قصف أربيل: العراق يتراجع عن تقديم شكوى ضد إيران
العربي الجديد:بعد مرور أكثر من عشرين يوماً على القصف الصاروخي الإيراني لمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، كشف مسؤولان عراقيان لـ"العربي الجديد"، عن إلغاء حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، مشروعاً لتقديم شكوى للأمم المتحدة بشأن القصف الذي تبناه الحرس الثوري الإيراني وقال إنه "استهدف مركزاً للموساد"، مؤكدا عدم رد إيران على طلبات توضيح عراقية متكررة بشأن الاعتداء.
وكان الحرس الثوري الإيراني قد تبنى رسمياً قصف أربيل فجر يوم 13 مارس/آذار الماضي، مؤكداً في بيان له، أنه استهدف "مركزاً استراتيجياً للمؤامرة والشر للصهاينة بصواريخ قوية ودقيقة"، معتبراً أن القصف جاء رداً على "الجرائم الأخيرة للكيان الصهيوني".
ضغوط على الحكومة العراقية وراء إلغاء رفع شكوى ضد إيران
وقال مسؤول في وزارة الخارجية العراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن بلاده قررت عدم تدويل قضية القصف الإيراني على أربيل، مؤكداً في الوقت ذاته أن العراق لم يتلق أي رد من إيران على جملة أسئلة وتوضيحات رسمية تقدمت بها بغداد في 14 و17 مارس الماضي بشأن القصف، وطالبت فيها بتسليمها أدلة تدعم رواية الحرس الثوري بأن المكان كان مقراً للموساد الإسرائيلي.
وأضاف المسؤول ذاته، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "إلغاء فكرة التوجه برفع شكوى إلى الأمم المتحدة، أو على مستوى مذكرات للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، جاء بسبب ضغوط غير خافية على الحكومة"، وفقاً لتعبيره.
وشدد على أن "التحقيقات انتهت فعلياً؛ سواء في اللجنة البرلمانية أو الحكومية، وكانت متطابقة للإثنين وهي عدم صحة المزاعم التي ساقتها إيران عقب الهجوم على أربيل".
وكان العراق تقدم بطلب رسمي للجانب الإيراني لتقديم ما يثبت صحة مزاعم وجود مقرات لـ"الموساد" في أربيل، بعد استدعاء وزارة الخارجية في بغداد السفير الإيراني إيرج مسجدي، وتسليمه مذكرة احتجاج. لكن على الرغم من مرور أكثر من عشرين يوماً، لم يقدّم الإيرانيون أي معطيات تدعم رواية قصف مقر لـ"الموساد".
وشكل العراق لجنتي تحقيق، حكومية وبرلمانية، للتحقيق في القصف. وتألفت لجنة تقصي الحقائق المشكلة من قبل البرلمان العراقي، من النائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي، والنائب الثاني شاخون عبد الله، وعضوية كل من عطوان العطواني، وعباس الزاملي، وهريم كمال آغا، ونايف الشمري.
وهؤلاء أعضاء في البرلمان عن كتل برلمانية مختلفة، بينها "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى شيعية موالية لطهران، والذي ما زال يُصر على تبني الرواية الإيرانية بأن القصف استهدف مقراً إسرائيلياً في أربيل.
أما لجنة التحقيق الحكومية، فتألفت من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي رئيساً لها، وعضوية رئيس أركان الجيش، الفريق الركن عبد الأمير يار الله، ورئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري، وعدد من الضباط والمسؤولين الأمنيين والعسكريين.
بدوره، أكد مسؤول آخر في مستشارية الأمن القومي العراقية، التي تولت رئاسة لجنة تقصي الحقائق الحكومية، تلك المعلومات. وقال في جواب مقتضب لـ"العربي الجديد"، إن "تدويل الملف في هذا الوقت قد يؤدي لتدخل أطراف أخرى تريد استغلاله كورقة ضد إيران. نفضل الحوار مع الإيرانيين لوجود علاقة مميزة ومباشرة معهم".
ورداً على سؤال هل ألغى العراق خطوة تقديم شكوى للأمم المتحدة بشأن القصف، قال "لم يكن هناك قرار أساساً للشكوى، حتى يتم إلغاؤه".
التحقيقات تناقض ادعاءات إيران بشأن قصف أربيل
هذه المعلومات أكدها كذلك القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في الإقليم، عماد باجلان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، قال فيه إن الحكومة العراقية "لن تقيم أي شكوى ضد إيران بسبب الضغوط التي تتعرض لها".
