ماذا بعد ١٩سنة من العملية السياسية المعوقة؟
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
ماذا بعد ١٩سنة من العملية السياسية المعوقة؟
كان الصراع وسيبقى الأكثر تأثيراً ، بين الوطنيين والاحتلال وعملائه، حيث نلاحظ ان ما يميز تاريخ الأحزاب والحركات التي جلبها الاحتلال غلبة تبعيتها الخارجية على أفكارها وسياساتها على حساب العراق ناهيك عن عدم فهمهم او تجاهلهم لخصوصيات الشعب العراقي وثقافتة ومصالحه المشروعة في الاستقرار والتطور؛ ما أدى الى التخلي عن تلك المصالح، والتشبث بالشعارات والأهداف الشوفينية والطائفية الطوباوية،. وكان احد اهم سبب لتكريس النزعات الطوباوية هذه هو عدم قدرتها على فهم معادلات الواقع، والهروب من تعقيداته باللجوء الى االلاهوتية ومغرياتها وتأثير مفرداتها السحرية التي تنشّط خيال وغرائز الجهلة والمغرر بهم على حساب المنطق والعقل، وبما يناسب ثقافة محلية سائدة لا تزال تتجاذبها النزعات العشائرية والشوفينية والطائفية المشوبة بلوثة مصدرها تاريخ مشوه لم تبق منه سوي الأطلال والذكريات.
وأدى تدخل بعض اصحاب العمائم في السياسة في شكل حاسم الى تزاوج عقلية التخلف الديني مع الأحزاب المتأسلمة التي تردد الشعارات المزيفه وتحاول التمظهر بامتلاك الحقيقة التاريخية المطلقة في حين تسيطر على سلوكياتها نزعات الاستحواذ والهيمنة على الدولة والمجتمع لتحطيم هوية العراق ارضا وتاريخا وشعبا بشكل قسري بقوة السلاح وسطوة الأجهزة القمعية،ويتسلل عبره، كل انواع الفساد الإداري والسياسي وما يرافقها من أزمات اخلاقية واقتصادية وحقوقية لم تعد خافية على أحد.
وجراء كل ذلك حلت فكرة ما يروجه البعض من مقولات اصحاب العمائم (الامام الغائب) أو (المعصوم) أو (مختار العصر)، وهيمنتهم الأبوية الطائفية الاستبدادية، محل دولة المؤسسات والحريات العامة ومفهوم المواطنة وما يتعلق بها من حقوق مدنية وسياسية. وفي غمرة هذا الصراع الدموي وتظاهراته الصاخبة اختفت ظاهرة الاحزاب الوطنية القومية الديموقراطية وهي النواة الأقرب الي المشروع الحضاري بحكم طروحاتها، وطبيعة مؤسسيها وثقافتهم، حيث لا يمكن الحديث عن الديموقراطية والمشروع الحضاري بدون وجودها، وتهيمن على الشارع العراقي ثقافة عقلية المليشيات وبنادقهم وسيطرة بعض المعممين على كل مرافق الحياة، وحولوا البلد الى مسرح للقتل والتنكيل والفرز الطائفي والمناطقي، وتصبح المرجعيات الدينية المتخلفة منها هي قلب الدولة ومحرك الحياة. ففي مشاريع تأجيج الغرائز العمياء والتعصب الطائفي يصبح الحديث عن البرلمان والمجتمع المدني مثيراً للاستغراب و السخرية. ونتيجة لهذا الصراع غير الانساني، وبعد اكثر من 19 سنة من العملية السياسية التي فرضها المحتلين، تحول الحكم الى حكم طائفي عشائري عائلي مناطقي.
