مسعود بارزاني يسعى لتنصيب مدير مكتبه أو خاله رئيسا للعراق
مساع للاستفادة من الخلافات داخل الاتحاد الوطني للتفرغ لتعيين الرئيس.
العرب/أربيل- وصفت أوساط سياسية عراقية مساعي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني لترشيح مدير مكتبه السابق ووزير الخارجية الحالي فؤاد حسين وخاله وزير الخارجية ووزير المالية السابق هوشيار زيباري المقال بتهم الفساد للرئاسة بـ”الاستهانة بمنصب رئيس الجمهورية”، لافتة إلى أن بارزاني يسعى من خلال هذه الترشيحات “لتمديد إقطاعيته في كردستان إلى كامل العراق”.
ويقود مسعود بارزاني سلطة عائلية في كردستان العراق لجهة تولية الأقارب أرفع المناصب في الإقليم.
ويتولى منصب الرئاسة في كردستان العراق ابن أخيه نجيرفان بارزاني في حين يتولى ابن مسعود مسرور رئاسة الحكومة، ويتطلع بارزاني الآن إلى أن يتولى خاله هوشيار زيباري رئاسة العراق من بين مرشحيْن آخرين مقربيْن منه هما مدير مكتبه السابق فؤاد حسين ورئيس برلمان كردستان الأسبق عدنان المفتي.
وكان البرلمان العراقي صوت على سحب الثقة من وزير المالية هوشيار زيباري في 21 سبتمبر 2016 بعد استجوابه بتهم فساد وسوء إدارة بموافقة 216 نائبا في جلسة سرية.
وكانت إجراءات الطرد السريعة من المنصب تعبيرا عن نقمة فاقت الحد حيال المعلومات المتعلقة ليس بأمواله وأملاكه فحسب، وإنما بطريقة إدارته للوزارة القائمة على المحاباة والتمييز.
وقال مصدر كردي مطلع لـ”العرب” إن “بارزاني وضع نفسه فوق القانون في كردستان. الآن يريد أن يضع نفسه فوق القانون في العراق، بل فوق العراق نفسه”.
ويحاول مسعود بارزاني أن يستفيد من النزاعات داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الشريك التقليدي للحزب الديمقراطي الكردستاني، لكي يتولى بنفسه تعيين الرئيس العراقي المقبل، بينما كان العرف السائد بين الحزبين يقضي بأن يتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني تعيين رئيس الإقليم في حين يتكفل الاتحاد الوطني بترشيح اسم الرئيس العراقي، طالما أن العرف العام الآخر هو أن تتولى الرئاسة شخصية كردية، بينما يكون رئيس الحكومة من “المكون الشيعي” ورئيس البرلمان من “المكون السني”.
وبمقدار واضح من استصغار الأطراف العراقية الأخرى فقد أوفد الرئيس مسعود مدير مكتبه إلى بغداد حميد دربندي لكي يقدم قائمة مرشحيه للرئاسة، بينما الأصول السائدة تقتضي إجراء مشاورات بين زعماء الكتل السياسية، وليس إملاءات ينقلها مدراء المكاتب.
ويميل الرئيس مسعود إلى التحالف مع الجماعات الموالية لإيران، في محاولة لتصعيد الضغوط على مقتدى الصدر، لعله يكسب امتيازات إضافية لسلطة الإقليم.
ولا تزال حظوظ بقاء الرئيس برهم صالح في منصبه قوية حتى الآن، وذلك لعدة اعتبارات أبرزها أنه يحظى بثقة عدد كبير من النواب المستقلين، كما أن صلاته القوية برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وتوجهاته المناهضة للفساد والداعية إلى إنهاء نظام المحاصصة في إدارة السلطة تجعله يحظى بثقة “التيار الصدري” وقوى التغيير الأخرى في البرلمان الجديد، وخصوصا كتلة النواب المستقلين.
لكن توجه الرئيس مسعود إلى القفز عن العرف بين الحزبين الكرديين الكبيرين، فضلا عن معارضة الجماعات الموالية لإيران لبقاء الرئيس صالح، لا يزالان يشكلان العقدة التي قد تحول دون حصوله على أغلبية الثلثين المطلوبة في البرلمان.