وأوضح أن "الحكومة في بغداد توصلت من خلال التحقيقات إلى قناعة بأن ما تم قصفه في أربيل من قبل الحرس الثوري الإيراني هو منزل مدني، وعلى الرغم من ذلك لن تقيم أي شكوى دولية ضد إيران، بسبب وجود ضغوط عليها من قبل جهات سياسية ومسلحة موالية لطهران، ترفض تحرك بغداد بهذا الصدد".
وتابع "لهذا الحكومة ألغت الفكرة، بعدما كانت فعلاً تفكر في اتخاذها، خصوصاً مع وجود تأييد سياسي وشعبي كبير لهكذا خطوات"، معتبراً أن "عدم تحرك بغداد بشكل رسمي لإدانة هذا العمل، سيفتح باب الانتهاكات الدولية على العراق من قبل إيران وغيرها".
في المقابل، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "سبب إلغاء الحكومة خطوة تدويل قضية القصف والشكوى بحق إيران، جاء لوجود أدلة تؤكد أن ما تم قصفه هو مقر للموساد كان منطلقاً لتنفيذ هجمات ضد إيران في الماضي القريب".
واعتبر أن "العراق لا يمكنه تقديم هكذا شكوى دولية ضد إيران، لوجود علاقات استراتيجية بين البلدين على مختلف الأصعدة، فضلاً عن أن الخطوة ستؤثر على العلاقات بين البلدين، خصوصاً مع وجود اتفاقيات في مختلف المجالات بينهما. ولهذا، الحكومة تدرك خطورة هذا الأمر وتدرك جيداً أن الإقليم سمح بأن يكون العراق منطلقاً للاعتداء على دول الجوار".
ونفى الهلالي وجود ضغوط إيرانية على العراق لمنعه من تدويل القضية، قائلاً إن "الضغوط السياسية على الحكومة كانت من أجل دفع بغداد لتقديم شكاوى ضد إيران وليس العكس، والحكومة حتى هذه اللحظة تعمل وفق الأطر الدبلوماسية لحسم هذا الملف".
في السياق ذاته، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ" العراقية، أثيل النجيفي، إن "النفوذ الإيراني المهيمن على المشهد العراقي، يمنع أي تحرك ضد طهران، حالياً ولاحقاً".
تأثيرات الخلافات السياسية العراقية والنفوذ الإيراني
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "نعتقد أن قصف الحرس الثوري على أربيل جاء بهدف الضغط على إقليم كردستان، كما نعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الضغوط من قبل طهران، لأهداف سياسية وغيرها".
وأشار إلى أن "الخلافات السياسية الكبيرة والانقسام الحاصل في الساحة العراقية، هو ضمن الأسباب التي تمنع الحكومة من أيّ تحرك نحو تقديم شكاوى لدى المجتمع الدولي لا سيما ضد إيران".
وأضاف أن "هكذا خطوات تحتاج لدعم وتأييد سياسي. ومع النفوذ الإيراني المتغلغل، صعب جداً إقدام بغداد على هكذا خطوة. ولهذا، فكرة تقديم شكوى على المستوى الدولي ولدت ميتة".
من جانبه، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الشريفي، إن "المعطيات المتوفرة تؤكد عدول الحكومة عن أي تدويل للقصف الإيراني حتى على مستوى منظمة التعاون الإسلامي أو الجامعة العربية".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إلغاء تحريك بغداد شكوى رسمية دولية ضد إيران، له أسبابه المعروفة، وهي ضغوط سياسية كبيرة مُورست على الحكومة لمنعها من هكذا خطوة. كما أن الأزمة السياسية الحالية أثّرت على حسم هذا الملف، فهكذا تحرك يحتاج إلى استقرار سياسي لا انسداد، وتقاطع بين القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة على الحكومة والبرلمان".
وتابع الشريفي أن "إيران ليست لديها أي أدلة تؤكد أن ما تم قصفه هو مقر للموساد الإسرائيلي، كما أنها لم ترد على طلب بغداد توضيحات".
واعتبر أن "عدم تدويل القصف سيدفع الحرس الثوري ودولا أخرى لتنفيذ المزيد من الأعمال التي تنتهك سيادة العراق، وكان يفترض على بغداد تقديم هكذا شكوى لردع إيران عن أي خطوات في المستقبل، حتى لو مورست عليها ضغوط وتهديدات من قبل أطراف سياسية أو مسلحة".