قضية "أميرة بغداد" تعيد طرح قوانين العنف الأسري
ت
مؤيد الطرفي:عاد الحديث عن ارتفاع معدلات العنف ضد النساء مجدداً في العراق بشكل رسمي وشعبي، بعد الحادثة التي تعرضت لها شابة بغدادية بمادة "الأسيد" قبل أشهر عدة، ليكون حديث الإعلام العراقي ووسائل التواصل الاجتماعي، بل وصلت إلى الاهتمام بها من قبل مسؤولين رفيعي المستوى.
وربما هي المرة الأولى التي تحظى فيها قضية اعتداء ضد امرأة بهذا الاهتمام الكبير من شرائح واسعة من الشعب العراقي، كون أغلب الحالات السابقة من العنف التي ظهرت في وسائل الإعلام تم التعامل معها من قبل النخب ومنظمات المجتمع المدني، ولم يكن لها صدى واسع لدى المجتمع العراقي.
القضاء يجري تحقيقاً
وأعلن القضاء العراقي إجراء التحقيقات اللازمة في شأن الطالبة "مريم" التي تعرضت للحرق بمادة "الأسيد" من قبل شخص ملثم، وأنه بصدد جمع الأدلة بحق المتهمين.
وأوضح قاضي التحقيق في هذه القضية أن "المشتكية (مريم) تعرضت بتاريخ 16 يونيو (حزيران) الماضي إلى حادثة حرق بمادة التيزاب (الأسيد) في دارها الكائنة بشارع فلسطين من قبل شخص ملثم، وتعرض جهاز الهاتف العائد لها للسرقة".
وأضاف القاضي أن "ذويها قدموا شكوى أمام مركز شرطة القناة ضد المتهم (ع.ق) وصديقه (ع.هـ)، وتم إصدار أمر قبض بحقهم، وألقي القبض عليهم وتم توقيفهم ودُونت أقوالهم وأنكروا ارتكاب الجريمة، لكن التحقيق مستمر بحقهم لجمع الأدلة التي تثبت ارتكابهم الجريمة".
وبيّن أن المحكمة قررت إحالة الأوراق إلى الوحدة التحقيقية في إجرام بغداد، وتم تعيين ضابط برتبة متقدمة من ذوي الاختصاص بالتحقيق، لبذل مزيد من الجهود لجمع الأدلة ضد المتهمين.
نموذج للعنف المتصاعد
وعلى الرغم من مضي أكثر من ستة أشهر على الحادثة، إلا أن تصاريح والد مريم عن تفاصيل الحادثة في سلسلة لقاءات مع وسائل إعلام أعادت القضية للواجهة مرة أخرى، مما جعلها تتصدر منصات التواصل الاجتماعي.
وقال والد مريم إن "المعتدي تسلل خلسة إلى المنزل أثناء وجودي أنا ووالدتها في العمل، وكان في المنزل شقيق مريم وزوجته".
وأضاف أن "المجرم تسلل وقام بسرقة هاتف مريم النقال وسكب مادة (الأسيد) عليها وهي نائمة"، مؤكداً أنها تعيش حياة مأسوية، لافتاً إلى أن مريم لم تُشف من التشوهات التي حصلت على الرغم من مرور سبعة أشهر على المأساة.
دعم معنوي وجماهيري
ولاقت قضية مريم تعاطفاً كبيراً في الشارع العراقي، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور الفتاة وعبارات التعاطف ومطالبة القصاص من الجاني.
وتصدر وسم "أنقذوا الأميرة مريم"، مواقع التدوينات القصيرة "تويتر" وكذلك البرامج التلفزيونية، فيما بدأت حملة لجمع التبرعات لمعالجة مريم وإزالة بعض آثار الحروق الكبيرة على وجهها الصغير.
وكجزء من الدفع المعنوي للفتاة، نشر رواد التواصل الاجتماعي صوراً لـ "مريم" في زيارة إلى معهد الفنون الجميلة رفقة أستاذها، تلتف حولها زميلاتها وهن يشعرن بفرح لقائها، ويشجعنها على المضي في إكمال دراستها.
بدوره، التقى رئيس الجمهورية برهم صالح مريم وعائلتها، واستمع إلى ما مرت به من معاناة، واعداً بتقديم الدعم المطلوب لانقضاء أزمتها.
وتعد مريم نموذجاً بسيطاً لأعمال العنف الأسري المتصاعدة ضد النساء خلال الآونة الأخيرة، والتي راح ضحيتها العشرات منهن، إلا أنها لاقت لفتة لكون الإعلام العراقي تبنى قضيتها، مما جعلها تحظى باهتمام كبير سياسياً واجتماعياً لتكون قضية رأي عام.
1444 حالة
وبحسب تقرير فصلي لرئاسة محكمة استئناف الرصافة وحدها، فقد تم تسجيل أكثر من 1000 حالة عنف أسري خلال ثلاثة أشهر فقط من العام الحالي.
وأوضح التقرير الفصلي الذي يصدر كل ثلاثة أشهر، "أن أشهر يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) وأغسطس (آب) شهدت تسجيل المحاكم التابعة لرئاسة استئناف بغداد الرصافة 1543 قضية عنف أسري، بواقع خمس حالات ضد الأطفال و1444 ضد النساء و89 ضد كبار السن".
عقوبة الإعدام
وتدعو عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة بشرى العبيدي إلى تنفيذ عقوبة الإعدام بحق مرتكب جريمة حرق وجه مريم.
واعتبرت أنه من الضروري أن يعاقب مرتكب الجريمة ضد مريم بالإعدام، وألا تطبق عليه المادة (413) من قانون العقوبات العراقي، مبينة أن الضحية قاصر وطريقة الإيذاء التي استخدمت وحشية وفيها انتهاك لخصوصية الإنسان.
