نعم يا سيدة باتيل هناك حلول سحرية لمآسي طالبي اللجوء.. وبلدك والغرب والولايات المتحدة هم المسؤولون عن اغلب ضحايا هذه الظاهرة
ت
د. سعد ناجي جواد
نعم يا سيدة باتيل هناك حلول سحرية لمآسي طالبي اللجوء.. وبلدك والغرب والولايات المتحدة هم المسؤولون عن اغلب ضحايا هذه الظاهرة
كعادتها في إلقاء اللوم على الاخرين، ركزت بريطانيا والدول الاوربية انتقاداتها على الانظمة في الشرق الاوسط، (التي لا يستطيع اي عاقل ان يبرئها من مسؤليتها)، واتهمتها بانها المسؤولة لوحدها عن الماسي التي يتعرض لها طالبي اللجوء الانساني في الغرب. وكعادة الساسة والصحافة وكل وسائل الاعلام في هذه الدول في اخذ النتائج النهائية للازمات وبناء النقاشات والإستنتاجات والتحليلات عليها، تعاملت هذه الجهات مع مشكلة طالبي اللجوء بنفس الطريقة، كي تتجنب (عن قصد طبعا) الرجوع الى جذور المشكلة ومسبباتها، وذلك لسبب بسيط هو انها إن فعلت ذلك فانها ستكتشف وبكل بساطة ان سياسات دولها هي المسؤول الاول عن كل هذه الماسي.
في حديثها عن معاناة، بل فواجع موت اللاجئين غرقا في القنال الانكليزي قالت السيدة باتيل، وزيرة الداخلية البريطانية، (اننا لا نملك عصا سحرية لحل المشكلة). لما سمعت تصريحها وجدتني اردد مع نفسي (بلى يا سيدتي لديك عصا سحرية لحل المشكلة)، هذه (الحلول السحرية) تتمثل في البدء بتصويب الاخطاء والكوارث التي جلبتها سياسة وحروب بلادك على المنطقة التي يهرب منها الشباب، بعد ان اصبحت بلدانهم لا يمكن العيش فيها بامان، وبسبب الحروب التي شاركت فيها بلادك وحصارها وتدميرها وتمكين الارهاب من ان يتغلغل فيها ومساندة الانظمة التي لا تحترم حقوق الانسان وتزويد هذه الانظمة بالاسلحة والمعدات التي تمكنها من قمع المعترضين، ناهيك عن تمكين الفاسدين من حكم هذه المناطق والبلدان وسرقة خزائن واموال الشعوب ووضعها في بنوك بلادك بدون رقيب او محاسبة، طالما كانت هذه الانظمة منسجمة مع السياسات الغربية. أما إذا إختلفت سياسات هذه الدول مع توجهات الغرب والولايات المتحدة فإن الحصار والتجويع هو ما ينتظر هذه الشعوب. اصلاح هذه الاخطاء او الخطايا هو العصا السحرية التي يمكن ان تبدا عملية تعديل الاوضاع. ثم ارجو أن تفعلي شيئا اخر ، بدلا عن تبادل الاتهامات مع فرنسا التي تتحمل مسوولية مشابهة، والتي لن تحل اي مشكلة، هل سالتي نفسك مثلا لماذا ينتمي غالبية طالبين اللجوء الى دول محددة مثل العراق وسوريا وإيران وأفغانستان؟ وهل حاسبت بلادك رئيس الوزراء الاسبق توني بلير على ما فعله في العراق، على الرغم من كل الحقائق التي ظهرت والتي تقول انه فبرك الاكاذيب واستند الى معلومات هو يعلم جيدا انها كاذبة، كي يساهم مع بوش الصغير في تدمير العراق، ويجعل من ابنائه على رأس طالبي اللجوء؟ هل سال الغرب نفسه كيف تم فرض الحصار على العراق لثلاثة عشر عاما عانى فيها العراقيين ظروفا وأوضاعا لا تحتملها نفس بشرية ارضاءا لاطراف ارادت تدمير بلدهم؟ هل سال الغرب نفسه لماذا هذا الاصرار على تدمير سوريا بعد ان ظهر من الحقائق ما يكفي عن الاطراف والمخططات المسبقة لتدمير سوريا، والتي لا علاقة لها بالديمقراطية وحقوق الانسان؟ واخيرا وليس اخرا هل سأل الغرب، وبريطانيا بالذات، نفسه لماذا يلجأ الفلسطينيون للتطرف بعد ان فقدوا كل شيء؟ هذه السياسات والسكوت عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل من قتل يومي، لايستثني الأطفال والنساء والشيوخ والتي جعلت من بلدهم مناطق منكوبة لا مستقبل للشباب فيها. ثم المشاركة في تدمير ليبيا والسكوت والمشاركة غير المباشرة في تدمير اليمن، ومحاصرة الشعب اللبناني، ووصل الامر الان الى استهداف الجزائر، هي اساس المشكلة.
