تضاؤل آفاق الحلول في العراق مع تعقّد الأزمة السياسية
رووداو ديجيتال:نفّذ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الأحد تهديده بتقديم نواب كتلته البالغ عددهم 73 نائباً، استقالاتهم من البرلمان العراقي، بعد ثمانية أشهر من مراوحة العملية السياسية مكانها، في خطوة قد تزيد الوضع السياسي "إرباكاً"، إذ يتوقّع محللون أن تشعل الشارع العراقي من جديد.
كيف ستؤثّر خطوة الصدر على مستقبل البرلمان؟
قال رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني عبد الكريم الدغمي في عمان الاثنين إن "عضوية أي نائب من أعضاء مجلس النواب تنتهي بشكل مباشر عند تقديم الاستقالة".
لكن بعض المحللين السياسيين يشيرون إلى أن الأمر يتطلّب تصويتاً برلمانياً.
ويشرح رئيس مركز التفكير السياسي والمحلل السياسي العراقي إحسان الشمري لفرانس برس أنه "إذا ما مضينا مع قانون النظام الداخلي (لمجلس النواب) من عام 2007 مادة رقم 19 بالتالي فإنّ الاستقالات بحاجة لتصويت" في البرلمان.
لكنه يبقى التأثير السياسي لهذه الخطوة هو الأساس.
ويملك الصدر كتلة وازنة في البرلمان، وبالتالي فإنّ استقالتها "ستولّد قناعة لدى أغلب القوى السياسية بأن هذا البرلمان لن يستمر"، كما يرى الشمري.
بعد ثمانية أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة ومبادرات سياسية لا تحصى، لم تتقدّم العملية السياسية في العراق. ويتوقّف ذلك على التوافق بين الأطراف الشيعية المهيمنة على العملية السياسية منذ العام 2003.
من جهة، دفع الصدر إلى تشكيل حكومة "أغلبية" مع تحالف "إنقاذ وطن" الذي يضمّ سنّة وكوردا. أما خصومه في الإطار التنسيقي الموالي لإيران، فيريدون حكومة توافقية تضمّ جميع القوى الشيعية كما جرت عليه العادة.
يشرح الشمري أن واحداً من الأسباب التي دفعت نحو هذه الاستقالة هو "شعور الصدر بأن هناك محاولة لكسره سياسياً"، و"إدراكه أن إيران لن تسمح له بتغيير قواعد اللعبة السياسية".
حكومة من دون الصدر؟
يرى الشمري أن "تشكيل حكومة" بمن تبّقى في البرلمان في حال المضي بالاستقالة، "أمر صعب".
وقد تتيح استقالة نواب الصدر إذا ما تمّ المضيّ بها، واستبدالهم وفق القانون، بمن حصلوا على ثاني أعلى عدد أصوات في الدائرة نفسها، للإطار التنسيقي بتشكيل حكومة.
لكن "حكومة مماثلة لن ترى النور وستسقط سريعاً"، وفق الشمري، في بلد غالباً ما تحسم فيه الأزمات السياسية في الكواليس وليس تحت قبّة البرلمان، ما قد يضع العملية السياسية في نقطة "اللاعودة" ويفضي إلى حلّ البرلمان الذي يتطلب تصويتاً من البرلمان نفسه.
منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، تحوّل مقتدى الصدر إلى طرف سياسي أساسي في العراق. كان مناهضاً بشدّة للغزو الأميركي، لكنه يقيم اليوم علاقات معقّدة مع إيران الجارة الكبرى المقربة من الإطار التنسيقي، والتي يندد الكثير من العراقيين بتزايد نفوذها في البلاد.
ويضيف الشمري أن "حتى الإطار التنسيقي الموالي لإيران الذي قد يشعر أنه حقق انتصاراً على مقتدى الصدر، غالبية الأطراف فيه تدرك جيداً بأنّ هذه (الاستقالات) نهاية للعملية السياسية".
ويعني ذلك بالنسبة للشمري أن "الحكومة الحالية سوف تستمر، لحين حسم الخلاف"، أو إقناع الصدر بالعودة عن قراره.
ويرى بدوره المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن "الوقت سيكون حاسماً في معرفة ما إذا كان الصدر جدياً في هذه الخطوة أم أنها تكتيك جديد لوضع الملامة على الأطراف السياسية الأخرى وشراء الوقت".
كان الصدر على سبيل المثال قد أعلن قبيل انتخابات تشرين الأول 2021 عن مقاطعته لها، قبل أن يعاود من جديد الانضمام إلى العملية السياسية.
ماذا عن الشارع؟
شُكلت الحكومة الحالية التي يرأسها مصطفى الكاظمي في العام 2020 بعد مفاوضات طويلة وتظاهرات شعبية غير مسبوقة، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية، لكن في صلبها، كان اعتراضاً على النظام السياسي برمّته.
يرجّح حدّاد "اندلاع تظاهرات جديدة هذا الصيف، فهذا أمر وارد دائماً مع ارتفاع درجات الحرارة وضعف الخدمات، كما الكهرباء والمياه في الجنوب"، فضلاً عن التنديد بعدم تقدّم العملية السياسية.
استباقاً لهذا الاحتجاج الشعبي الذي قد يشعل الشارع مجدداً كما حصل في العام 2019، انسحب الصدر من العملية السياسية "لينأى بنفسه" عن الملامة، كما يرى الشمري.
ويتوقّع الشمري حصول حراك شعبي "يشترك فيه ناشطو تشرين لإعادة التظاهرات إلى الشارع العراقي على اعتبار أن البرلمان الحالي لم يتمكن من أن يستكمل استحقاقاته الدستورية".
ولذلك وجد الصدر "بأن الاستقالة هي خير ما يمكن أن يبيض صفحته من أخطاء الطبقة السياسية الحالية".
وبالنسبة لحمزة حداد، "يبدو أن مقتدى الصدر يريد صرف اللوم عن تأخر تشكيل حكومة، عبر هذه الخطوة، ليدّعي بأنّه ليس هو من يعرقل العملية السياسية كونه من ذهب بعيداً في التخلي عن السلطة كلياً".
وكما حصل في العام 2019، قد ينضمّ الصدر إلى هذه التظاهرات مع قوى مدنية، لكن بالصدر أو بدونه "التظاهرات حاضرة"، كما يرى الشمري، نتيجة "أسباب عميقة تستهدف أسس النظام السياسي التي لا بدّ أن تتغير".