العدالة الألهية - رواية من الواقع المعاصر
وضحى حمود السعدون
العدالة الألهية - رواية من الواقع المعاصر
المقدمة
كلنا نعلم مقدار حبنا إلى جمهورية مصر العربية، مصر العروبة، مصر أم الدنيا،
عندما نتكلم عن مصر نشعر أنها أم العرب وهي الدولة المؤثرة بحياتنا، نشعر
بالحب والسعادة اتجاه هذه الدولة العزيزة على قلوبنا، وكل الدول العربية دائما تشير إلى هذه الدولة الحبيبية التي تحس فيها أنك في بيتك، وتحس بالأمان والحب والسعادة عندما تقابل وتتعامل مع الشعب المصري الذي يشعرك بالسعادة والأخوة والصداقة والمحبة، شعب متصالح مع نفسه، شعب كله طرفة ونكته وجمال واخلاق ، هذا ما نشعر به اتجاه قاهرة المعز باهلل.
القصة تتحدث عن حواري القاهرة القديمة، الحواري الجميلة التي دائما نشاهدها في أفلام السينما والمسلسالت التلفزيونية والعلاقات الأجتماعية بين الناس، ومجتمع الحارات واألحياء القديمة، والتي تعكس وتبين الحياة الحقيقية للمجتمع المصري من ترابط بينيهم ومحبة وألفة وروابط دينية، وحبهم للدين وحبهم للوطن وحبهم هذه الخصال نجدها مهمة عند المصرين (دين، وطن، أم)أهم ثالث مبادئ عند المصريين، والتضحية في سبيل هذه المبادئ و هي مقدسة عندهم.
من جهة أخرى فإن مجتمعهم كباقي المجتمعات لا يخلوا من وجود بعض العصابات البلطجية و اولاد الشوارع ذوي الأخلاق السيئة، وكذلك الحرامية والسراق، كذلك الفقراء والمعدمين والمشردين والمعوقين وغيرهم، فهم مجتمع يشمل كل الفئات الطيبة والسيئة، وهذا التنوع االجتماعي موجود في كل مجتمع بالعالم العربي والعالمي، ونحن طبعا كلنا نحب القاهرة وأول ما نصل قاهرة مصر، نذهب إلى وسط البلد (الحسين ونحس بالراحة النفسية واالنشراح والسعادة) لهذا المجتمع الحبيب ومصر هي أم الدنيا، لروحها وروح شعبها المرحة الطيبة، وهم أصحاب النكتة ويستقبلون الناس بالتعظي م والمحبة والتعليقات اللطيفة الطيبة، هذا هو الشعب المصري العربي الحبيب.
[size=32]قصة العدالة الألهية[/size]
بعد هذا الشرح عن المجتمع المصري وأحواله، الموضوع الذي ابحثه هو: قصة
عائلة مصرية تسكن في عمارة قديمة في حي بإحدى حارات شعبية قديمة في
القاهرة، في شقة مكونة من غرفة كبيرة وصالة كبيرة في الدور الأرضي من هذه
العمارة القديمة في منطقة شعبية، والعائلة مكونة من أب و أم متوفيه وولدين وبنت، وكذلك جد وجدة من ناحية الأم المتوفية، الأب يشتغل حارس رجل أمن في إحدى المباني الخاصة، وبمرتب قليل، وابنه يشتغل على سيارة (تك - تو ك) لمساعدة ابيه، والأبن الأخر معوق لكنه ذكي وشهم وهو يحب جده ومالصق به وينام معه بسرير واحد ومرتبط بجده روحيا ً الغرفة، ، والصالة ينام بها