وفي الوقت نفسه قد تحول الانقسامات القائمة أيضا دون حصول أي منافس آخر على تلك الأغلبية، لاسيما إذا كان ذلك المنافس متهما بالفساد.
لكن طموح الرئيس مسعود بترشيح مقرب منه إلى رئاسة العراق، حتى وإن بدا قفزة أخرى في الفراغ، يقدم تأكيدا على أن المعركة ضد الفساد في العراق لا يزال أمامها طريق طويل.
ويقول مراقبون إن الرئيس مسعود لم يقرأ التحول في وجهة الأوضاع العراقية الذي كشفت عنه الانتخابات البرلمانية، لاسيما لجهة الحاجة إلى وضع حد لمسيرة الفساد التي غمرت العراقيين بالفقر والبطالة ونقص الخدمات. وهو وضع ما كان ليسمح بترشيح متهم بالفساد لتولي منصب الرئيس أصلا، ولكنه يشير إلى أن الرئيس مسعود يعيش في عالم آخر لا صلة له بالواقع الحقيقي في العراق.
وتؤشّر الأوضاع في كردستان العراق على انفصال آخر عن الواقع، حيث يتسبب الفشل الأمني والترهل الإداري وتأخير أو حتى انقطاع الرواتب في خروج مظاهرات اجتاحت بلدات وقرى مدينة السليمانية فضلا عن أربيل في عدة مناسبات.
وأصبح إقليم كردستان تحت نفوذ الرئيس مسعود كيانا يقوم بتصدير اللاجئين الذين يبحثون عن ظروف حياتية أفضل، وهو وضع غير متوقع إزاء الموارد التي تتوفر للإقليم.
ويقول فائق مهدي المسؤول في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني إن الإقليم يمكن أن يشهد “ربيعا كرديا”، وذلك بعدما خرج الآلاف من الطلبة الجامعيين في مظاهرات حاشدة، مطالبين بتحسين ظروف سكنهم الجامعي ومعاودة تفعيل نظام الرواتب الشهرية التي كانت تمنحها لهم وزارة التعليم العالي في حكومة الإقليم، بعد أن أوقفتها منذ عام 2014 عقب انهيار أسعار النفط العالمية.
ويعاني إقليم كردستان من نقص الخدمات وانتشار الفقر والركود والتضخم وتفشي البطالة الناجم عن سوء الإدارة والفساد، حتى “استحالت الحياة جحيما مع انتشار الواسطة والمحسوبيات وارتفاع الأسعار وتفاقم الضرائب، بالإضافة إلى انتشار البطالة في صفوف الشباب بعد أن أصبحت الوظائف العامة والخاصة مقتصرة على المنتمين والمقربين من الأحزاب الحاكمة في السليمانية وأربيل”.
واعتبر مهدي “أن المشاكل داخل الأحزاب الكردية، وتحديدا بعد الانشقاقات الحاصلة في حزب الاتحاد الوطني، هي أحد الأسباب الرئيسية في التوتر الحاصل في إقليم كردستان”.
وأضاف أن “ما جرى من اغتيالات في منطقة رانيا بمحافظة السليمانية واختفاء عدد من الناشطين يؤكد أن الأجهزة الأمنية باتت غير تابعة للحكومة، وإنما هي أداة بيد الأحزاب الحاكمة”.
وكان الرئيس مسعود حذر من أن تجربة شعب إقليم كردستان “تتعرض إلى خطر كبير” على وقع الهجمات الإرهابية الأخيرة. ولكنه لم يقدم تفسيرا للسبب الذي يجعل الإقليم هدفا للأعمال الإرهابية، بينما تعجز قوات البيشمركة التي تم تعزيزها بقدرات عسكرية ضخمة عن مواجهة التهديد.
وكان مسلحو تنظيم داعش شنوا الخميس الماضي هجوما على قرية خدرجيجة في قضاء مخمور بمحافظة نينوى، ما أسفر عن سقوط 13 قتيلا، من بينهم 10 عناصر من البيشمركة.
وقبل ذلك بأسبوع شن عناصر داعش هجوما مسلحا استهدف موقعا للبيشمركة في ناحية كولجو بالإقليم، ونصبوا كمينا بعبوة ناسفة لمركبة تقل جنودا، ما أوقع 6 قتلى. وهو ما يخالف صورة الاستقرار التي عاشها الإقليم لعدة سنوات.