مسجد الرحمن في بغداد يؤجج صراعا سياسيا ودينيا بين أحزاب شيعية
توتر بين زعيم عصائب أهل الحق ورئيس هيئة الحج وزعيم حزب الفضيلة على عائدية المسجد الذي بدأ النظام العراقي السابق في بنائه لنافس تاج محل وتوقفت أعمال البناء بسبب الغزو الأميركي للعراق.
ميدل ايست اونلاين:بغداد - يعكس خلاف متفاقم بين عدد من الأحزاب الدينية حول مسجد الرحمن أحد أكبر المساجد في العراق وآخر مشاريع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الصراعات السياسية والدينية.
ويتوجه المصلون الشيعة كل جمعة لأداء الصلاة إلى جامع الرحمن العملاق الذي تم تشييده خلال حكم صدام لينافس تاج محل، لكنه لم يكتمل حتى الآن بسبب الصراعات بين مختلف الأطراف السياسية والدينية.
ويمتد الجامع على مساحة 200 ألف متر مربع وقد بدأ العمل فيه عام 1999 وتوقف الأشغال بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وأصبح متروكا بسبب نزاع الوقفين الشيعي والسنّي على عائديته.
ويسود حاليا توتر في العلاقات بين زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ورئيس هيئة الحج سامي المسعودي بسبب قيام الأخير بتسجيل دعوى قضائية لدى المحاكم المختصة بنزاعات الملكية لضم أحد أكبر جوامع في بغداد إلى أملاك الوقف الشيعي.
وكانت مصادر محلية قد ذكرت الشهر الماضي أن "المسعودي رفع الدعوى عندما كان يشغل منصب نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي بهدف ضم جامع الرحمن الكبير في المنصور (غرب بغداد) لأملاك الوقف".
وأوضحت أن الحكم القضائي بشأن عائدية الجامع سيصدر قريبا، فيما يرجح أن يفضي الحكم المرتقب إلى عائديته للوقف الشيعي الأمر الذي فجر الخلاف بين الخزعلي والمسعودي.
وتعارض عصائب أهل الحق إحدى أكبر ميليشيات الحشد الشعبي والموالية لإيران الخروج من الجامع، مبررة قراراها بأنها خاضت نزاعا ماليا مكلفا مع زعيم حزب الفضيلة محمد اليعقوبي نظير ترك الجامع لها.
وبني المسجد سنيا لكنه تحول بعد سقوط النظام السابق عام 2003، إلى محور صراع بين أطراف من الشيعة الذين يهيمنون حاليا على السلطة في بغداد بعد عقود من التهميش.
وقال مسؤول حكومي طالبا عدم كشف هويته، إن "المسجد سيطر عليه حزب الفضيلة بعد سقوط النظام السابق ولم يقم بتطويره بسبب الإمكانيات الهائلة التي يحتاجها لإتمام بنائه".
وأكد المسؤول نفسه أن هذا الحزب وقف "عائقا" أمام مشاريع حكومية لتحويل هذا الجامع إلى جامعة أو متحف، موضحا أن "صدام أراد أن يجعل منه تحفة فنية تضاهي تاج محل الشهير".
وينفي الحزب رسميا استيلاءه على المسجد على الرغم من توجه أنصاره لأداء الصلاة كل جمعة. وتسكن منذ سنين نحو 150 عائلة في منازل عشوائية في الأراضي المحيطة بالمسجد، في ظل عجز الحكومات المتعاقبة عن إبعادها لأنها تدين بالولاء لحزب الفضيلة.
وحصل الوقف الشيعي الذي يملك العديد من العقارات في عموم البلاد، في يناير/كانون الثاني 2020، على قرار قضائي بانتقال ملكية الجامع له.
كما طالبت المحكمة حزب الفضيلة بدفع تعويضات تصل إلى أكثر من 313 مليار دينار عراقي (176.5 مليون يورو)، حسبما ذكر بيان للمؤسسة الشيعية.