صاحب ( التك - توك)، وعند قدوم البنت للعائلة قسموا غرفة النوم إلى قسمين، قسم للجدة والبنت والقسم الثاني للجد والأبن المريض، وخارج هذه الشقة من الخلف فسحة يجلسون فيها ويتسامرون وتجتمع العائلة، وفيها أشجار بسيطة زرعتها أمهم المتوفية ، كان الأب يجلس على كرسيه مقابل الأشجار التي زرعتها زوجته المتوفية و خصوصاً شجرة الياسمين وكان يخاطب هذه الشجرة التي يرى من خاللها روح زوجته، وكان دائما يخاطبها ويتحدث معها بصو ٍت مسموع، ويخبرها ما ي حدث له كل يوم كأنما يراها أمامه، ويحس بوجودها وكأنها موجودة فعالً معه، وهذا الأمر لبعض الناس عندما يفقدون شخص يحدث دائما غالي وعزيز عليهم، ال يستطيعون ًتصديق الأمر لتعلقهم الشديد بأحبابهم تعلق شديد، وهو ما يسمى بالطب النفسي (بانفصام الشخصية) وهو نوع من الأمراض النفسية، يتخيل المرء إنه فعالً وحقيقةً أمامهم، يرونه ويستمعون لهم ويخاطبهم ويخاطبونه كأنه إن الشخص موجود فعلا حقيقية، يأخذ ويعطي معهم ويحس بوجوده، وهذا الأب مصاب بهذه الحالة ويحس بالطاقة الأيجابية والراحة النفسية، وهكذا كل يوم يتحدث لزوجته ويشكو لها كل مشاكله اليومية وهمومه بإخبارها اخباره اليومية ، ويشعر بالسعادة كأنه رءاها وقابلها فيسعد بذلك ويحس بالطاقة الأيجابية والسعادة، هكذا كانت العائلة تعيش باطمئنان وسعادة وععلاقات جميلة مع كل من في الحارة في محبه وصداقة و ألفه.
وفي يوم من الأيام جاءهم صاحب العمارة الشرير وبدء ينوه عن اخلاء الشقة
واخلاء العمارة للترميم، وفي الحقيقة أن العمارة لن تحتاج إلى الترميم وهي في حالة جيدة على وضعها الحالي، ويشير إلى ترميم الأساسات، فعرض عليه المال مقابل ااخلاء الشقة والبناية ولكن الساكن رفض هذا العرض، ولا يمكن ان يتنازل عن عمره الطويل وذكرياته، وذكريات عائلته والسنين الطويلة التي عاشها في هذه العمارة لارتباطه الشديد بمنزله، وهناك قانون في مصر لا يمكن اخالاء الناس من مساكنهم، وفي حالة واحدة هو أن صاحب العمارة يتحايل على القانون، وهذا ما يحاول أن يفعله، فكل الساكنين متمسكون بالشقق، فالأب متمسك بشقته والجد كان يجلس عند شباك الشقة يتفرج على المارة دائماً، الشباك المطل على الشارع ويشاهد المارة من الناس يسيرون في الطريق ، ومريح يحترمه
وهو شخصية محبوبه جداً كل الناس وعنده نوع من الروحانيات، وفي يوم من الأيام رأى في منامه رؤيا مفزعه يقول له صاحب العمارة يجب عليكم الرحيل من الشقة وشاهد معه كراتين عديده مكتوب عليها اسم (عباس ) صاحب العمارة، فقام الشيخ من هذا الكابوس المفزع وكان بجانبه الولد المريض، فقام الشيخ الكبير بإخبار حفيده بالحلم الكابوس المزعج المفزع وهو بجانبه، وأخبره بالحلم المفزع، والحفيد يتكلم بصعوبة، والشيخ مفزوع جدا فتلفظ أنفاسه وسمى بالرحمن.. ً من هذا الحلم وكأنه كابوس مزعج، وقال لحفيده: يجب علينا أن نترك هذا المنزل سوف يأتي إلينا كراتين مكتوب عليها عباس، اسم صاحب العمارة.
وبعد يوم من الحلم قال الجد للأب هادي: يجب علينا أن نضع أغراضنا في كراتين مكتوب عليها اسم عباس..
