الادارة بالازمات في العراق المحتل
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
الادارة بالازمات في العراق المحتل
في العراق المحتل هناك «مصانع متخصصة » للأزمات تخلق ألازمات التي تفرض نفسها على المواطنين لوقت معين وقبل ان تنتهي تلد ازمة اخرى ينسى فيها الناس الأزمة السابقة وهذا يرسخ مبدأ ازمة تلد اخرى او الادارة بالازمات ، ان تلك الأزمات المستمرة منذ احتلال العراق 2003ذات مفعول تأثيري ينشغل فيها الرأي العام ومواقع التواصل الإلكتروني لمدة معينة ثم يفاجأ المواطن بتفاقم تأثير تلك الأزمة لوجود اخرى واغلبها مفتعلة لكي ننسى سابقتها
لقد مر علينا كم كبير من الأزمات منها أزمات بالزراعةوالصناعة والصحة والتعليم والخدمات والفساد والتغييب والتهجير والاعتقالات والقتل وتزوير الانتخابات والشهادات ولم تنته اي من تلك الازمات بل ان تداعياتها تزيد الاوضاع صعوبة وتعقيد وفي ظل تلك الأزمات لم تضع الحكومات التي نصبها الاحتلال حلولا نهائية لها ومعالجة الخلل الذي يصاحبها بحيث يمنع تكرارها ويستفاد من الأخطاء لمعالجة أي أزمة قد تحدث في المستقبل.
لاشك ان هذه الازمات تصب لمصلة من يستفيد من حدوثها إما بشكل مباشر أو غير مباشر ويحاول استثمارها بشكل جيد ويخطط لان يطول بقائها محاولا تعطيل قرارات حلها بكل الوسائل المتاحة.
العراق المحتل رهينة الأزمات فكل ازمة تلد اخرى ولا يوجد جهاز او مركز لمعالجة الكوارث والأزمات قبل واثناء وبعد حدوث أي أزمة لا سمح الله وترك ذلك والمراهنة على ان الأيام كفيلة بمعالجة الأزمات، وهذا منطق خاطئ فلا بد من انشاء جهة حكومية مهمتها ادارة الأزمات بعقول وطنية مخلصة وبجهود ادارية متميزة وفق خطط مدروسة وواضحة من اجل دراسة وتحليل الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر وعدم تكرار حدوثها.
ان سعي الاطراف السياسية العميلة للاحتلال والمستفيده من وجوده لصناعة الازمات وتكرارها كاستراتيجية تتبناها في منهجها كما هو الحال اليوم مع مايسمى بالاطار التنسيقي ، دليل على ان همهم كان ولايزال السعى للاستحواذ على السلطة من خلال اشغال الراي العام بالازمات التي يفتعلها ويصنعها صناعة. علما ان مثل هذا السلوك فاشل سياسيا لانه يحاول بافتعال الازمات التغطية على فشله، فالنجاح ينتج استقرارا سياسيا حصرا، اما الفشل فهو سبب الازمات ومنتجها حصرا.
إن السياسين الناجحين يبذلون قصارى جهدهم لتطويق اية ازمة تحصل في البلاد، اما هؤلاء الفاشلين فيبتكرون ازماتهم ثمنا لصناعة الازمات في البلاد، وراس مالهم ليس الانجاز، الذي لا يمكن ان يتحقق الا في ظل الاستقرار، بل رأس مالهم الفاشل فرأس مالهم وهدفهم الاستمرار في السلطة في ظل الازمات.
وهذا يعني سعيهم لاقصاء شركائهم بالعمالة ، تارة من خلال التخندق (المذهبي) واخرى بتخندقه (الاثني) وثالثة بتخندقه (الحزبي والمناطقي) ولذلك تراهم يسعون لاثارة الازمات مع الاخر المذهبي واخرى مع الاخر الاثني وثالثة مع الاخر الحزبي او المناطقي.
لقد اصبحت ظاهرة احتفاظ كل طرف سياسي بملفات ادانة ضد الاطراف الاخرى لاستخدامها عند الضرورة ولتساعده لصناعة الازمة المطلوبة في الوقت المطلوب، مثيرة للاشمئزاز لكثرة تكرارها، ولذلك بات الشارع العراقي لا يسمع الا كلمات المديح وجمل الاطراء من مختلف الاطراف السياسية عندما يلتقون ويجتمعون، فلم يسمع منهم حديثا ومن اي نوع عن خلاف بينهما ومن اي نوع وعلى اي مستوى، فكل وجهات النظر متطابقة والحمد لله وهم قد اتفقوا على كل النقاط التي طرحت للنقاش في الاجتماع، وهكذا، الا ان الشارع يفاجأ عند صناعة احد الاطراف لازمة ما لحاجة في نفس يعقوب يريد قضاها، بملفات يشيب لها الطفل الرضيع، فاين كانت كل هذه الملفات عندما اجتمعوا ثم وقفوا كالخشب المسندة امام عدسات الكاميرات؟.
لماذا لم يظهروها للراي العام الا عند الازمات؟ لماذا لم يتحدثوا عنها عند نهاية كل اجتماع يجمعهم؟.
ان تحقيق الاستقرار السياسي وسيلة وهدف في آن، فهو وسيلة لتحقيق الانجازات والنجاحات التي تنتهي بالبلد الى التنمية والتطور والتقدم، وهو هدف ليتمكن المجتمع من التمتع بانجازاته، ولذلك فان كل من يبني استراتيجياته على قاعدة (صناعة الازمات) انما لا يريد للبلد ان ينمو ويتقدم، وبالتالي فهو لا يريد للمجتمع ان يتمتع لا بخيرات بلاده ولا ان يعيش كبقية البشر في العالم المتحضر، يتمتعون بحياتهم الطيبة ويطمئنون على مستقبل اطفالهم.
علينا ان ندرك ان جوهر الازمات واساسه بالعراق هو الاحتلال وعلينا ان نعيد بناء حساباتنا على ادراك هذه الحقيقة والانطلاق منها ،فبدون معالجة واقع الاحتلال ومواجهتة بالقوانين الدولية لاسيما ان الاحتلال كان خرقا قانونيا واخلاقيا غير مسبوق في العلاقات الدولية
بالطبع الفساد المدمر ليس سبباً بل نتيجة لضعف الإدارة العامة في ضبط الحركة، والتهاون مع فاسديها، وتحويلها لمكافآت وعطايا وشرهات وما شابه، وتحويل الفساد لأداة في إدارة الدولة. وإلا كيف نفسر وجود هذا الكم الهائل من الأجهزة الرقابية، ومع ذلك يتسلل بوضوح هذا الكم من الفساد؟
الخلاصة هي أن بنية النظام القائم، وطبيعة اتخاذ القرار وبنيته، معرضة للأزمات بسبب ضعفها، أو مفتعلة للأزمات لإخفاء أزمتها الداخلية.التغيير يبدأ بالمكافحة الجدية للفساد واهله، ثم توسيع قاعدة المشاركة الشعبية السياسية واتخاذ القرار، وإعادة النظر جذريا في النظام الفاشل المعطل لأي إصلاح ووو، رغم اني ومثلي الغالبية العظمى من العراقيين ندرك ان لاضوء في نهاية النفق ولابد من، أننا أمام أزمات قادمة.