واتهم البيان، الحزب باستغلال الموقع لأكثر من 16 عاما وإدارته من جانب واحد "دون وجه حق قانوني وشرعي"، لكن هذا القرار القضائي لم ينفذ.
ويقول الباحث والمراقب صبيح القشطيني إن "الجيش والشرطة تدخلا أكثر من مرة لكن قوة سلاح الأحزاب توازي سلاح الدولة"، مؤكدا أنه "لا يمكن بناء الجامع بدون إبعاده عن صراع الأحزاب". ومازال العديد من رافعات البناء مثبتة في مواقع مختلفة من المبنى.
وتفيد إحصائية أجرتها هيئة النزاهة بأن العدد الكليَّ للعقارات التي تعرضت لتجاوزات أو اعتداءات في بغداد والمحافظات، باستثناء إقليم كردستان، بلغ 31378 عقارا.
وأوضحت الهيئة أنَّ "العقارات العائدة للدولة التي تمَّ التجاوز عليها في بغداد والمُحافظات تُصنَّفُ بنايات وأرض زراعيَّة وساحات وقوف (للسيارات) ومحلات، ودورا وشققا سكنيَّة وأرصفة وشوارع عامّة ومدارس وساحات عامة ومنتزهات".
ويؤكد الوقف بأنه يمكن توفير 20 ألف فرصة عمل، بفضل الاستثمارات التي يمكن أقامتها كمراكز تجارية أو مجمعات سكنية على الأراضي المحيطة بالمسجد، لكن بانتظار ذلك، لم يتغير الوضع.
وقالت سيسيليا بيري الباحثة المشاركة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، إن المسجد جزء من "سياسة رمزية معمارية" نفذها النظام السابق.
وتقول المختصة بهندسة العمارة في بغداد خلال القرن العشرين إنها "مرحلة ثانية من تخليد صدام لبغداد: خلال التسعينات واستغلال الدين: أضع عبارة الله أكبر على العلم و أبني المساجد".
لكن المهندس مازن الألوسي رئيس دائرة التصاميم للمشروع في عهد النظام السابق، يشعر بالفخر بهذا المبنى "الفريد من نوعه".
وأكد الالوسي الذي غادر البلاد بعد اشتداد العنف الطائفي مطلع 2005، أن "المبالغ اللازمة لإكمال بناء المسجد، ليست كبيرة بالدرجة التي يتصورها البعض"، معربا عن أمله في أن يكون المسجد قبلة للوحدة "يصلي فيه الشيعة والسنة على حد سواء".
وبدأ العمل في تشييد هذا المسجد في أواخر تسعينات القرن العشرين في خضم حصار اقتصادي فرضه الغرب على العراق، في خطوة شكلت تحديا لواشنطن، لكنه لم يكتمل بينما أطاح الغزو الأميركي بصدام حسين في 2003.
وحتى يومنا هذا ما زالت هناك فجوة كبيرة مفتوحة على السماء، بينما كان يفترض أن تتوسط المسجد في هذا المكان قبة وسطى من الخزف المزين بالذهب، يبلغ ارتفاعها 84 مترا.
وفي المقابل تبدو القباب الثانوية الثماني التي تحيط بالبناء الرئيسي ويبلغ ارتفاع كل منها 28 مترا، شبه مكتملة. وتضم كل من هذه القباب 14 قبة أخرى يبلغ ارتفاعها 14 مترا.
ويقول المهندس المعماري محمد قاسم عبدالغفور "للأسف فرطنا بالإرث القديم وتراث البلد"، مؤكدا أنه "كان يفترض أن تكون هذه المشاريع ملك العراقيين جميعا وارث يجب الاستفادة منه وتحويله إلى مواقع ثقافية وسياحية".
وأضاف عبدالغفور وهو أستاذ جامعي أيضا أن "هذه أموال العراق ويجب أن تستفيد الدولة منها ماديا ومعنويا كونها أموال وأملاك جميع أبناء البلد".