لماذا لا يتضامن العرب على الطريقة الأوروبية الأوكرانية؟
منذ 5 ساعات
مثنى عبد الله
حجم الخط
1
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%2F&title=%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7 %D9%84%D8%A7 %D9%8A%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8 %D8%B9%D9%84%D9%89 %D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%D8%9F][/url]
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%2F&title=%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7 %D9%84%D8%A7 %D9%8A%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8 %D8%B9%D9%84%D9%89 %D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%D8%9F][/url]
بعيدا عن التحيز الواضح واللاأخلاقي الذي أفرزه التضامن الأوروبي مع الشعب الأوكراني على حساب رعايا بقية الشعوب والأمم، حيث الاستقبال الرائع والتسهيلات القانونية التي شُرّعت على عجل في الدول المجاورة التي نزح إليها الأوكرانيون، على العكس مما فعلوه مع المهاجرين السوريين والعراقيين والأفغان.
وتجنبا للصورة القاتمة في ازدواجية المعايير التي رأيناها، حيث يضغط الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص على كل دول العالم لعزل روسيا ومعاقبتها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ورياضيا وماليا، بسبب غزوها لأوكرانيا، في حين ضغط الغرب والولايات المتحدة على كل دول العالم، للمشاركة في غزو أفغانستان والعراق وتدمير ليبيا وسوريا ومحو القضية الفلسطينية من الوجود. نقول بعيدا عن كل هذا وذاك، أظهرت لنا الأزمة الاوكرانية نموذجا إيجابيا من التضامن الأوروبي مع الشعب الأوكراني، حري بنا أن نتعلمه ونطبقه حرفيا في ما بيننا نحن العرب.
اليوم يكاد لا يخلو ميدان من الميادين الرئيسية في كل الدول الأوروبية من مركز لتجميع التبرعات العينية للاجئين الأوكرانيين. كما شرعت البنوك الكبيرة بفتح حسابات لجمع التبرعات المادية لهم. ووضعت المتاجر الكبرى والمتوسطة والصغيرة حقلا على تطبيقاتها الإلكترونية لجمع التبرعات من المواطنين الأوروبيين. ورُفع علم أوكرانيا على المدارس والجمعيات والمراكز الرياضية والاجتماعية. واُلصقت الإعلانات على الحافلات العامة والقطارات وشبكات المترو، تدعو الناس إلى المشاركة في مساعدة الشعب الاوكراني. ومنحت حكومات بعض الدول الأوروبية مبالغ مالية أسبوعية لكل عائلة، تستضيف في بيتها فردا أو أكثر من اللاجئين الأوكرانيين. وأُفردت حصص دراسية في بعض المدارس لشرح الغزو الروسي لأوكرانيا. وترى أسرابا من الأطفال تحت سن الدراسة وبداياتها يتجمعون في الحدائق العامة ويسيرون في الشوارع، وهم يرتدون ملابس بألوان العلم الأوكراني، ويحملون بأيديهم بالونات بالألوان نفسها.
كل هذه الفعاليات التضامنية، على الرغم من أنها مثلومة الإنسانية والأخلاق، لأنها مُصممة لنطاق جغرافي محدد هو أوروبا، وتستهدف التضامن مع عنصر بشري واحد هم الأوروبيون، لكنها كصورة عامة وكنموذج تقتضي من الآخرين استعارة إيجابياتها والعمل بها. فعند النظر إلى الأوروبيين كشعوب فهم ليسوا من قومية واحدة وعلى مذاهب دينية متعددة، وأنظمة سياسية مختلفة، وحدود بينية مُختلف عليها. وتاريخ أوروبا يُسجل حروبا كارثية ومآسي إنسانية، حصلت في ما بينهم وبأيديهم وليس من عدو خارجي. وما زالت هناك، حتى اليوم، شحنات سلبية سواء قومية أو طائفية، كما بين الإنكليز والأيرلنديين والصرب والبوسنيين، والألمان والفرنسيين، والإنكليز والفرنسيين وغيرهم. كما توجد نزعات انفصالية بين الأوروبيين أنفسهم، في بعض الأقاليم التابعة لإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. لكن في الوقت نفسه توجد قفزات كبرى في مجالات الاندماج الاقتصادي والثقافي والسياسي، والتعليمي والاجتماعي والعسكري والأمني. هنالك عمل دؤوب حتى بين المختلفين سياسيا على تعزيز الشعور الشعبي بأن أوروبا واحدة، وأن المصير مشترك بين شعوب هذه القارة. وبالتالي يجب أن تكون الأموال الوفيرة