بوليتكو: عملية أمريكيةـ بريطانيةـ باكستانية مشتركة أوقفت ١١-٩ أخرى
لندن ـ “القدس العربي”:نشر موقع “بوليتكو” تقريرا أعده أكي بيريتز بعنوان “كيف تعاونت الولايات المتحدة وبريطانيا وباكستان لمنع 9/11 أخرى”. وأشار فيه إلى عملية “أوفيرت” قائلا إن المؤرخين للحرب الدولية على الإرهاب عندما ينظرون في تفاصيلها فمن الصعب عليهم تجاهل “أوفيرت” باعتبارها نموذجا ناجحا.
وبدأت العملية في 9 آب/أغسطس بمنطقة وولثمستو، شرقي العاصمة لندن. فقد اتفق رجلان من المنطقة على اللقاء في مجمع البلدية لمناقشة أمر هام، والتقيا في مواقف السيارات قبل أن يفتشا في سيارة، ثم مضيا إلى نصب الحرب في وولثمستو حيث وقفا للحديث.
وليس بعيدا عنهما، صدرت إشارات اللاسلكي في قيادة الشرطة طالبة التحرك للقبض عليهما. وفي بريطانيا لا تحمل الشرطة السلاح، ولكن أفرادها تحركوا باتجاه الهدفين الثمينين على أمل أنهما ليسا مسلحين. وفوجئ الرجلان بالتحرك حيث استسلما بدون مقاومة. وكانا على ما يبدو في المراحل الأخيرة للتخطيط لتفجير طائرات فوق الأطلنطي. وبدأت بعدها عملية اعتقالات في كل بريطانيا حيث تم اعتقال مشتبه بهم من الشوارع وبيوتهم ومن أمكنة آمنة. وكان هذا ذروة تعاون أمني بين دول ثلاث استمر لعدة أشهر وشاركت فيه باكستان وبريطانيا والولايات المتحدة لإحباط عملية إرهابية كانت ستقتل ألاف المسافرين على طائرات عابرة للأطلنطي من خلال سوائل متفجرة معبأة في زجاجات بلاستيكية. وشارك في عملية المراقبة 800 ضابط شرطة حيث تم سحب فرق من شمال أيرلندا والجيش. وقال ضابط الشرطة في لندن ستيف درايدون “لو كانت فرق الكشافة لديها فرق رقابة لقمنا باستخدامها”. وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي كان البيت الأبيض وسي آي إيه ووكالة الأمن القومي تقدم معلومات قدر الإمكان للنظراء في بريطانيا. وكان التعاون الأمريكي بالإضافة للمخابرات الباكستانية مهما في حملة الاعتقالات التي تمت تلك الليلة.
ويتذكر معظم الناس- هذا إن تذكروا كما جاء في التقرير- أن المؤامرة العابرة للأطلنطي كانت السبب في عدم حمل أكثر من 3 أوقية من السائل على الطائرة. إلا أن المؤامرة التي تم إحباطها تركت درسا كبيرا حول نجاح التعاون في مكافحة الإرهاب، بدون اللجوء إلى الأساليب غير قانونية أو المشكوك بها. ففي الوقت الذي تركت فيه الحرب الدولية على الإرهابية سجلا من الانتهاكات للحريات المدنية والقيم الديمقراطية إلا أن إحباط مؤامرة السوائل المتفجرة تظل درسا مهما حول حماية المواطنين بدون انتهاك حرياتهم. ففي منتصف عام 2006، كانت السلطات البريطانية تتابع مواطنا اسمه عبد الله محمد علي، ورد اسمه في التحقيق مع شخص حاول وفشل لتفجير نفسه في قطار الأنفاق عام 2005. وأخبر البريطانيون الأمريكيون بأن علي كان على اتصال مع أفراد في بريطانيا وباكستان يشتبه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة. وكان من الواضح أن الجماعة الإرهابية تخطط لعملية كبيرة لأن الأفراد المشاركين فيها هم مواطنون بريطانيون تلقوا تدريباتهم في باكستان. ولهذا تعاونت الوكالات الاستخباراتية لرصد حركة المتآمرين. وراقبت واشنطن مراسلاتهم عبر البريد الإلكتروني، فيما حاولت إسلام أباد تحديد مكان العقل المدبر للعملية. ومع زيادة المعلومات اتضح للوكالات الاستخباراتية أن المتآمرين يخططون لعمل أكبر يستهدف الطائرات التجارية المتجهة نحو شمال أمريكا.
