البشر ينقرضون بعد النحل بـ ٤ سنوات!!
في عام 2019، وخلال احتفالها باليوم العالمي للنحل، أكدت "فاو" أن التراجع في أعداد النحل يشكل تهديداً خطيراً لمجموعة واسعة من النباتات الحيوية لرفاه الإنسان (رويترز)
قال عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين ذات مرة، "بعد انقراض النحل قد يبقى الإنسان أربع سنوات إضافية"، ولكن قوله هذا لم يُؤخذ على محمل الجد كما أُخذت نظرياته العلمية التي جعلت منه أحد أعظم العباقرة، إلى أن جاء عام 2016، وبدأ العالم يفهم مقولة أينشتاين تلك، فعالم الفيزياء يعرف السلسلة البيئية المترابطة، ويمكنه رؤيتها بطريقة لا يمكن للبشر الآخرين أن يروها. فخلال دراسة ميدانية قامت بها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، قارن فيها العلماء إنتاجية 344 رقعة زراعية في مختلف أنحاء أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ليخلصوا إلى أن المحاصيل الزراعية جاءت أقل على نحو ملحوظ في المزارع التي تجذب أعداداً أقل من النحل خلال موسم الإزهار الرئيس مقارنة بتلك التي يتوافد عليها النحل بمعدلات أعلى.
النحل والبشر في علاقة متضامنة
وأعاد التوصل إلى هذه النتائج اعترافاً للنحل بقيمة وأهمية لم تكن لها قبل ذلك إلا بكونها منتجة للعسل السائل الذهبي السكري الذي يحبه جميع البشر حول العالم، ولكن دراسة "فاو" بيّنت أهمية النحل عبر التاريخ على إنتاج الغذاء على الكوكب الأزرق، وبدأ العلماء بتحديد أهمية النحل البري في التلقيح وهو لا ينتج العسل كأقاربه من نحل العسل، ثم تلت الدراسات واحدة تلو الأخرى حول النحل، لتصل إلى نتائج غريبة، وقد أثارت الاستهجان على مستوى العالم، ذلك أن مصير وجود الجنس البشري مرتبط بوجود النحل، والمشكلة الكبرى أن هؤلاء العلماء اكتشفوا أن أعداد النحل في العالم تتناقص بشكل كبير وسريع من دون أن يكون السبب واضحاً حتى الآن، ورصدوا انقراض أنواع من النحل واقتراب بعض منها من الانقراض.
وكان صدور تقرير "فاو" قبل ثماني سنوات فقط بمثابة المنبه لأهمية النحل ومدى ما تستفيد منه المحاصيل الزراعية من نشاط الملقحات الطبيعية، والتي تمضي بتخصيب النباتات عرضياً بمجرد أن تنتقل من زهرة إلى أخرى. ويؤكد التقرير الذي صدر في مجلة "ساينس" (Science) أنه "من الممكن أن يصبح للنحل دور رئيس في تحسين إنتاج ما لا يقل عن ملياري نسمة من صغار المزارعين في مختلف أنحاء الكوكب وتدعيم الأمن الغذائي في ظل التزايد المطرد لسكانه".
ويرى عدد من العلماء أن الحل يكون بتربية سلالات مختلفة من النحل في المنطقة نفسها بما لها من قدرات طيران متفاوتة، كي تتمكن من الوصول إلى أكبر من المساحات لتلقيحها، لأن هناك سلالات من النحل تواجه صعوبة في تغطية الحقول الكبيرة بسبب الابتعاد عن موائلها الطبيعية.
هل ينقرض النحل؟
وبرأي الخبيرة نادين عزو، المنسقة العالمية لمشروعات الأمم المتحدة للإنتاج النباتي وحماية النبات، فإن "النحل سيعاني لا محالة من ارتفاع درجات الحرارة، والزهور في بعض أجزاء العالم ستتفتح بفعل تغير المناخ في أوقات مختلفة عن العادة، وعليه، فلن يتوافد عليها النحل لإتمام اللقاح". ولتأكيد مدى تأثير تغير المناخ على النحل بالتالي على البشر، يمكن أن نأخذ النحلة الطنانة، مثالاً، إذ يعتمد محصول البندورة أو الطماطم بشدة على تلقيح "الطنانة" للإثمار فهو يلتصق بالزهرة ويهزها بعنف، ما يطلق حبوب اللقاح منها، واختفاء هذا النوع من النحل، سواء بسبب تغير الطقس أو الجفاف أو المبيدات الحشرية أو تزايد أعداد الحشرات التي تتغذى على هذا النحل بسبب تغيرات في النظام الإيكولوجي، فمهما كان السبب، فإنه سيؤثر بالتأكيد على غذاء البشر وعلى وجود نبتة الطماطم نفسها، والتي قد تنقرض بدورها بسبب عدم التلقيح، وهذا الترابط بين النحل والنبات والإنسان لا يقتصر على الطماطم، بل يمتد إلى 73 في المئة من غذاء الإنسان الذي يحتاج إلى مختلف أنواع الملقحات، وعلى رأسها النحل كي تكتمل دورة نموه.
