العراق دولة بلا شعب وشعب بلا دولة
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
العراق دولة بلا شعب وشعب بلا دولة
في اتفاقية 1933 بشأن حقوق وواجبات الدول عُرِّفَتْ الدولة بأنها( مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى المقومات الثلاث اللازمة لقيام الدول :الأرض، الشعب، السلطة).اما تعريف الدولة المدنية فهي دولة ديمقراطية تسمو بها الارادة الشعبية لتكون المحدد في اختيار من يجكم ومن يقرر ومن يشرع ومن يحاسب لذلك فهي تنحني لارادة الاغلبية وتحترم حقوق الاقلية وتنظم التداول السلمي على السلطة وتقيم قطيعة مع كل مفردات التلسط والقطيعة لذلك اهم مقومات الدولة المدنية:
1ـ الشرعية الدستورية والسياسية …
2ـ السلطة العليا للشعب …
3ـ السيادة للقانون …
أما في مفهوم السيادة فيجب أن نميز بين السيادة بمعاناها القانوني وبين السيادة بمعناها السياسي،فالسيادة بالمعنى القانوني، تعني ذلك الشخص الذي يخوله القانون، أو الهيئة التي يخولها القانون سلطة ممارسة السيادة أي سلطة إصدار الأوامر النهائية التي لا معقب عليها ولا راد لها. أما المعنى السياسي للسيادة فهي شرعية السلطة التي تمارس السيادة باسم الدولة ولحسابها. أي ان السيادة بالمعنى السياسي، هي ملك للشعب الذي يختار بإرادته الحرة، من خلال صناديق الاقتراع النزيه حكامه الذين يمارسون السلطة، أي مظاهر السيادة، نيابة عنه.
تقرير امريكي خطير
في 12 من نيسان الجاري قدمت وزارة الخارجية الامريكية تقرير مهم جدا عن ارتكاب جرائم ضد حقوق الانسان في العراق لعام ٢٠٢١، وجاء فيه اتهامات واضحة للحكومة والسلطات الامنية ،هذا التقرير الخطير تم تقديمه للكونغرس ،يجب على السلطات العراقية اخذ هذا التقرير بمحمل الجد، تضمن التقرير القضايا الهامة المتعلقة بحقوق الإنسان تقارير موثوقة عن القتل غير القانوني أو التعسفي ، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء على يد الحكومة،حالات الاختفاء القسري من قبل الحكومة ،التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة من قبل الحكومة ،ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة،الاعتقال والاحتجاز التعسفي ،التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية ،معاقبة أفراد الأسرة على الجرائم التي يُزعم أن الفرد ارتكبها ،التجنيد أو الاستخدام غير القانوني للأطفال كجنود من قبل قوات الحشد الشعبي ،قيود خطيرة على حرية التعبير ووسائل الإعلام ، بما في ذلك العنف أو التهديد بالعنف ضد الصحفيين ، والاعتقالات غير المبررة والمحاكمات ضد الصحفيين ، والرقابة ، ووجود قوانين تشهير جنائية ،قيود خطيرة على حرية الإنترنت ؛ التدخل الجوهري في حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات ،القيود على حرية حركة المرأة ،الإعادة القسرية للمشردين داخليا إلى مواقع واجهوا فيها تهديدات على حياتهم وحريتهم،التهديدات بالعنف ضد الأشخاص النازحين داخليًا والعائدين الذين يُعتقد أنهم ينتمون إلى داعش ،فساد حكومي خطير،الافتقار إلى التحقيق والمساءلة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي ؛ الجرائم التي تنطوي على أعمال عنف تستهدف أفراد الأقليات العرقية ،قيود كبيرة على حرية العمال في تكوين الجمعيات؛ ووجود أسوأ أشكال عمل الأطفال.،كما جاء في التقرير اتخذت الحكومة ، بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء ، بعض الخطوات لتحديد المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان أو التصريح بذلك ، والتحقيق معهم ومقاضاتهم ، ولكن نادرًا ما تعاقبهم"لا شك ان مسألة حقوق الانسان هي من اهم القضايا التي تثير الرأي العام، والحذر واجب.
