الأزمة الأوكرانية : الموقف على وجوهه (٤)
د.ضرغام الدباغ
الأزمة الأوكرانية : الموقف على وجوهه (٤)
لا نحتاج إلى عقل كبير لندرك، أن الولايات المتحدة لا تشتري أوكرانيا ورئيسها وشعبها بسنت واحد (الدولار الواحد يساوي 100 سنت)، وأعتقد جازماً أن الأوربيون خير من يعرف ذلك ويفهمه، والروس كذلك، إذن هي كلعبة شطرنج تدور بين لاعبين مهرة، يحاول كل منهم أن يزج خصمه في زاوية ستمثل نقطة ضعف كبيرة تأكل من قدراته، وتعمق من أزماته. كيف ...وما هي قواعد اللعبة ..؟ القاعدة الأساسية هي أن لا تترك جزء من معطياتك مكشوفة صالحة للطعن بالشرعية، عرضة لتوجيه الأتهام ..
سنشرح ونضع مؤشرات لتصور ابعاد الموضوع .....
1. الأمريكان، قدموا إشارات عديدة للروس أننا سوف لن نتحرك عسكرياً، بل سنسخط ..! إن هاجمتم أوكرانيا، وسيكون لنا رد فعلما ..ويفضل الأمريكان أن يكون الهجوم الروسي كبيراً، لتكون ورطة الروس بقدرها أو أكبر.
2. لذلك يرسل الأمريكان، ودفعت حلفاءها أن يفعلوا مثلها بأن يرسلوا، أسلحة لتقوية الدفاع الأوكرانية بوجه الجيش الروسي وإعاقة تقدمه، وإلحاق أكبر قد ممكن من الخسائر، وجعل أوكرانيا مستنقع تغرق فيه القوات السوفيتية، وتكبيد الروس أكب قدر من الخسائر السياسية والاقتصادية والبشرية، وإظهارهم بمظهر المتوحشين الهمج.
3. إذا ما احتلت روسيا أوكرانيا، فستظهر روسيا بمظهر المعتدية، وقرارات إدانة دولية سوف لن تكون مهمة بوجود الفيتو الروسي والصيني، ولكن ستشغل أميركا ماكنها السياسية والإعلامية العملاقة لإدانة روسيا إنسانيا وأخلاقياً وتستثمر حجم الخسائر البشرية في الدعاية.
4. الروس يدركون بدقة تامة الخطط الأمريكية وتفاصيل الوقف وحواشيه ..!، لذلك سيعملون على الحفاظ في موقف الدفاع عن مصالحهم المشروعة (الأمن للجميع لكم ولنا ..) الحفاظ على المصالح مع أقصى قدر من ضبط النفس.
5. الأوربيون بدورهم يعرفون هذا السيناريو جيداً، وكل همهم الحالي، أن لا تسوقوهم الظروف والأحداث والتصعيد المحتمل (وإن كان ضعيفا) لمواجهة عسكرية مع الروس، لذلك مبادراتهم تفتقد إلى القدرة على التسويق، وغير مقبول ولا يقبضها الروس ولا الأميركان.
6. الأمريكان يعتقدون أن الروس إذا اجتاحوا أوكرانيا فهذا ممتاز، وسيمثل مستقنع يصعب الخروج منه بسلام، وإذا تراجعوا عن موقفهم وهذا ممتاز أيضاً إذ سيمثل للعالم انصياعاً للضغوط الأمريكية، خياران مهينان كلاهما جميل ومرحب به من الأمريكان، ومكسب لها في السجال الاستراتيجي. المصالح الأوكرانية آخر فقرة في سلسلة الأهمية.
7. الروس بدورهم لا يعوزهم الدهاء، فهم يدركون بالضبط قدراتهم وقدرات خصمهم، وسيحفرون في أعماق فكرهم السياسي بحثاً عن مسرب سيحير خصومهم، يربحون من خلاله، ويخسر المعسكر الأمريكي ماء وجهه، دون أن يستطيع فعل عمل حاسم.
8. الشعب الأوكراني، بنسبة غير بسيطة معبأ خلف الدعاية الأمريكية، ولكنهم سيلاحظون أن طموحهم بلأنظمام للناتو هو نقطة القتل لهم، وستتحول بلادهم إلى ساحة صراعات سياسية وعسكرية لأمد غير معروف، والأزمات الاقتصادية التي يمر بها الشعب الأوكراني لم يفكر بها الأمريكان والغرب، فجل اهتمامهم يتركز على إحراج الروس وحصارهم وهم من سيدفع هذا الثمن الباهض جداً مقابل لا شيئ .
9. بالطبع الروس لديهم خبرة في مواجهة الخبائث الأمريكية منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى/ 1917، وكقوة عالمية عاصروا كافة المناورات السياسية كمشاركين أو كمراقبين، لذلك سوف لن يطول الأمر حتى يتفتق العقل الروسي عن خطة، ستقلب الطاولة على الأمريكان.
10. الاحتمالات الواردة هي :
آ . تطوير شكل وجوهر الكيانين الروسيين في الأقاليم الروسية ضمن أوكرانيا .
ب. تحويل مسار الصراع، بين روس أوكرانيين، وأوكرانيين النظام.
ج. إحداث اضطرابات داخلية في أوكرانيا تعيق الحياة السياسية للنظام الموالي لأمريكا.
11. بتقديري أن الوضع السياسي والعلاقات الدولية ستتأثر بدرجة كبيرة في أعقاب هذه المواجهة، وأن الولايات المتحدة سوف لن تخرج أقوى مما كانت عليه قبل أزمة أوكرانيا، وهذه لن توقف تدهور أوضاعها الداخلية والخارجية.
12. العالم يريد السلام، والتعايش السلمي، والحروب صارت مكلفة لضحاياها وحتى لمن يشعلها، والمكاسب منها مزعومة ... ثمة مجازفة في طريقة إدارة الولايات المتحدة للأزمة أوكرانيا، فالعالم يرفض سياسة الولايات المتحدة ونبذ سياسة المناورات على حافة الهاوية ...
ختاماً، أوكرانيا بيئة صالحة لبذر بذور التوتر، وخلق نافذة تهب منها ما يوجع رأس الروس الذين يدركون بالطبع ما تريده أمريكا ولهم خططهم المضادة، الأمريكان لا يربحون معاركهم على المدى الطويل ..