وهذه الحال لم تأت اعتباطاً، إذ يقف وراءها سببان كما نعتقد: الأول هو إدمان الأطراف التي جلبها الاحتلال على تربية طائفية شعاراتية تستسهل الكلمات وتستعيض بها عن حلول واقعية للأزمات التي تواجهها، وينعدم الشعور بالمسؤولية لتحل محله ادعاءات النوايا الطيبة التي ستقود المجتمع العراقي الي الجحيم. والسبب الثاني هو ما يعانيه العراق الآن من تفكك وقلق جراء نتائج سياسات السلطة المرتبطة بالاحتلال والتابعة لنظام طهران وحولوا العراق الى حقل تجربة سوداء لإبادة مجتمع من اربعين مليون انسان امام انظار العالم اجمع . فيصبح ادعاء بالديموقراطية ضحكا على الذقون واستخفاف بعقول العراقيين والعالم وهو نوع من عمليات التستر الغبي على الأهداف الحقيقية للاحتلالين الامريكي البريطاني والايراني. وهذه هي خلفية وحال الخلل الثقافي التي تعاني منه سلطة الاحتلال وألاحزاب التي تلبس الدين المنخرطة في العملية السياسية معاً. وإذا افترضنا ان السلطة آيلة الي السقوط، وهو افتراض واقعي وممكن، فإن حقيقة كون قوة السلطة ناتجة (ظاهريا)من ضعف المعارضة، فهذا لا يعني إمكانية استمرار هذه السلطة لعقد اخر، خصوصاً مع تفكك الدولة وكثرة الانشقاقات التي تعانيها السلطة الحاكمة، ولم تنته مضاعفاتها المرشحة للتفاقم في كل وقت.
المشروع الوطني
ان بناء نظاماً متحضراً يليق بالعراق لايستقيم مع وجود التطاحن السياسي المستمر منذ اكثر من 19 عاما عجاف، وغلّب النزعات الطائفية داخل الدولة والمجتمع معاً، ويعني الإصرار على استمراره إدامة المأساة الى اجل غير مسمي، ومزيداً من الظروف التي تسهّل تكريس النفوذ الخارجي بأشكاله المختلفة والمعروفة. فإن اي سلطة دينية حزبية ستأتي ستعتمد ايضاً على القمع، وبحكم انعدام شرعيتها الوطنية ستضطر الي الاستقواء بالعامل الخارجي على اية معارضة داخلية ستظهر بالضرورة.
والغريب في الأمر هو ان المعارضة الوطنية العراقية، احزاباً وجماعات، والتي ما زالت تعمل بظروف بالغة التعقيد والصعوبة نتيجة قمعها من قبل سلطات الاحتلال ، لم تستطع الى الآن إدراك أزمتها هذه، الكامنة في فقر بعضها الايديولوجي في مقابل كثرة مسمياتها وتعدد قادتها وكوادرها الطامح قسم منهم الى السلطة وتصدر الواجهة. ولكي ندرك هذه الحقيقة يجب ان نركز على البنية التكوينية لهذه القوى على اختلاف مشاربها وتوجهاتها واهدافها الخاصة والعامة وتبيان عدد المتخصصين والمثقفين العراقيين، داخل هذه الأحزاب وخارجها، العارفين بشؤون الدولة او علم السياسة والاعلام أو علم التاريخ أو علم الاقتصاد أو علم الاجتماع وحجم ونوع حصيلتهم المعرفية ومدى اهتمام الاحزاب والقوى الوطنية المعارضة للاحتلال بتطوير منتسبيها وكوادرها ومؤيديها للالمام المتطور في مثل هذه التخصصات الضرورية، والتي من دونها لا يمكن بأي حال تصور تحقيق اي مشروع سياسي حضاري يتعلق في جوهره بالبحث عن حل لأزمات الدولة والمجتمع معاً.
ان الملفت للانتباه نجده في ضعف مستوى الاعلام المعارض ونوعيته بعد الاحتلال، والذي لم يشهد تطورات نوعية تذكر. فكيف والحال هذا يمكن الحديث عن برامج الإنقاذ الواقعية والفعلية التي نتوقع البدء بتنفيذها لحظة تغيير السلطة التي جاء بها الاحتلال ومن هم الكوادر التي ستعتمدها وأية ثقافة تستطيع ان تنشئ ارضية مغايرة لصراعات العقدين الماضيين قادرة علي استيعاب المشروع العراقي الديموقراطي وإدامته.