سفيرة امريكية جديدة
الملفت مع صدور هذا التقريران الادارة الامريكية عينت سفيرة جديدة لها بالعراق وهي الينا رومانوفيسكي، التي وصلت بغداد وهي ضابط مخابرات خريجة جامعة تل ابيب عملت ثلاث سنوات سفيرة امريكا في الجزائر وهي سفيرة اميركا الحالية في الكويت،السفيرة رومانوفيسكي تتقن بالأضافة الى الأنكليزية اللغات العربية والفرنسية والعبرية..من خلال الأطار العام لسيرتها ومسيرتها المهنية، يبدو واضحًا أن مهمة الينا رومانوفيسكي ستكون استثنائية ومتشعبة في العراق، فمن جانب،ستعمل على تكييف الظروف والمواقف مع القبول بفكرة تغيير مهام القوات الأميركية من قتالية الى استشارية وتدريبية.تفريغ مطلب الانسحاب الكامل من مضمونه وجوهره،تعمل على تسويق التطبيع مع الكيان الصهيوني، عبر بوابات وقنوات سياسية وقنوات اخرى .سيكون مطلوبا منها العمل الدؤوب على تفكيك محورما يسمى المقاومة (المليشيات)، أي بعبارة أخرى تحجيم وتقليص ما يسمى بالنفوذ الإيراني في العراق.
دستورهم ملغوم وغير محترم
لم يعمل القائمين على النظام والماسكين بزمام السلطة في العراق منذ احتلاله بسيادة القانون كما هو منصوص عليه بالدستور الذي مرروه بالتزوير على الشعب بل قاموا بسن القوانيين التي تتناسب مع احزابهم وكذلك شرعنة الفساد بطرق منظمة حتى اصبح عرف بينهم في التعامل وخصوصا في عقود المقاولات وغيرها وترسيخ مبدا المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية وهذا يتنافى مع مبدا سيادة القانون على الجميع مما ادى الى اختيار اشخاص غير كفوئين والتعين في وظائف الدولة على اساس حزبي وعدم الاهتمام بسن القوانيين التي تهم البلد والمواطن كقانون الاحزاب وقانون الخدمة الاتحادية وقانون الرعاية الاجتماعية والكثير من القوانيين …..
كل ذلك ادى الى فجوة بين القائمين على النظام وبين الشعب وبما ان اغلب القائمين على النظام هم من مدعي الاسلام اعتبر البعض انه النظام العراقي دولة دينية وهذا منافي للدستور للعراقي الذي يعتبر مدني اذن المطالبة بدولة مدنية مغالطة بل يجب تغير هذه الطبقة الفاسدة والتي افسدت كل شي من حولها .
ولاؤهم لغير العراق
منذ أكثر من 19 عاماً والعراق يعيش تدهوراً غير مسبوق في كل مجالات الحياة، ومع ذلك، فالقلة القليلة من سياسيي الغرب من أبدى قول صدقٍ بصدد ذلك. ولم يكن أحد منهم يرغب أن يشخِّص المرض أولاً، ويصف الدواء تالياً. إن الداء الذي أبتليت به دول عربية عديدة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، وبدت أعراضه على دولٍ أخرى البحرين والكويت وغيرها، إنما يكمن في الولاء الأجنبي لدولة أخرى، وهو في السابق كان يُعَد جريمة كبرى تمس أمن الدولة في قوانين عقوبات هذه الدول تحت مسمّى (جريمة الخيانة والتعامل مع دولة أجنبية)، ولكن بعد عام 2003، أصبحت هذه الجريمة مصدر فخر ومباهاة للكثيرين فيها، فإختل التوازن في ميزان الحياة، وفقد النظام فيها، وضاع الصراط المستقيم. وكانت إيران في مقدمة الدول التي يقدم لها هذا الولاء، ولحد الان لم ينتبه العالم إلى خطورة السكوت على الاخطاء التي ترتكب بالعراق واليمن ولبنان وسوريا وغيرها(على خلاف موقف الغرب مما يحدث في اوكرانيا)، حيث مجاملتهم على حساب الحق، ومداهنة الباطل، والقبول بالفساد ونتائجه الخطيرة.