وهادي لم يستوعب ولم ينتبه لكلام الشيخ وتجاهله، وفي يوم من الأيام كان الشيخ الجليل جالس كعادته عند شباك المكان المعتاد عليه وهو يتفرج على المارة، وفجأة توفي وهو جالس في مكانه، وكانت هناك امرأة تبيع الخضار في نفس الشارع.. شاهدته فقفزت اتجاهه وهي تصيح: مات الشيخ مات الشيخ..
في نفس اليوم كان صاحب العمارة يطلب من هادي اخالاء شقته بسبب الخلل
وترميم العمارة، فرفض هادي رفضا ، وكادت المواجهة تكون بينه وبين ً شديداً
صاحب العمارة، فجاء له رجل من الحارة يخبره بوفاة عمه الشيخ، فترك المشاجرة وذهب إلى بيته يتفقد الشيخ، وقام بعدها بإجراء مراسيم الدفن للشيخ الجليل، فذهبوا إلى المقبرة للصالة جميعهم مع أبنائه وأبناء الحارة، والجدة والأبنة، ذهبوا جميعاً على الشيخ ودفنه، وأثناء انشغال الناس بالدفن، انتهز صاحب العمارة هو وصبيانه الرجل الضخم الطويل (البلطجي) والرجل الصغير الأهبل المعتوه عديموا الضمير وجميعهم اشرار، انتهزوا الفرصة ودخلوا العمارة من الباب األسفل المؤدي إلى القبو عند أساسات العمارة وكسروا وخربوا أساسات العمارة وبعد الأنتهاء من التخريب، رتبوا كل شيء وغسلوا ونظفوا المكان، بحيث لا يوجد أي اثر من التخريب هناك، وفي اليوم الثاني قدموا مذ كرة للحكومة بأن هناك خلل بالعمارة، وفي هذه الحالة يكون من حقهم القانوني الحصول على الموافقة من قبل البلدية والحصول على أمر بإخلاء العمارة حسب القانون المصري، وعندما عادت العائلة من المقبرة بعد الدفن وأخذ العزاء في المقبرة، وبعد ذلك عادوا إلى بيتهم، وعندما كانت العائلة مجتمعه في الصالة، مرضت الجدة زوجة الشيخ المتوفي، إنشغلوا بمرضها وطلبوا لها الدكتور ، وفحصها الطبيب وكتب لها العلاج المناسب، ولم يكن معهم المال الكافي، فجمعوا كل المال المتبقي معهم من كل واحد منهم ، واعطوه للطبيب واشتروا العلاج المطلوب للجدة، وفي اليوم الثاني جاءهم صاحب العمارة (عباس) مع صبيانه الرجل الضخم القوي والصبي القصير، وقرعوا جرس الباب، فقام الأبن الكبير بفتح الباب، ودخلوا الشقة بدافع تقديم العزاء والقيام بالواجب، وفي نفس الوقت أخذ عباس يستفز الأب هادي ويهزأ منه بأنه لايملك المال ويذكره بعجزه..
فقال له: لو أنك سمعت كلامي واخذت التعويض الذي قدمته لك سابقاً، لكن الأن
عندي أمر اخالاء البيت حسب تقرير اللجنة التي عاينت بهو العمارة..
فأجابه هادي: هل أتيت لتذلني ام تعزيني؟ و غضب هادي غضباً شديداً..
وقال له: أخرج من بيتي فوراً وخذ معك صبيانك ..
فأخذ عباس يصرخ بأعلى صوته.. واتجه نحو الشباك المفتوح على الشارع..
وأخذ يصرخ بأعلى صوته: يا ناس يا ناس.. شفتوا أحد يطرد المعزين! هذا ما فعله هادي بنا..
واجتمع الناس قرب الشباك كشهود على ما حد ث ، وبعد ذلك خرجوا من البيت،
وقبل الخروج إلى الشارع طلب عباس من البلطجي أن يضرب الرجل القصير
ضربه برأسه حتى سال الدم من رأسه على وجهه..