إن اغلب الحركات المناهضة للاحتلال لا تزال خاضعة للأساليب الثورية المعتمدة علي مفاهيم التعبئة الجماهيرية ، وما تنطوي عليه من شعارات غير واقعية وانفعالات مأزومة ومحكومة بالتنافس علي السلطة، والخوف من ضياع الفرص التي يراها بعضهم سانحة مع كل منعطف من منعطفات الأزمات التي تعاني منها العملية السياسية. ولا بد من القول تالياً ان العقلية الثورية لا يمكن ان تسهم في تطوير مشروع ديموقراطي تقتضيه الضرورة بداية للمصالحة الداخلية، وإعادة ترتيب علاقة الدولة بالمجتمع على أسس حقوقية وسياسية تضع مبدأ المواطنة، وقضية القانون والدستور في المقام الأول.
أما الحركات التي تؤسس مشروعاً ديموقراطياً وتطوره فهي حركات ذات صفة مدنية، تنشأ علي اساس مصالح وحاجات اجتماعية واضحة وملموسة وممكنة التحقق آنياً. ويمكن ان يشترك في تأسيس هذه الأحزاب، وإدارة المسؤولية فيها، مواطنون من قوميات وأديان مختلفة،وهي حركات ذات طابع وطني بحت. والقاسم المشترك بينها هو الاحتكام الى الدستور الدائم الذي سيكتبه ممثلوا الشعب والقوانين المرعية باعتبارها تمثل السلطة العليا في البلاد ويعود إليها الحاكم والمحكوم. وصناديق الاقتراع هي من يؤهل هذا الحزب أو ذاك لاستلام مقاليد الحكم، لفترة محددة، وفي انتظار دورة انتخابية لاحقة، من دون ان تفقد احزاب المعارضة حقوقها وحريتها. فيصبح لشعارات الأحزاب هنا معنى عملي يُفترض ان يتجسد في التطبيق الواقعي، وليس في الكلمات والتضليل الإيديولوجي.
ان مفهومي الهزيمة والانتصار في تطبيقات الديموقراطية يظلان نسبيين ومحددين بمدة معينة، على عكس الحال في ظل الأحزاب الثورية وانقلاباتها وشعاراتها التي يتصدرها دائماً شعار جئنا لنبقى . ومفهوم البقاء في السلطة هنا يعني اخضاع القوي السياسية الأخري بالقوة، أو تصفيتها إذا تطلب الأمر. وهذا هو مفهوم الحرب الأهلية بحماية الدولة الذي ترعاه الشرعية الثورية . فتنتهي الصفة المحايدة للدولة ومؤسساتها، وتصبح الدولة بأجهزتها وإمكاناتها اداة بيد الحزب الحاكم. وهذا ما سيفعله اي حزب ثوري بالأحزاب الأخرى التي تتبادل عادة دور الضحية والجلاد بطريقة عبثية تجعل مجرد التفكير بالمستقبل نوعاً من البطر. ان المطلوب من كل الوطنيين ان يعوا جميعاً ان الديموقراطية التي ندعوا إليها هي القاسم المشترك بين كل العراقيين الوطنيين وان ننبذ جميعا فكرة الاستبداد وهذه هي نقطة البداية السليمة.
ان اللحظة التي يعيشها المجتمع العراقي حالياً، لحظة مقاومة سلطة فرضها الاحتلال، لذا فهي لحظة استثنائية تتعلق بمستقبل الوحدة الوطنية ومصير المجتمع كله. ولا بد ان يسهم فيها الجميع بحكم المسؤولية. وبحكم هذه المسؤولية لا بد من مراجعة التجارب السياسية في العراق من وجوهها المختلفة بعد ان وصلت الى طريق مسدود. ويمكن القول إن ظاهرة الحزب الثوري، علمانياً كان ام دينياً، تنشأ عادة في ظل ظروف صراع غير متكافئ وغير شرعي. ففي ظل صراع ضد احتلال اجنبي، أو سلطة تنوب عنه، لا يستطيع احد ان يحول دون نشوء ظاهرة الأحزاب الثورية. ويصبح الانتماء إليها واجباً وطنياً.