ففي زيارته بتاريخ 6 آب 2021، تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون لممثل حزب الله محمد عيد أريد العمل معكم لتغيير لبنان، لكن أثبتوا أنكم لبنانيون، فكلنا يعلم إن لكم أجندة إيرانية. نعرف تاريخكم جيداً، ونعرف هويتكم الخاصة، ولكن هل أنتم لبنانيون، نعم أم لا؟ هل أنت لبناني أم إيراني؟ أجبني بنعم أو لا؟ أنا اعرف تاريخك المهني وسيرتك الذاتية كاملة، فارجعوا من سوريا واليمن، ولتكن مهمتكم هنا لبناء الدولة، لأن الدولة الجديدة ستكون لصالح أبنائكم، فاعملوا لمستقبل أطفالكم.
ماذكرته المس بيل عن امثال العملاء
رغم ان لبريطانيا تاريخ اسود في العراق الا اننا نشير هنا الى تقييم البريطانيين للعملاء ومن ذلك ما قالته المس بيل السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق لعدد من (الشيعة) عام ١٩٢٠، أي قبل قرن كامل بالضبط، عندما أرادوا مناصب في الدولة العراقية، فقالت: هل أنتم عراقيين أم إيرانيين؟ فأجابوها: نحن من رعايا إيران. وفي رسالتها بتاريخ 2 تشرين الثاني 1920 تقول بيل “فالشيعة يشكون من إنهم غير ممثلين تمثيلاً كافياً في المجلس (التأسيسي) وهم بهذا يتغاضون بالكليّة عن إن قادتهم كلهم تقريباً رعايا إيرانيون، وعليهم أن يغيروا جنسيتهم قبل أن يتبؤوا المناصب في الدولة العراقية. إنهم أصعب العناصر إنقياداً في البلاد، وهم كلهم متذمرون مستاؤون تقريباً، ولا يبالون بالمصلحة العامة بالمرة.”وفي رسالة ثالثة بتاريخ 7 تشرين الثاني 1920، كتبت تقول: “والشيعة، كما بيّنت في مناسبات عديدة من قبل، يكوّنون مشكلة من أعظم المشاكل … إن رجالهم المتقدمين في المجتمع من العلماء وأسرهم كلهم من رعايا إيران. وقد وجدت إن أحسن حجّة أتذرع بها، عندما يأتي إليّ بعض الناس شاكين من إن فلاناً أو فلاناً لم يدخل أسمه في قائمة الوزراء، هي أن أسألهم قائلة “أفندم. هل يمكنني أن أسأل عما إذا كان المؤما إليه من رعايا الدولة العراقية أم لا”، فيكون الجواب “أفندم، كلا إنه من رعايا إيران” وعند ذاك أذكر لهم إنه في هذه الحالة لا يمكنه أن يشغل منصباً في الحكومة العراقية”،وقد إختصرت المس بيل رأيها في في من ولائه لغير العراق قائلة: “ويجب أن أعتبر سيطرة الشيعة كارثة لا يمكن تصورها”. فهل صدقت نبوءتها بعد أكثر من 80 عاماً؟ إن نظرة واحدة إلى عراق اليوم تبين ذلك بجلاء.
نظام غير عراقي
من يعتقد من النظام وكياناته السياسية ، إنه يمثل الشعب فهذا ابتعاد عن الحقيقة ، ومن يتصور من هؤلاء إنهم في خدمة العراق وشعبه ، فأنهم يسبحون في بركة مياه ، بعيدا عن نهري دجلة والفرات ، ثبت باليقين ، بأن هؤلاء ليسوا سوى مجموعات جاءت بهم الصدف وصناديق التزييف والرشاوي والتخويف الى سدة الحكم . فمن يريد الحكم المؤيد من الشعب ، فهذا الشعب في ساحة التحرير وفي كل الشوارع والساحات العراقية ،لايوجد بينهم من الحكام ومسؤولي الكيانات والاحزاب الحاكمة ، وهذا مايثبت بأن النظام وجماعاته في وادي ، والشعب كل الشعب في الجبهة الاخرى ، لذلك عندما نقول بأن النظام بلا شعب لانجافي الحقيقة ، حيث ظل هذا النظام ، طيلة ( 19) عاماً ، بعيدا عن الناس عن مشاكلهم عن هواجسهم عن احاسيسهم عن رغباتهم عن حياتهم اليومية ، فكانت ثورة الشعب في تشرين 