بالطبع، كل الحضارات تعرف أهمية عسل النحل للشفاء من أمراض كثيرة، وفائدته للجسم والروح، وقد مر ذكر النحل في كل الأديان والثقافات، وللمعلومات الحديثة حول مدى التصاقه بالسلسلة الغذائية البشرية، وكذلك ببقاء عدد كبير من النباتات ومنعها من الانقراض، قررت الأمم المتحدة أن تجعل للنحل يوماً عالمياً في 20 مايو (أيار) من كل عام، وقد جاء في المقطع التعريفي لهذا اليوم العالمي أن النحل أكثر الكائنات تفانياً في العمل على وجه الأرض، وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتؤثر الملقحات مثل النحل والطيور والخفافيش على 35 في المئة من الإنتاج العالمي للمحاصيل، ما يزيد غلال 87 من المحاصيل الغذائية الرئيسة في مختلف أنحاء العالم.
أسباب كثيرة وخطيرة
منذ عام 2006، ظهر مصطلح في عالم نحل العسل، وهو مرض اعتلال خلايا النحل، المعروف علمياً باسم "Colony Collapse Disorder"، وكانت بداية ظهوره في خلايا النحل بأميركا الشمالية، وإن كانت هناك بعض التسجيلات للظاهرة ذاتها في أوروبا منذ عام 1998، وتعرف تلك الحالة باختفاء خلايا النحل، إذ يختفي معظم الشغالات في الخلية، تاركةً وراءها الملكة مع عدد صغير جداً من الشغالات والغذاء المجمع، وحتى الآن لا يوجد سبب محدد لهذه الظاهرة، ولو أن الرأي الأعم يقول إن السبب هو استخدام بعض أنواع المبيدات الحشرية، وعلى رأسها "النيونيكوتينويد"، التي جرى حظرها في أوروبا بسبب تأثيرها على نحل العسل والنحل البري.
وهناك سبب آخر محتمل، وهو حشرة من نوع العثّ تسمى "الفاروا"، يتطفل على يرقات نحل العسل، ويضعفها، وقد يؤدي دوراً في تغير سلوكها، ويعد القاتل الأساس لنحل العسل في العالم اليوم، ويقال إن السبب هو المحاصيل المعدلة وراثياً، فالرحيق المعدل قد يؤثر سلباً على سلوك الشغالات، ما قد يمنعها بطريقة ما من العودة إلى خلاياها، وأيضاً ظاهرة الاحترار العالمي أو ما يعرف بتأثير "الصوب الزراعية"، وتشير إليه بعض أصابع الاتهام كمسبب لظاهرة اختفاء النحل، لما لدرجة الحرارة والرطوبة من تأثير واضح على تلك الحشرات.
وفي عام 2019، وخلال احتفالها باليوم العالمي للنحل، أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، أن التراجع العالمي في أعداد النحل يشكل تهديداً خطيراً لمجموعة واسعة من النباتات الحيوية لرفاه الإنسان وسبل عيشه. وفي حال استمرار هذا الانخفاض، فسيتم استبدال المحاصيل الغذائية مثل الفواكه والمكسرات وعديد من الخضراوات بشكل متزايد بالمحاصيل الأساسية مثل الأرز والذرة والبطاطس، ما يؤدي في النهاية إلى اتباع نظام غذائي غير متوازن.
لكن، ما هي احتمالات انقراض النحل فعلياً؟ الإجابة المتبعة في المجتمع العلمي الزراعي هي أن نحل العسل غير مهدد بالانقراض لأن الإنسان يقوم بتربيته وإكثاره والحفاظ عليه في مختلف مناطق العالم، لكن النحل البري اليوم بمختلف أنواعه يواجه عديد من التحديات، وبعض الأنواع البرية من النحل على القائمة الحمراء للأنواع المهددة والمعرضة لخطر الانقراض نتيجة لتدمير موائلها والتوسع العمراني والزراعي واحترار المناخ.