ولكن بعد طرد الاحتلال وعملائه، وإسقاط سلطته الاستبدادية، وانهاء تحكم تلك الأحزاب، أو من لعب الدور الأكبر في تلك المهمة، رغبة في استثمار تضحياته الوطنية ورصيده الشعبي لحظة إمساكه بزمام المبادرة وأدوات السلطة. يجب ان نقيم اعتباراً للثقافة الثورية التي كانت اساس ذلك النضال، وتطويرها بما يتلائم والمرحلة الجديدة حيث الحاجة للخطط والبرامج وبناء مؤسسات تعتمد الاسس العلمية الوطنية لمواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية يقودها كفاءات متخصصة. وتعتمد القرارات التي تعتمدها مؤسسات الدولة وخبراتها التقنية والإدارية، ويحل الحوار كأساس سليم في علاقة السلطة بالمعارضة.
إن تبني السلطة الثورية للاقتصاد الحر، والمجتمع المدني، ولمبادئ حقوق الإنسان، واحترام وتطبيق النظام الديموقراطي ومقوماته، هو تعبير مباشر عن احترام المجتمع وحقوقه وطاقاته وكفاياته، وحقه تالياً في الاختبار الحر لممثليه في السلطة. فالاعتراض على الأحزاب الثورية بعد تحرير العراق ليس اعتراضاً على حق منتسبيها في العمل السياسي، بل على نوعية العمل السياسي الذي يديرونه، والنتائج المترتبة عليه. وهذا ما يجب ان تأخذه احزاب المعارضة الوطنية المناهضة للاحتلال في الاعتبار، لحظة تحرير العراق ، تجنباً لتكرار صراعات غير مجدية وتضحيات لا مبرر لها. حيث يجب ان تختفي مبررات تلك الصراعات المريرة والعداوات المضنية بين القوى الوطنية سواء كانت قومية او يسارية ويجب ان يسطع نجم الدور التاريخي للعراق الجديد ليؤدي اهله الوطنيين الاحرار دورهم المميز في النضال لانهاء حالات الخراب والخسائر التي ألحقها المحتلين بالعراق، دولة وشعباً.
هكذا ينظرون لحاضرنا ومستقبلنا
محادثة بين حكيم صيني وأحد المعممين
الحكيم الصيني: لقد قمنا بشحن ما طلبتم من صور ائمتكم وبوسترات يا حسين و غيرها بعد ان طبعناها في مطابعنا ووصل تحويلكم المالي بالثمن حوالي مليار دولار! فشكرا لكم.
المعمم: لقد وصلتنا فعلا ومأجورين ان شاء الله.
الحكيم الصيني: سنستثمر ما ارسلتم لنا من اموال في بناء مساكن للفقراء و مصانع حتى نقضي على البطالة في الصين.
المعمم: سنستثمر ما ارسلتم لنا من صور وغيرها لتكون لنا رصيدا في يوم القيامة.
الحكيم الصيني: بنقودكم بنينا الاف المدارس.
المعمم: بما ارسلتم لنا من صور زيّنا مليون حسينية ومسجد.
الحكيم الصيني: ترك تلاميذنا الكتب الثقيلة بعد ان استبدلناها لهم بحواسيب خفيفة.
المعمم: اضفنا لهم كتب جديدة تخص الدين.
الحكيم الصيني: نعلمهم البرامجيات وهم اطفال.
المعمم: نعلمهم اللطم والتطبير وهم اطفال.
الحكيم الصيني: سنضمن لهم مستقبلا وحياة افضل من حياتنا.
المعمم: سنضمن لهم شفاعة ال البيت.
الحكيم الصيني: بعد 20 سنة سنصبح الدولة الاولى على مستوى العالم.
المعمم: بعد عشرين سنة سيظهر الامام المهدي عج. باذن الله.
الحكيم الصيني: شكرا على وقتك، ساذهب للاشراف على العمل.
المعمم: مأجور مولاي، ساذهب لألقاء خطبة بأننا خير أمة أخرجت للناس.