2019، وكان الصوت الجمعي لكل الناس يطالب بتغيير النظام والخلاص من الكيانات السياسية الحاكمة ، وباجراءات جذرية في الدستور، وبتغيير نظام الانتخابات ، واعطاء حق الشباب في المشاركة الفعلية بادارة وقيادة الدولة . لقد اثبتت الوقائع بان السلطة ومجلس نوابها ، تراهن على سياسة إتعاب الناس وتراجعهم عن مشروعهم التغييري ، وإلا كيف يمكن تفسير هذا التلاعب بالفاظ الخطابات التي تبتعد عن مطالب الجماهير ، مجرد وعود تخديرية سبقها الكثير من تلك الوعود ، وكذلك غياب مجلس النواب عن الدفاع عن الشعب وحقوقه الدستورية.إن سلوك السلطة باستخدام القوة المفرطة ضد الجماهير المسالمة ، هو تعبير اكيد عن فشلها وعدم رغبتها بتحقيق المطالب، إن اجتماع فرض ( الأمن والامان ) يعني المزيد من الضحايا لما سبقها من الشهداء والجرحى ، حيث وصلت ارقام الشهداء الىاكثر من الف شهيدا وعشرات الالاف الجرحى والمعتقلين والمغيبين ، وهذا العدد الكبير من الضحايا يوحي بشكل واضح بان السلطة تخوض حربا حقيقية ضد الشعب المسالم المطالب بحقوقه التي كفلها له دستوره المعوق . من الواضح بدأت اطراف تحالفات السلطة ، تخشى من مطالبة الجماهير بتغيير الكثير من بنود الدستور ، من دستور الكيانات والحصص الطائفية والعرقية، الى دستور وطني شامل ، والى عراق لكل العراقيين ، ومدناً لكل الشعب لاتمييز بينهم في اللون والجنس والانتماء، فالاجتماعات التي بدأت تُعقد منذ انتهاء مسخرة الانتخابات الاخيرة ليس لمعالجة الازمة والاستجابة لمطالب الشعب ، وإنما في الدفاع عن الحصص والمكاسب والعرقيات، وهذا مايؤكد بأن هذه الاطراف مايهمها هو مااكتسبته في ظروف استثنائية وجيرته لمصالح الطوائف والعرقيات، واعتبرته اموراً مسلم بها لاتنازل عنها حتى لو ادى ذلك الى القضاء على كل الشعب .
ان الحفاظ على العراق ، والتصدي للتدخلات الاجنبية ، ينحصر تحديدا في الاسراع بتلبية مطالب الجماهير ومحاسبة حيتان الفاسدين بكل الوانهم واسمائهم وعودة الاموال الى الدولة ، إن الذين لم يقتنعواحتى الان بحق الشعب في التغيير ، يتحملون حصرياً كل الضحايا والخسائر التي لحقت بالشعب وبالبلاد ، وهنا تبرز تحديدا مسؤولية القضاء في اتخاذ الاجراءات الحسابية الكفيلة ضد هؤلاء المتسببين بتعطيل الاستجابة لمطالب الشعب والذين تسببوا بمئات الشهداء والجرحى المسالمين .
إنه العراق ، وطن الثوار والتغيير ، إنه العراق محور المنطقة برمتها ، لايمكن بأي حال من الاحوال أن يكون تابعا لأحد ، إنه العراق صانع الاحداث ، والاحداث الكبرى التي يشهدها الان، هي تراكمية لتاريخ عريق صنع الحياة للانسانية بالكلمة والقوانين والحضور .
فإذا ارادت الكيانات السياسية المشتركة في السلطة أن تحفظ ماتبقى لها، عليها أن تستجيب لصوت الشعب ، نريد وطن خال من المحاصصة وطن يبني دولة المواطنة ويحقق مطالب الناس ، التي تصدح في الساحات والشوارع نريد وطن ، يكنس منه كل العملاء، فمنذ الغزو الأمريكي ، أضحى العراق بلد بلا صاحب ، لا يحكمه حكام وساسة وطنيون و رجال دولة حريصون على مصلحة الوطن والشعب ، وقع العراق فريسة بين أنياب ضباع نهمة ــ من مسؤولين و ساسة فاسدين ــ مزقت العراق شر تمزيق بين نهب و خراب وضياع ، وكل واحد حسب جشعه ومزاجه المفتوح بلا ضمير.