ما حدث ويحدث من كوارث بسبب محاولات عبور طالبي اللجوء بالزوارق المطاطية وغيرها هو نتيجة لفقدان الشباب في كل تلك المناطق للامل بحياة كريمة أو مستقبل مُطَمئِن في بلدانهم، وذلك بالأساس نتيجة لاصرار الولايات المتحدة والغرب على إستعمار وإحتلال دولهم، او بسبب دعم الانظمة التي تسرق خيرات وموارد شعوبها وتقتلهم وتسجنهم وتروعهم وتعذبهم في السجون دون ان تجد هذه الشعوب من يقف الى جانبها ويدافع عنها. لهذه الاسباب فان من واجب الغرب والولايات المتحدة بل والعالم ان يبحث عن الاسباب الحقيقية التي تدفع الشباب الى المغامرة التي قد تودي بحياتهم، بدلا من محاصرتهم ومطاردتهم، في وقت كان يجب على العالم ان يقف الى جانبهم، اما عن طريق تحسين ظروف حياتهم وخاصة في الدول التي تتلقى الدعم الخارجي منكم وتستخدمه في الحكم والتحكم بمصير ومستقبل مواطنيها، وذلك لانها موالية للغرب ومتصالحة مع اسرائيل، او في رفع الحصار والكف عن تشجيع ودعم الارهاب في بلدان تنتهج سياسة متعارضة مع السياسات الغربية، أو، وهذا اضعف الايمان ان يتم توفير ملاجيء آمنة لهم حتى تنصلح الامور في بلدانهم كي يعودوا لها امنين مطمئنين.
ما ذكر اعلاه من اخطاء واجبة الاصلاح هي قليل من كثير جدا، وفي فترات لا تشمل الفترة الاستعمارية التي خضعت لها الشعوب الاسيوية والافريقية، وبالذات الشعب العربي في كل مكان، بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية. بدون البدء باصلاح هذه الاخطاء سوف لن يتوقف سيل اللاجئين الى اوربا، اما التضليل الذي يطلقه البعض والذي يقول (ان الغرب حاول اصلاح الاوضاع في مرات عديدة في بعض الدول، الا ان شعوب هذه الدول افسدت هذه العمليات الاصلاحية)، كما إدعى البعض بالنسبة للعراق، فان هذه الكذبة، والتي تُرضي غرور الغزاة ومجرمي الحروب، لم تعد تنطلي على الناس الذين شاهدوا بام عينهم حجم الدمار الهائل الذي سببه الغزو لبلادهم، والكم الهائل من الضحايا الذين ذهبت ارواحهم سدى بسبب تصرفات الغزاة وممارساتهم اللا انسانية سواء في المدن الآمنة أو في السجون العراقية التي كانت تدار من قبل قوات الاحتلال، او من خلال عدم إكتراث الغزاة بإعادة بناء ما دمرته آلتهم العسكرية.
مرة أخرى يجب التذكير بأن القفز على الاسباب الحقيقة للمشاكل التي تجبر الشباب على الهجرة رغم كل مخاطرها ونتائجها غير المضمونة (والتي تصل الى حد أن يفقد اطفال وشباب حياتهم وهم في ريعان عمرهم)، وتبادل الاتهامات بين الحكومات الغربية بشان التشديدات والتقييدات على الحدود ومحاولات التنصل عن المسوولية، كل هذه الامور لن تحل المشكلة ولن توقف موجات الهجرة. الحل الحقيقي (والسحري) الذي يجب التفكير به، بل وبدء العمل الجاد من أجله هو ان يتم التصدي لأ صل المشكلة وذلك عن طريق توفير حياة كريمة للشباب ولعوائلهم في بلدانهم لكي يعدلوا عن فكرة الهجرة، إضافة الى الكف عن فكرة فرض الحصار والتجويع على الدول وشن الحروب عليها من اجل إجبارها على أن تسير وفق سياسات معينة والقبول بأوضاع شاذة فرضتها مخططات الحقبة الإستعمارية، والأهم من كل ذلك ضرورة التخلص من عقلية التحكم بمصائر دول وشعوب العالم الثالث حتى يقبلوا بما يخطط لهم في الخارج او وفق مصالح بعيدة كل البعد عن مصالحهم الوطنية . إن ما انفقته، وتنفقه الولايات المتحدة والغرب من أموال تقدر بعشرات الترليونات من الدولارات على الحروب والتدمير والقتل للابرياء وتدمير للبيئة كان ولايزال كافيا لبناء عالم زاهر مزدهر مرفه، (وبالذات الدول التي ياتي منها المهاجرون)، يحصل فيه الجميع على حياة كريمة وخدمات لائقة بالانسانية وتعليم يساهم في تطوير الحياة البشرية لا إزهاقها. وهذا لوحده حل سحري آخر في متناول اليد بالنسبة للعالم المتقدم، فهل سيتم التفكير بذلك أم أن العزة بالأثم والإستهانة بمقدرات الشعوب ستبقى مسيطرة على عقول واضعي مخططات التدخل والتدمير؟