العراق أمام تحدي تضخم سكاني كبير
أصبح عدد العراقيين أكثر من 41 مليون نسمة
الندبيندت/ شذى العاملي:يعاني العراق نتيجة الحروب السابقة ومرحلة ما بعد 2003 من غياب الهندسة الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي لبناء اقتصاد يتماشى مع التزايد السكاني، بخاصة أن عدد العراقيين أصبح أكثر من 41 مليون نسمة، ذلك أن نسبة الزيادة السنوية فيه تصعد بمقدار 900 ألف إلى مليون نسمة سنوياً، بحسب إحصاءات وزارة التخطيط.
وقد يتصور البعض أن النمو السكاني في العراق لا يمكن أن تغطيه موارد البلاد الوفيرة، نتيجة ما نشاهده من عوز ونقص في مختلف مجالات الحياة المعيشية، ومع ذلك، فإن الحكومة غير قادرة على ضبط تزايد أعداد السكان بسبب طبيعة المجتمع العراقي ذي الخلفية العشائرية، حتى في المدن الكبيرة مثل بغداد والبصرة والموصل.
وأكد رعد سامي، الخبير في مجال التنمية المستدامة أن غياب السياسات الاقتصادية الرشيدة التي تتعلق بتنمية الموارد، يرافقه في المقابل تصحر وتجريف للأراضي الزراعية وأيضاً صمت حكومي حول هذه الأزمة التي ولدت غياباً للموارد الزراعية والاقتصادية بصورة عامة. وكشف سامي عن أسباب غياب القطاع الخاص الذي يُعدّ شريكاً أساسياً في بناء أية دولة وقال، "للأسف الشديد، ما زال القطاع الخاص مشوهاً نتيجة الفساد الإداري والمالي الموجود في البلد"، وكل هذا قاد إلى أزمة في الموارد، والعراق ما زال يستورد حتى أبسط مفردات السلة الغذائية الأساسية من دول الجوار، مثل الأجبان والخضار وغيرها من المواد الأساسية.
وقفة حقيقية
وبرّر سامي كل ذلك بغياب التخطيط لبناء اقتصاد يقوم على التنمية المستدامة، ما يتطلب من الحكومة والقادة وقفة حقيقية لإعادة بناء الاقتصاد وهندسته على أسس سليمة، تستند إلى الأهداف التنموية الـ 16 التي تبنّتها الأمم المتحدة، منها القضاء على الفقر وتوفير بيئة صالحة. وقال إننا نتمنى أن تكون هناك رؤية وخطط استراتيجية في البلد تعمل على تنفيذ هذه الأهداف.
وفصّل ضياء المحسن، الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي أبعاد الموضوع إلى محاور عدة، وقال، "أولها يتعلق بعدم قدرة الدولة على النهوض بالقطاع الزراعي الذي سبقت له المساهمة في تغطية حاجة السوق العراقية في سنوات الحصار الاقتصادي بين عامي 1990ـ 2003، بحيث كان نظام الرئيس الراحل صدام حسين يدعم المزارعين بمختلف مستويات الدعم المالي واللوجستي، مثل شراء المحاصيل بأعلى سعر وتوزيع الأغطية والمبيدات والأسمدة بأسعار تدعمها الدولة، وكذلك توزيع المعدات الزراعية على الفلاحين. ولم نشهد الأمر ذاته بعد عام 2003".
تأخر مستحقات المزارعين
وأكد المحسن أن تأخر مستحقات المزارعين لفترات طويلة نتج منه عزوف الفلاحين عن زراعة أراضيهم وتركها بوراً، فضلاً عن دخول المحاصيل الزراعية من دول الجوار بأسعار تقل كثيراً عن مثيلتها العراقية، الأمر الذي سبب خسائر كبيرة للمزارعين، وكذلك الحال في ما يتعلق بالإنتاج الزراعي، والصناعات التحويلية التي يرتبط كثير منها بوفرة المنتوج الزراعي المحلي، أو الصناعات البتروكيماوية، التي كانت تسدّ جزءاً كبيراً من حاجة السوق المحلية، ويصدّر الفائض منها إلى دول الخارج، وكانت تسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي وفي الموازنة.