وأضاف التقرير أن ما أصبح مثالا عن النجاح في التعاون الدولي لم يكن دائما هو الواقع نظرا لاختلاف المواقف، فالولايات المتحدة التي خرجت من صدمة هجمات 9/11 كانت ترى في تنظيم القاعدة عدوا عنيدا لا بد من تدميره. أما بريطانيا ذات التجربة الطويلة في النزاع ضد الجيش الأيرلندي الحر فقد تعاملت مع المشكلة بصفتها مسألة تتعلق بفرض القانون، ولكنها خطيرة وتحتاج إلى بحث دقيق ومراقبة شديدة. وهذا لا يعني أن بريطانيا كانت مستعدة للعجلة بل تركت المتآمرين يعملون بطريقة لم تكن أمريكا تستطيع هضمها، والهدف هو الإمساك بهم متلبسين بالجرم. وبحسب مسؤول في “سي آي إيه” فقد تقدمت بريطانيا بخطة غير تقليدية تقوم على السماح للمتورطين بالمرور في مطار هيثرو الدولي ومعهم متفجراتهم ثم تركهم يركبون الطائرة ويجلسون في أماكنهم. وعندها يعلن قائد الطائرة عن تأجيل الرحلة بسبب عطل فني ويطلب من الركاب النزول، والقبض على المخططين عند مداخل الطائرة حيث تنتظرهم قوات الأمن. ولم يصدق الأمريكيون الأمر، وردوا بأدب قائلين إنها قد تنجح، مشيرين إلى المتآمرين قد يقابلون بعضهم البعض في مدرج المطار ويكتشفون الحيلة، وعندها يقرر أحد المتآمرين تفجير نفسه. ولم تستمر الخطة طويلا على طاولة النقاش.
ومع الكشف عن أجزاء من الخطة ساد شعور بالغضب لدى الجانب الأمريكي من أن البريطانيين يتحركون ببطء شديد، حسب لاري بيفر، رئيس طاقم مدير سي آي إيه في حينه مايكل هايدن. واعتقدت المخابرات الأمريكية أن قوات الأمن البريطانية بحاجة للرد على التهديد من الإسلاميين بطريقة لا رحمة فيها، وذلك بعد استهداف المواصلات وقطار الأنفاق بلندن في ساعة الذروة في 7/7/ 2005. وقال بيفر “اعتقد الناس أن هذه كانت صيحة تحذير” و “ها نحن بعد عام ولا يزالون يكافحون”.
ومن المنظور الأمريكي، ففي كل يوم ظل فيه المتآمرون أحرارا فالولايات المتحدة أقل أمنا. واعتقد الأمريكيون أن الخطة هذه هي أكبر تهديد للقاعدة منذ هجمات أيلول/سبتمبر 2001. ومن جانب آخر اعتقد البريطانيون أن الخطة قاتلة ولكن يمكن التحكم بها من خلال الرصد والرقابة. ومع ذلك فقد كان الأمريكيون يريدون التخلص من المؤامرة ووقف استنزاف الطاقات والجهود في ملاحقتها. وعند ذلك لاحت في الأفق فرصة في باكستان لإحباطها. وكان الخيار واضحا كما قالت مستشارة وزيرة الأمن الداخلي فرانسيس تاونسند “إنهم مواطنو بلدنا وطائراتنا”. وكان الانسجام الأمريكي- البريطاني على خلاف العلاقات المحفوفة بالمخاطر مع المخابرات الباكستانية.
