غيثٌ مدرارٌ بألوان شتى تشكيل الفنانة القديرة :خديجة الخيال.
محمد آيت علو
*غيثٌ مدرارٌ بألوان شتى تشكيل الفنانة القديرة :خديجة الخيال.
*الفنانة التشكيلية المغربية:خديجة الخيال*
*"عبير قطرات المطر الأولى، عشق للصباغة من أول يوم مشتاة، الانطباع هو أني كنت أتصور وأرى آنذاك بأن المطر يتساقط غيثاً مدراراً من أزهار وذرات بألوان شتى ، وخلف اللوحة قلب رمادي داكن، هكذا تصورته وهكذا كنتُ أراه، حالٌ عشته مع ذاتي في بدايتي مع التشكيل بكل عفوية وفطرة وحفر، ولأنني أومن بأن الفن عطاء، ضاعت اللوحة إلى الأبد..."
*عصامية في توجس وأحاسيس البدايات ...فنبض اللوحات..، لما صار لها كلاما وعمقا وتأويلات ودلالات، ثم مقدرتها على الصمود والتحدي، فكانت الجدارة والإثبات والانتماء لأرض يفوح منها عبير قطرات الأمطارُالأولى*
تُعتبر تجربة الفنانة التشكيلية "خديجة الخيال" في عالم الفن التشكيلي ثرية وعميقة ومتجددة، فمنذ بداياتها الفنية الأولى مسقط الرأس ب"المعاشات بمدينة الصويرة" مدينة التسامح والتشكيل، فيروز الشطآن، تشكل في وعيها عشق الفرشاة التي كانت بالنسبة إليها السلاح الذي ستهزم به كل التحديات ولا سيما ثلة من النساء اللواتي رسخن في خُلدها ونفسيتها استياء ونظرة سلبية ودونية، نظرة طالما اعتبرتها حاجزا، فكان لزاما من التحدي والتجاوز وإثبات الذات، وهي فنانة متفردة لا تتكئ على منوال سابق أو نموذج، وهو تحدي ركبته منذ البدايات، هذا التحدي الذي نلمسه حتى في لوحاتها، وذلك عبر عمليات تجاوز كل ممكن ومتاح، وعبر اصطناع أثر وبصمة خاصة بها عن جدارة وصمود وعصامية عز نظيرها، وإن كان التصنيف أحيانا مجانبا للصواب، فقد رأى الكثيرون بأنها تنتمي للاتجاه الفطري بمعناه الإيجابي، ولذلك تم الوسم بأن عفويتها تكاد تطغى وتهيمن على تجربتها في التشكيل وكسمة بارزة على جل لوحاتها، فضلا عن انقيادها للتشكيل بكل تلقائية واستجابة للحالة والإلهام الإبداعي، هذا وإن المتتبع لمسيرة هذه الفنانة العصامية، يمكنه أن يلتمس بوضوح طريق الحلم الذي جسدته موضوعاتها، ذات الملمح السوريالي أحيانا والتعبيري أحيانا أخرى، وقد استطاعت الفنانة خديجة الخيال أن تصطنع لها أسلوبا فنيا جميلا خاصا بها، وهي المسكونة بالعفوية وبشغف الألوان، وعشق التجديد، وميل إلى التجاوز وحفر بصمة لها.
والجدير بالذكر فالفنانة خديجة الخيال هي وجه من الوجوه الفنية الرائدة التي برزت في الساحة التشكيلية المغربية والدولية، فنانة عشقت الألوان والفرشاة منذ طفولتها وصارت هوايتها المفضلة محاكاة ما تراه من ألوان الصوف والزرابي وفي بيئتها البدوية الحالمة بشتى ألوان الطبيعة المزركشة والساحرة، فقد تأثرت كثيرا بأمها من صناعة الأصباغ الصوف والغزل والحنبل والزرابي، فجاءت لوحاتها معبرة عن إحساسها المرهف وعن عمق فلسفتها في الحياة، لوحات جميلة مدهشة، مواد نسجها بسيطة جدا مستقاة من الطبيعة، أحجار عناقيد وورود وأشجار وعصافير وحشائش الأرض، موائد أوراق الأشجار، شلالات أعشاب طبيعية، وأعواد متساقطة من الشجر... ولوحات لملامح ووجوه نسوة يتفتقن جمالا وسحرا أو لامرأة آتية من عمق البحر ...، وعن حالات وجودية تمتد بين فسيفساء الألوان الحياتية هي تعبير عن رؤيا شاملة ومواقف وعي بالذات وبالوجود، وعن‘’الحب والتسامح والانفتاح في لوحاتها ’’فهذا لا يصدمنا في شيء ، إذ يرجع إلى ما تأصل من مدينتها المعشوقة، إنها الصويرة حاضرة البحر والنوارس والتسامح والهدوء وحب الحياة.
ولقد استطاعت الفنانة خديجة الخيال من خلال أعمالها الإبداعية أن تعكس حبها للحياة، وأن تدخل إلى عوالم خاصة بها من خلال مواضيع هادفة لتعطي للوحاتها الحياة والحب، وما العيون إلا عيون الفرح والجمال، والانفتاح أحيانا، وإعلانا عن الرغبة الجامحة في بناء عوالم أكثر بهاء وهمسا آخر من سحر يتفجر من عيون، ومن لوحة للوحة يسافر المتأمل خلف العيون، عيون وعيون... نحتاج لتذوقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة، تكاد تبوح له شكل رسمها وألوانها بمعاني الأمل، والقلق، والخوف، والرغبة، ونشوة ،الحلم بلا أصوات ولا كلمات، ينفذ إلى عمق المتلقي مستهدفة الشعور الجمعي المشترك فيه محفزة لديه لغة البصر وذاكرته..... تأخذ منه اللوحة تعابيرها، بعيون تختلف نظراتُها جمالا وانكسارا وتحديا وأحيانا تحسرا وصراعا وطموحا وحرية...وأخرى تمتد عمقا في تاريخ الإنسان، ولكن في عمقها وأبعادها عيونٌ جميلة مرسومة بفنية مبهرة وبوعي عميق ، عيون مختلفة لما ألفناه في بعض التشكيل، وما يميزها هو قوة اللون واللغة، عيون تضمر ألف حكاية وحكاية، حكايات لاتنتهي...وهناك ملمحٌ آخر وهو المزاوجة في لوحاتها بين الرمزية بأبعادها الدلالية المتعددة...كما أن في الألوان المستخدمة ملمح قوي مليئ بالفرح والتفاؤل الذي أظهرته ريشتها بعفوية وتلقائية وبروية وإتقان، وكأنه يجسد ما يختلج بالأعماق، كما اعتمدت أسلوبا مميزا وهادفا في لوحاتها مقتبسة معالمها من الواقع والتفاصيل المعبرة داخل المكان محولة إياها إلى مشهد بصري غني بالتقنيات الفنية التشكيلية، وعكست الفنانة شغفها بتمازج الألوان الحارة مع الباردة محاولة إضفاء طابع خاص على طاقة اللون، محققة بذلك توازنا لونيا وصفاء نلمسه في فضاء لوحاتها.
الفنانة خديجة الخيال رحلة دائمة للبحث والتعبيرعن قناعاتها وآرائها وحبها للحياة بكل الأبعاد والدلالات.