أضاف الباحث في الشأن الاقتصادي أن الموارد في القطاع الصناعي لا حصر لها في المناطق الواقعة شمال العراق وغربه، مثل الفوسفات والمغنيسيوم والكبريت والسيليكات وغيرها، ومع ذلك، ليس هناك اهتمام من الحكومات المتعاقبة على استثمار هذه الثروات وتوظيف عوائدها المالية لتحسين الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطن العراقي، وقد اعتمدت الحكومات المتعاقبة على الإيرادات النفطية فقط، والطامة الكبرى هنا أنها تتغافل عن مورد مهم يرتبط بالنفط، وهو الغاز المحترق، الذي يتجاوز المحترق منه مبلغ ثلاثة مليارات دولار أميركي، فضلاً عن الاستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية التي يعاني البلد من نقص فيها بما يتجاوز 12 ساعة يومياً. وفي هذا الصدد، أكد المحسن أن أسباب تزايد السكان يؤثر سلباً في الموارد التي تُعدّ شحيحة مقارنة بمثيلتها في دول الجوار، "لو أخذنا مثلاً غلة الدونم (1000 متر مربع) لمحصولَي الحنطة والشعير في العراق، التي لا تتجاوز في أفضل الأحوال 500 كيلوغرام في الدونم، بينما نجد في دول كثيرة وحتى في مشاريع العتبة الحسينية أن غلة الدونم لهذه المحاصيل تتجاوز 1000 كيلوغرام في الدونم"، موضحاً أن السبب سياسة زراعية تعتمد على التقنيات الحديثة سواء في الري أو إعطاء الأرض الكميات المناسبة من الأسمدة، فضلاً عن الثقافة الزراعية التي يمتلكها المزارعون في هذه المشاريع.
ارتفاع نسبة الملوحة
وتابع المحسن أن الإغداف في التربة يؤدي إلى ارتفاع نسبة الملوحة، إضافة إلى افتقار المزارعين للثقافة، عازياً السبب في ذلك إلى أن وزارة الزراعة لا تعمل على تثقيف المزارعين بالطرق الصحيحة التي يجب اتباعها لزيادة الغلة. وشجع على تنشيط القطاع الخاص الذي يرتبط بقدرة الحكومة على ضبط الأمن وحماية مشاريع القطاع الخاص من العصابات المنظمة، فضلاً عن الحاجة إلى تفعيل قانون حماية المنتج المحلي وقانون حماية المستهلك وقانون دعم الصادرات. وقال، "هذا غير ممكن بسبب وجود ارتباطات خارجية لهذه العصابات المنظمة تعمل على بث الرعب بين أوساط المنتجين العراقيين، ونتجت من ذلك مغادرة معظمهم إلى دول الجوار ودول جنوب شرقي آسيا لحماية مصالحهم في هذه الدول"، وخلص إلى أن المشكلة أكبر من أن تتلخص بنقص الموارد، بل تتجسد في فقدان الإدارة الجيدة التي توظف هذه الموارد والثروات بصورة صحيحة من أجل تحسين معيشة الأفراد من النواحي كافة.
الخطأ يكمن في إدارة المال العام
واعتبر الناشط السياسي حمزة الجواهري أن هذا الموضوع يتعلق بسياسة الدولة، إذ توزع وزارة التخطيط ووزارة المالية الأموال وفق حاجات البلد بمختلف مرافقه، وأوضح أن الخطأ يكمن في إدارة المال العام، وحمّل المسؤولية لكل الوزارات، إضافة إلى حكومة إقليم كردستان وصولاً إلى أدنى موظف في الدولة ، وقال، "نعلم جيداً أن العراق مصاب بلعنة الفساد الذي تسرب إلى مرافق الدولة، وهو السبب الرئيس في نسبة الفقر التي يعيشها العراقيون، ولهذا السبب، لن توجه الأموال إلى التنمية المستدامة أو البنية التحتية التي تخدم المواطن".
منظومة القيم مفقودة
وأفاد الجواهري بأن موضوع نقص الموارد يحتاج إلى إعادة المنظومة القيمية والأخلاقية، وتلك المنظومة التي فُقدت طيلة المرحلة التي رزح فيها العراق تحت حكم حزب البعث، فكان الولاء للحزب وليس للوطن أو العائلة بل فقط لحزب البعث، بل كان من العسير على أي مواطن عراقي أن يعمل أو يدرس أو يتوظف إن لم يكُن بعثياً، فضلاً عن إبداء استعداده لتقديم خدماته الأمنية للدوائر الأمنية والاستخباراتية التابعة للنظام، والاستعداد للتضحية بالغالي لكسب رضا الحزب. وتابع، "من هنا، بدأ الهجوم على منظومة القيم في العراق، وما نشاهده ونعيشه إنما هو نتاج تدمير هذه المنظومة، وما تبقى هو الإرث الخطابي، وليس جزءاً من قيمه التي يمارسها حقيقة، وأصبح كل شيء مباحاً".