وكانت الولايات المتحدة وباكستان في تعاون مشترك منذ عام 2002، وكان المسؤولون الباكستانيون على معرفة بتفكير نظرائهم الأمريكيين، ففي لقاء بين قادة المخابرات الأمريكية والباكستانية تحدث مدير المخابرات الباكستاني الجنرال أشفق بارفيز كياني “أنا متعب منكم أيها الأمريكيون عندما تقولون إننا لا نفعل ما يكفي لمحاربة الإرهاب”. وكان الباكستانيون غاضبين من لومهم على أية عملية تمر، ولهذا عندما سأل كياني، مدير العمليات في سي آي إيه جوسيه روديريغوز “هل أنت معي؟”، رد “بالطبع”. وفي ذلك الوقت كان أسامة بن لادن، المطلوب رقم واحد يختبئ قريبا من الأكاديمية العسكرية في أبوت أباد.
ورغم حرية الحركة التي كانت يتمتع بها الإرهابيون داخل باكستان إلا أن عملية “أوفيرت” كانت أعلى مرحلة تعاون بين أمريكا وباكستان. وكان على قادة المخابرات اتخاذ الحيطة والحذر للتستر على التعاون كما هو الحال بمقتل قائد العمليات في تنظيم القاعدة حمزة الربيعة بطائرة مسيرة عام 2005. وبدا واضحا أن تعاونا جيدا بين الأمريكيين والباكستانيين، حيث طلب المسؤولون في باكستان من الإعلام عدم البحث في خفايا مقتله. لأن الحديث عن طائرة مسيرة سيفتح الباب لمناقشة موضوع السيادة و “دوعونا نحتفل بحقيقة أن القاعدة خسرت واحدا من قادتها”. وكانت عملية ملاحقة رشيد رؤوف، المواطن البريطاني ومدبر مؤامرة القنابل السائلة نموذجا آخر عن التعاون.
ويتذكر رودريغوز التقارير التي تحدثت عن تحرك رؤوف في باكستان. وكان هاتفه النقال يرسل إشارات وهو يتحرك على الطريق السريع، ربما على متن حافلة. ووصف رودريغوز والمسؤولون الذين قابلهم كاتب التقرير الخطة التي أدت للقبض على رؤوف، حيث تم وضع نقاط تفتيش ترابية على الطريق السريع بوجود أمريكي على الأرض إلى جانب القوات الباكستانية الخاصة. وكانت فرصة ذهبية للقبض على ناشط في القاعدة، فالسماح له بالمرور بدون اعتراض يعني منحه الحرية للمضي نحو المناطق القبلية حيث لا يمكن تتبعه أو القبض عليه. وعند وصول الحافلة إلى الساتر الترابي فتح رؤوف عينيه ليلاحظ وجودا غير طبيعي لقوات بالزي المدني والسلاح. وعندما أشار أحدهم إلى السائق لفتح الباب، تذكر رؤوف أنه لم يغلق واحدا من هاتفيه اللذان كانا بحوزته، وفي محاولة يائسة لإغلاقه، كانت القوات الخاصة التي تلقت مساعدة من المخابرات الأمريكية قد التفت حول الحافلة وحددت هوية رؤوف وسحبته من إحدى نوافذ الحافلة بدون إبداء مقاومة.
ولم يرض التحرك الباكستاني- الأمريكي البريطانيين الذين كانوا يفضلون ترك المؤامرة تتطور. وشعر بيتر كلارك من شرطة لندن بالغضب. فقد ضيع الأمريكيون بتحركهم جهودا استمرت أشهرا وفرق مراقبة لجمع المعلومات والرصد. وتظل العملية صورة عن التعاون المشترك الذي لم يستمر، ففي عام 2007 عندما طلب الأمريكيون من الباكستانيين المساعدة في تحديد واعتقال ناشطي القاعدة كان الجواب لا أو التأجيل والتبرير بأن الهدف ترك باكستان، كما ذكر هايدن في مذكراته. وكرد على هذا الموقف بدأت سي آي إيه بالتصرف من جانب واحد وأخفت أعمالها عن المخابرات الباكستانية، وفي 2007، هرب رؤوف من المعتقل واختفى بطريقة غامضة. وبدا عدم التعاون واضحا في عام 2011 عندما قررت إدارة باراك أوباما قتل أسامة بن لادن في أبوت أباد بدون إعلام السلطات الباكستانية.