لدى دولة ما هي من أجل المجموع الأوروبي، لذلك وجدنا الاقتصاد الألماني ينهض وحده باقتصادات اليونان وإيطاليا إبان الأزمة الاقتصادية العالمية. ووجدنا تسخيرا للاقتصاد الأوروبي بشكل مشترك، من أجل النهوض باقتصادات دول أوروبا الشرقية، التي خرجت من الحقبة السوفييتية. كما أن حرية حركة الأموال والأشخاص والأعمال بين دول الاتحاد الأوروبي، تعطي شحنة إيجابية كبرى للبشر في هذه القارة لتحسين مستوى معيشتهم، وحصولهم على حياة حرة كريمة. وبذلك فإن هذه الحريات تخلق شعورا لكل أوروبي، بأن أوروبا تشكل ومضة معنوية في ذاته وضميره، وهو يتنقل من دولة إلى دولة وكأنه ينتقل من مدينة إلى أخرى في وطنه الأصلي، لكن لماذا على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وهو ليس بعيدا عن أوروبا، الصورة مختلفة؟
- اقتباس :
- جزء ضئيل من التضامن الأوروبي الذي نراه مع أوكرانيا لو كان بيننا، لما تم تدمير أقطار عربية مهمة، ولما أصبح عمر القضية الفلسطينية أكثر من سبعين عاما
نحن أمة واحدة ومن قومية واحدة وغالبيتنا على دين واحد، وتاريخ وثقافة مشتركة، وحتى من نسيج اجتماعي واحد، لكن على أرض الواقع لا تنطبق علينا أية رابطة من هذه الروابط. هذا القول لا يمثل جلدا للذات بقدر ما هو نقل للصورة التي يعيشها كل عربي يوميا. في الأعوام التي مرت بعد الغزو الأمريكي للعراق، كان قطار الموت يتنقل في مدن العراق، خاصة شوارع بغداد وأحياءها وأزقتها ويأخذ معه كل من يصادفه. آنذاك كانت امرأة سبعينية تستقل سيارة أجرة من بغداد إلى دولة عربية مجاورة. كانت طوال الطريق البالغ 8 ساعات تقرأ في كتيب صغير مُختلف الأدعية وكذلك قصار السور، وعندما شعرت بأن الجالس جوارها قد انتبه عليها بادرت للقول، إنها تقرأ الأدعية والقرآن لعل الشقيق العربي ضابط الحدود يسمح لها بالدخول. عند الحدود قال لها الشقيق أنت لن تدخلي بلدنا، لأنني أعرف أنك ستجلسين تبيعين السكائر في شوارعنا ولدينا الكثير منكم. فعادت وعاد معها الذي كان جالسا جنبها، بعد أن سمحوا لزوجته وطفليه بالدخول ولم يسمحوا له. أما عبر الخطوط الجوية فالأمر سيان. كان الذهاب إلى ذلك البلد العربي من بغداد يجب أن يتم عبر الخطوط الجوية، لذلك البلد حصرا. عند الوصول إلى المطار يصطحبون المسافرين العراقيين بالباص إلى ركن منعزل في المطار، ثم يتم إدخالهم إلى قاعة وينادون بأسمائهم الواحد تلو الآخر لمقابلة مجموعة من ضباط المخابرات، فمن يحمل وثائق تؤكد أنه سوف يغادر إلى بلد آخر يتم منحه 72 ساعة فقط، ومن لا يحمل يُحجر في غرفة مع الباقين بانتظار الطائرة العائدة إلى بغداد كي يرجعونه إليها. هذا غيض من فيض من الأمثلة. وهنا يصبح السؤال ذا حدين. أين القومية والدين والتاريخ والمصير والنسيج التي كلها واحد؟ ربما قرأها الجميع في الكتب المدرسية، أو سمعناها من أهلنا، لكننا لم نجد لها أثرا على أرض الواقع، بينما التلاميذ في أوروبا لا يقرأون هذه الروابط التي تربطهم بالآخر في هذه القارة، لكنهم يلمسونها قوانين وتشريعات وتسهيلات على أرض الواقع. وما بين أن تسمع، وأن ترى بون شاسع.
إن جزءا ضئيلا من هذا التضامن الأوروبي الذي نراه مع أوكرانيا لو كان بيننا، لما تم تدمير أقطار عربية مهمة. ولما أصبح عمر القضية الفلسطينية أكثر من سبعين عاما. ولما تجرأت طهران على أن تجعل أربع عواصم عربية حدائق خلفية لها. ولما امتدت خيام النازحين في بلداننا ونحن في القرن الحادي والعشرين، وإذا كان الاقتصاد الألماني قد أنقذ اقتصادات أوروبية، فإن لدينا أقطارا عربية تملك وفرات مالية قادرة على إنقاذ كل العرب من الجوع والتخلف والبطالة. ولأنه ليس لدى العرب مشروع فقد تُرك آلاف الخبراء والعلماء العراقيين فريسة بيد الصهاينة والإيرانيين، حيث قتلوهم وهم في بيوتهم أو في الطرقات، لأنهم لم يجدوا مأوى لهم خارج العراق، في حين كانوا ثروة علمية وخبراتية مهمة وجاهزة في مختلف الاختصاصات، تستطيع الدول العربية الغنية أن تشكل منهم قاعدة علمية وصناعية كبرى على أراضيها.
*كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية