام بهذه التصريحات لا يمثل الحيادية، لاسيما وأنها تمثل الأمم المتحدة”.
وتخشى الميليشيات أن تجد نفسها خارج المعادلة السياسية التي كانت جزءا أساسيا منها على مدى السنوات الماضية، وهو الأمر الذي سيسهل محاصرتها وتحجيم نفوذها، خصوصا وأن التيار الصدري الفائز في الاستحقاق لا يبدي مرونة في السير في خيار حكومة توافقية بل يريد تشكيل حكومة أغلبية.
وجاء قرار كتائب سيد الشهداء بفتح باب التطوع بعد تصريحات مثيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي طالب بحل الميليشيات وتسليم أسلحتها، مع تطهير الحشد الشعبي من “العناصر غير المنضبطة”.
ويقول المراقبون إن تصريحات الصدر عززت المخاوف والهواجس لدى الميليشيات الولائية، وهو ما دفعها على ما يبدو إلى استباق أي تطور غير محمود بالنسبة إليها والقيام بعملية تجنيد واسعة في سياق تثبيت وجودها.
ويشير المراقبون إلى أن الميليشيات لن تعدم الأسباب في تبرير تشبثها بالسلاح، حتى وإن جرت عملية سحب القوات الأميركية المقاتلة على الأرض، لافتين إلى أن تلك الميليشيات ستتذرع بالإبقاء على مستشارين أميركيين.
وقال عضو تحالف الفتح فارس شاكر “إن العراق لم يعد بحاجة إلى أي تواجد للقوات الأميركية على أراضيه”.