زيادة طبيعية في عدد السكان
الحقيقة أن ما يشهده العراق زيادة طبيعية في عدد السكان، التي عرفت انخفاضاً في معدلاتها خلال الأعوام العشرة المنصرمة من خلال ملاحظة نسبة الهبوط عما كانت عليه قبل 10 سنوات، إذ كانت نسبة الزيادة السنوية 3.5 في المئة تقريباً، أما في الأعوام الأخيرة، فوصلت الزيادة السنوية إلى 2.5 في المئة بحسب تقديرات وزارة التخطيط لعام 2021، كما قال عبد الزهرة، مدير إعلام الوزارة.
إحصاء وزارة التخطيط
وبلغت تقديرات عدد سكان العراق لعام 2021، 41190658 نسمة، وبواقع 20810479 مليون من الذكور، يشكّلون ما نسبته 51 في المئة، من مجموع السكان، في حين قُدّر عدد الإناث بـ 20380179 نسمة، اللواتي يشكّلن نسبة 49 في المئة من مجموع السكان.
أما عن شح الموارد، فأفاد عبد الزهرة بأن العراق لا يواجه شحاً في الموارد، ولكن يمكن القول إن المشكلة تكمن في إدارة هذه الموارد. والعراق بلد غني يمتلك إمكانات اقتصادية جيدة سواء المتمثلة في الثروة النفطية أو القطاعات التنموية الأخرى كالزراعة والصناعة والسياحة ومفاصل مهمة أخرى، ولذلك، في إطار استيعاب هذه الزيادات السكانية وتحويلها من عبء على التنمية إلى محركات ذات فائدة، تعيد الوزارة النظر بالوثيقة الوطنية للزيادات السكانية التي سبق وأطلقتها في فترة سابقة وتوقفت بسبب تداعيات كورونا 2020 والأزمة المالية، ما استدعى إعادة النظر في كثير من السياسات كي تكون متوائمة مع المتغيرات التي شهدها العراق.
سياسات النهوض بالمجتمع
تستند هذه السياسات بعيدة المدى إلى جملة من المرتكزات في مقدمتها تمكين الشباب لإيجاد فرص عمل من خلال التشارك مع القطاع الخاص، والعمل على تمكينه وتوفير الضمانات المطلوبة للعاملين في هذا القطاع أسوة بنظرائهم في القطاع الحكومي، أما محور الصحة وتحسين القطاع الصحي، فيكونان من خلال تحسين مستوى المنشآت أو المباني أو الكوادر الطبية والتمريضية.
وعن محور التعليم، وُضعت مجموعة من السياسات من أجل النهوض بهذا الجانب الأساسي، ولا ننسى أزمة السكن وضرورة العمل على ردم الفجوة الموجودة في هذا القطاع، وقد شهدت بغداد والمحافظات العراقية حركة واسعة في المشاريع الحكومية أو الخاصة. وخلال فترة قريبة، أعتقد أن يشهد هذا القطاع انخفاضاً في أسعار الوحدات السكنية للفترة المقبلة بعد إتمام المشاريع السكنية التي كان آخرها مشروع "داري" الذي يتضمن توزيع أكثر من 15 ألف قطعة أرض وتسهيلات بمنح القروض من البنك المركزي أو المصارف الأخرى للمواطنين الراغبين.
خطة التعافي من كورونا
ولفت مدير إعلام وزارة التخطيط إلى أن الوزارة أطلقت خطة التعافي من تداعيات كورونا 2021 – 2023، وتضمنت ثلاثة مرتكزات كان أولها المحور الاقتصادي، الذي يوفر دعماً للقطاع الخاص، والمحور الاجتماعي الذي يسعى إلى تحسين مستوى الصحة والتعليم وتدعيم شبكة الحماية الاجتماعية وعودة النازحين وتمكين المرأة، أما المحور الثالث، فهو المحور المكاني، الذي يتضمن مجموعة سياسات لمعالجة الفجوات التنموية في المحافظات وفقاً للخريطة التنموية التي وضعتها الوزارة بناء على المسوح والدراسات في هذا المجال.
صادرات العراق من النفط
صدّر العراق 3.619 مليون برميل نفط في يناير (كانون الثاني) 2022، وأدى ارتفاع أسعار البترول إلى مستويات دخل شهرية لم تشهدها البلاد خلال عقد من الزمن.
الحرص على المواصلة
ويحرص العراق على تطوير علاقاته التجارية والاقتصادية مع مختلف دول العالم في ضوء توجيهات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالانفتاح على السوق العالمية، وأهمية تطوير وتنمية العلاقات المشتركة في مختلف الأصعدة والسعي إلى فتح قنوات اتصال جديدة مع بلدان العالم.