أفق الوداع (الطفولة الفلسطينية المبادة)
أسيل تلاحمة
ضاعت ملامح الصبر في أفق الوداع، وانولدت حقيقة جديدة تلتمس العذر من كبرياء الطفولة، طفولة في فلسطين تنولد وتنولد معها المعاناة وتتبناها الرجولة، يولدون من أرحام أمهاتهم رجال، حتى في بكائهم عصيان للواقع وتمرد عليه....
فأطفال فلسطين شهدوا تمزيق طفولتهم وصنعوا من أشلاءها الرجولة، رجولة وضعت كف الصغير منهم في فوهة المدفع، وأوقفت الصغير منهم ليسقط السلاح، ليأتي عدوهم بأبشع خوف ودناءة لتطيح بهم أرضاً ليسطروا أسمى أنواع التضحية، وأروع بطولة في وجه سفاح، سفاح ما خضعت له كرامة وما انحنى له كبرياء...
لن أستطيع رسم لوحة ذات طابع مماثل لما يحمله الطفل الفلسطيني في داخله، فهو الذي ولد على صوت الرصاص أو حتى على حاجز ومنذ أيامه الأولى هو الذي يشاهد السلاح مشهور في وجهه، وهو الذي يشاهد أصابع الاتهام تلتف حول مصيره ومصير من هو أكبر منه....
وفي ضوء عجلة القدر على براءته حتى نراه في غزة يدفن بلا كفن، تحت مسميات وعناوين صاغها المحتل ونسجها بسنارة من النار أشعلها الجبن والكذب والافتراء
فأمام عيون العالم أجمع تشيع حقوق الطفولة على نعش من دموية اضطهاد ومن صمت عالمي لا يعرف معنى الرحمة، فماذا تريد حقوق الإنسان حتى تسمع؟. وماذا يريد العالم حتى يدمع؟.
ماذا يريد لكي يرى منهجية الحياة تضيع على أيدي مكرة مثلوا المشاهد وأخرجوها حتى في الكواليس؟.
ألا يكفيهم أب دفن فلذات أكباده، وأوصى التراب بأن يحضنهم بسلام بعد ما غدرت بهم الدنيا وغدرت بطفولتهم...؟!
ألا تكفيه أم من شدة آلامها أصبحت ذكريات أطفالها تحتضر في روضات النعيم...؟!
فالطفل الفلسطيني أصبحت في داخله تحيى فكرة من هو أكبر منه (الموت من أجل الحياة) فإلى متى ستبقى حقوق هذا الطفل في زاوية التهميش؟ وإلى متى ستبقى احتياجاته موضع أساسي متجاهل؟ فهو يحرم من اكبر حقوقه ألا وهو حقه في الحياة ومواكبة تطلعاته كباقي أطفال العالم، في ظل توفير احتياجاته ومطالبه على الصعيد التعليمي والصحي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي...
أيعقل أن يغرم المرء في الدول الأوروبية على إيذاء حيوان، ولا يدان من سياسته تقوم على سفك الدماء وقتل الأطفال... ولا نرى في النهاية إلا توعدات كاذبة وألقاب إجرام الحرب وقضايا ترفع في محكمة لاهاي التي أصبحت محكمة من دون عقاب وما أنصفت حق رضيع حتى الآن....
وما زالت التساؤلات تدور حول وتيرة واحدة أين هي مبدئية الحياة في ظل سيادة ديمقراطية فارغة من القيم الإنسانية ومتجردة أخلاقياً؟