وتنص المادة (43) من قانون العقوبات العراقي في فقرته الأولى على المعاقبة بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على 100 دينار على كل من اعتدى عمداً على آخر بالجرح أو الضرب أو بالعنف أو بارتكاب أي فعل آخر، فيما تنص في فقرتها الثانية بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة 300 دينار.
"العدالة منقوصة"
وأضافت العبيدي أن الضحية عندما تكون أنثى فإن التبريرات حاضرة لارتكاب الجريمة، وهنا نشهد تراخياً في تطبيق العقاب، محذرة من إفلات الجاني من العقاب مما سيؤدي إلى زيادة حدة الجرائم.
العراق غير صالح لعيش النساء
وتابعت أن النساء العراقيات لا يشعرن بالأمان في هذا البلد، فهو لا يعتبر بيئة صالحة لعيشهن، مرجحة أن يتصدر العراق قائمة الدول الأسوأ في معيشة المرأة، باعتبار أنها ليست الجريمة الأولى التي ترتكب.
وشددت العبيدي على ضرورة تشريع قوانين لحماية النساء وتشديد العقوبات ضد من ينتهك حقوقهن أو يعتدي عليهن، مثل قانون العنف الأسري، مؤكدة أن الأحزاب الإسلامية تمنع تشريع قانون العنف الأسري وتقف حائلاً أمامه.
وتعرضت مسودة قانون العنف الأسري التي وافق عليها مجلس الوزراء العراقي في أغسطس (آب) 2020، إلى حملة اعتراضات ورفض من جهات سياسية عدة، خصوصاً من قبل بعض الأحزاب الشيعية التي اعتبرته يمثل "خطراً" على المجتمع العراقي.
المعاملة بالمثل
بدورها، شددت الوزيرة السابقة لشؤون المرأة بشرى الزويني على ضرورة معاقبة الجاني بالمثل، مشيرة إلى أن العنف أصبح ظاهرة عامة في المجتمع العراقي.
وأضافت الزويني أن "هذا الموضوع يجب ألا يمر مرور الكرام، لأنها قضية فريدة من نوعها، إذ تم استهداف شابة بعمر 16 سنة والجاني كان بعمر 19 سنة"، لافتة إلى أن القضية سببت صدمة للشعب العراقي نظراً إلى حجم الأذى الذي تم التسبب فيه، وانتهاك حقوق الشابة بأبشع صورة".
قانون حماية المرأة
وتابعت الزويني أن الجميع ينتظر تشكيل مجلس النواب المقبل للضغط نحو تشريع قانون حماية المرأة، مؤكدة أن نساء العراق لن يسكتن بعد اليوم، لا سيما بعد زيادة عدد حالات العنف ضد النساء، ولعل آخرها المرأة التي حرقت نفسها في كربلاء نتيجة مشكلات عائلية.
واعتبرت أن العنف أصبح ظاهرة عامة انعكست على الأسرة العراقية، سواء على النساء أو الأم أو الأطفال وحتى الأقليات في المجتمع، عازية ذلك إلى الوضع الاقتصادي الذي يعانيه الفرد العراقي والبطالة وإمكان الإفلات من العقاب، لا سيما وأن العشيرة حلت محل القانون في بعض المناطق.
وبينت أن كثيراً من القضايا لا تصل إلى أروقة القضاء والمحاكم بسبب العرف العشائري والعادات والتقاليد، لذلك فإن الأرقام المعلنة أقل بكثير من الحجم الحقيقي للعنف ضد النساء.
تشديد العقوبة
بدوره، رجح الخبير القانوني طارق حرب أن يشدد القضاء العقوبة بحق الذي دين بالاعتداء على مريم، لتصل عقوبته إلى 15 عاماً بدل المادة التي أقرها قانون العقوبات العراقي.
وقال إن "العاهة التي سببها الجاني بحق مريم كانت دائمة وكبيرة جداً، لأنها تسببت بتشوه أجمل أجزاء الجسم وهو الوجه"، موكداً أنها "تعتبر عاهة متكررة وقد تقوم المحكمة بتشديد العقوبة المقررة لتصل إلى السجن 15 عاماً، لأنها تأخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار".
الوضع الاقتصادي
وفيما يعزو عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي زيادة حالات العنف الأسري إلى الوضع الاقتصادي الذي تعانيه البلاد، وقلة الوعي وعدم تفعيل الدور الرقابي.
15 ألف قضية
وأضاف الغراوي أن "آخر إحصاء للعنف الأسري كان عام 2020 وتطرق إلى 15 ألف قضية، فيما بلغت حالات العنف الأسري التي تم تسجيلها حتى منتصف العام الحالي 5000 حالة"، مؤكداً أن حالات العنف الأسري قد تكون بالآلاف، إلا أن معظمها لم يسجل بسبب الأعراف والتقاليد الاجتماعية أو بسبب الخوف من الذهاب للمؤسسات المعنية.
وأوضح أن العنف تنوع ما بين العنف ضد الزوجة أو ضد الزوج أو ضد الأطفال أو الوالدين، وهناك حالات عنف في أنحاء العراق كافة.
وفي شأن العنف ضد النساء وما تعرضت له مريم، بيّن الغراوي أن العنف توسع، لافتاً إلى أن مفوضية حقوق الإنسان رصدت استخدام الحرق والأدوات الجارحة والضرب المبرح في قضايا عدة،
وشدد على ضرورة أن يتم تشريع قانون العنف الأسري وإجراء بعض المعالجات المجتمعية، وكذلك تعزيز الخطاب الديني والوئام والسلام.