ما مغزى ان يحضر علم فلسطين في بطولة كأس العرب وان يهدي مدرب الفريق الحزائري الفوز لغزة؟
د. سعد ناجي جواد
[size=32]ما مغزى ان يحضر علم فلسطين في بطولة كأس العرب وان يهدي مدرب الفريق الحزائري الفوز لغزة؟[/size]
رغم كل الاخبار والاحداث المحبطة، وخاصة تلك التي تعطي الانطباع على نجاح اسرائيل في التغلغل في بعض الدول العربية، وتقيم علاقات مع انظمتها، فان رفض الشعب العربي ومقاومته في كل مكان يثبتان يوما بعد يوم ان احتلال هذا الكيان الغاصب للاراضي الفلسطينية لا يمكن ان يستمر ، وكذلك الحال مع تمدد نفوذه داخل الوطن العربي. وآخر دليل وشاهد هو ما جرى يوم امس اثناء مباريات دورة كاس العرب لكرة القدم التي اقيمت في الدوحة، وخاصة المباراة الختامية التي جمعت الفريقين الشقيقين الجزائري والتونسي.
ان اكثر ما افرح النفس في تلك البطولة، بالاضافة الى المستوى الجيد من الاداء الكروي الذي اظهرته اغلب الفرق المشاركة، والاخلاق الرياضية الاخوية التي تمتع بها اللاعبون، والملاعب الجميلة التي اعدت لاحتضانها، هو اصرار الجمهور الجزائري الذي حظر لمساندة فريقه طوال تلك البطولة على رفع العلم الفلسطيني الى جانب العلم الجزائري. وافرحها اكثر هو اعلان مدرب الفريق الجزائري (مجيد بوقرة) بعد انتهاء المباراة النهائية اهداء الفوز الى الشعب الجزائري والى شعب غزة الصامد. علما بان الرجل من مواليد فرنسا واحترف في الدول الاوربية وتحدث باللغة الانكليزية.
ربما سيقول قائل وما فائدة هذا العمل العاطفي على ارضع الواقع ووسط الاخبار المتزايدة عن الاتفاقات التي توقعها اسرائيل مع انظمة عربية مختلفة؟ ان الرد على هكذا كلام هو اولا ان هذه الحادثة، وما يشابهها، تعطي دليلا واضحا ولا لبس فيه على الرفض الشعبي العربي ليس فقط لما يعرف ب (عمليات التطبيع او الاعتراف)، وانما يظهر ايضا اصرار شعبي واضح على دعم نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. (ربما اطلع الكثير منا على فيديو يصور كيف صدحت حناجر عشرات الالوف ممن حضروا في ملعب لكرة القدم دعما لفلسطين وشعبها في دولة تصر على عقد اتفاقات مع دولة الاحتلال). ثانيا ان الاصرار على رفع العلم الفلسطيني في مثل هكذا احداث انما هو دليل واضح على الرفض الشعبي العربي لكل ما تقوم به بعض الانظمة العربية التي تخلت عن القضية. هذا التخلي الذي يسمح للنظام العنصري الاسرائيلي في التمادي في ممارسة كل انواع القمع على الشعب الفلسطيني، وثالثا ان يتم التاكيد على غزة الصامدة انما هو تاكيد على دعم نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة. وهذه الامور هي اكثر ما يقلق اسرائيل، وهذا الكلام لا نطلقه جزافا او بصورة عاطفية او من وحي الخيال، وانما يستند الى ما يصدر او يقال من داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة، والاهم ما ينشر في الصحافة الاسرائيلية، التي يجب ان نعترف رغم رفضنا للاحتلال ولكل ما يمثل السياسات الصهيونية العنصرية والقمعية، انها صحافة متميزة ولا نملك في احيان، وعند قراءة ما يكتبه بعض الصحفيين اليهود، الا ان نرفع لهم القبعة على جرأتهم وصراحتهم، والتي تتحدث عن الحقائق بطريقة افضل بكثير من بعض الصحف العربية. هذه الصحافة هي اكثر من يشعر بالقلق على مصير دولة الاحتلال، وتتحدث عن عجز الاحتلال وفشله في (ترويض) الشعب العربي في كل مكان وجعله يقبل بوجوده الدائم.
كما توكد الكتابات الاسرائيلية على ان كل الدلائل تشير الان الى ان عمليات المقاومة المسلحة داخل الاراضي الفلسطينية بدات تنتشر في المناطق الفلسطينية المحتلة كافة، وبالذات في الضفة الغربية والمستوطنات التي اقيمت فيها، وهذا الامر بحد ذاته يشكل ليس فشلا كبيرة للسياسات الاسرائيلية ولتعاون السلطة الفلسطينية الامني مع دولة الاحتلال فحسب، وانما رعبا يوميا للمستوطنين في تلك المناطق، ناهيك عن اعتراف صحفيين وقادة عسكريين محترفين بعجز اسرائيل على مواجهة حركات المقاومة واسلحتها المحيطة بفلسطين المحتلة في اي مواجهة قادمة.
نعم قد تكون عملية الاصرار على رفع العلم الفلسطيني في ملعب لكرة القدم معنوية (وكذلك في احتفالات الجزائريين التي عمت باريس ، والتي اغاظت رئيسة الحزب اليميني المتطرف (مارين لوبان) ودفعتها للتهديد بتهجير كل ذوي الاصول الجزائرية بعد ان تنجح في الانتخابات القادمة! وهو ما عجز عنه امثالها من قبل). ويبقى الحدث ذا دلالة نفسية ومعنوية كبيرة. فاذا كانت هذه الحالة قد افرحت الشعب العربي في كل مكان، فلنا ان نتصور كم هو كبير تاثيرها على الشعب الفلسطيني المقاوم داخل الاراضي المحتلة.
بالتاكيد ان هذا الشعور العربي الغيور الطاغي لدى شعبنا الغالي في الجزائر، بلد المليون شهيد بل واكثر، هذا الشعب الذي علم العالم الحديث كيف يعتمد على نفسه وعلى امكاناته البسيطة في انهاء احتلال ظالم وعنيف لدولة كانت تعتبر من اهم القوى الاستعمارية انذاك، حاولت انكار وجوده ولغته (لولا وجود القران الكريم) وطمس الهوية الوطنية للبلاد. بحيث اصبحت الثورة الجزائرية واعتماد اسلوب الكفاح المسلح نموذجا اقتدت به ثورات العالم الثالث، ومنها الثورة الفيتنامية باعتراف قائدها (هوشي مِنه). وهذه المشاعر الوطنية والتاريخ النضالي للجزائر هو ما يفسر الاصرار الصهيوني- الامريكي اليوم على التامر على هذا البلد الشقيق ومحاولات خلق المشاكل له داخليا واقليميا ودوليا. علما بان هذا الامر يحدث مع كل شعب يرفض عملية وضع القضية الفلسطينية على الرف او نسيانها بالكامل.
هنيئا للاشقاء الجزائريين فوزهم، وشكرا للفريق التونسي الشقيق والفرق العربية الاخرى التي امتعت محبي كرة القدم لايام بمستوى عالي من اللعب الجميل والروح الرياضية الاخوية، وهنيئا لشعب فلسطين وابناء غزة بالذات بهذا الوفاء العربي الاصيل. وحمى الله الجزائر وشعبها الابي، بل وكل الاصلاء الثابتون على المباديء من الشعب العربي من كل سوء.