شهد الناس على أ ن اولاد هادي هم من فعلوا ذلك واعتدوا عليه بالضرب
المبرح حتى أدموه، فأصبح الامر شنيع، بحيث أهل الحارة صدقوا بأقوال عباس ،
وكان المنظر كله تمثليه من قبل عباس وصبيانه، ونجح عباس في جعل أهل الحارة شهود على هذا الموقف بصورة فنية، وأظهر هادي أمام الناس على أنه مجرم عكس الحقيقة، وكان كل شيء مدروس بحرفية إجرامية متقنة، والاب سوا الحق بالباطل،
وقف هادي مندهشاً في حالة حيرة من أمره، لا يدري ماذا يفعل، وأمام الشرطة
والمحقق كأنه هو المجرم، وبالحقيقة بريء من كل التهم الملفقة له من عباس
صاحب العمارة، وبعد أ ن استسلم للأمر الواقع ووافق على أمر الأخلاء ووقع على أمر الأخلاء الرسمي، فرح عباس.. فقال له هادي: أمهلني بعض الوقت حتى أحصل على المال واتدبر أمري. .
أجابه عباس: لا تشغل بالك كل شيء مرتب، أنا مرتب كل شيء من سيارة نقل
وكراتين..
وجلب الكراتين مكتوب عليها أسم عباس، كما شاهدها الشيخ الكبير في حلمه
المفزع، وخلال وقت قصير أحضروا رجال عباس سيارة النقل ووضعوا أغراض
المنزل في سيارة النقل بسرعة كبيرة بواسطة الكراتين..
وكان هادي منشغل بالشجرة التي زرعتها زوجته المتوفية ، وأخذ يكلمها كما في
السابق..
وقال لها: سأنقلك معي بسيارة النقل..
فوضع شجرة الياسمين بالسيارة بكل رفق وحب..
وقف هادي أمام العمارة وهو حزين ومهموم ومقهور ومتألم ومهزوم وهو
يائس ومكسور، لا حول له ولا قوة لا باالله، لا يملك المال وهو عصبة الحياة، وهو في حيرة من أمره لا يعلم أين يتجه، وفجأة جائه رجل صديق من نفس حارته علم بقصته ووضعه، سلم عليه، وعرض عليه شقه مكونه من غرفة وصاله، كان يستخدمها الرجل كمستودع ليس بحاجته الان، فأعطاه الشقة بأجور زهيدة ريثما تتحسن ظروفه، فشكر هادي هذا الصديق الذي جاءه و قت الضيق، وشكر لشهامته، وفرح هادي فرحا شديدا..
وكان يردد: الحمدلله.. توكلت علىه .. ان الله مع الصابرين، حسبي الله ونعم الوكيل.. ربي توكلت عليك..
وكأن الله أرسل له هذا الصديق لمساعدته في هذا الوقت الحرج، فشكره لكرمه وحسن خلقه..
وفجأة جاء صاحب العمارة وهم فرحين منتصرين..
ينظرون إلى هادي، باستفزاز وغطرسة بعالمة المنتصرين، وهادي يردد حسبي الله ونعم الوكيل عدة مرات، وهو يتمتم بها، فجاءه الرد الألهي بعد قليل، حصلت المعجزة الكبرى العظيمة الغير متوقعه، اهتزت العمارة وبدأت العمارة بالتصدع والنهيار لأنهم سبق و أن لعبوا بأساسات البناية فانهارت العمارة وسقطت على عباس وصبيانه، فقتلوا وماتوا تحت أنقاض العمارة، وانتهى أمرهم و أخذوا جزائهم، وهذه إرادة الله، فنجا هادي وعائلته من الموت، وقتل عباس وصبيانه والله أحق الحق، وهذه العدالة
الألهية، سبحانه هو العدل ويحق الحق بكلماته ولو بعد حين، إن الله منتقم جبار
ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله ستار، ولا حول ولا قوة الا باالله من يتمسك بها ويرددها تفتح له مغاليقالابواب ، ويا الله كم انت عادل وجزائك من جنس العمل.
انتهى..