لماذا تكون خيّراً؟
عائشة سلطان
لماذا تكون خيّراً؟
يبدو أنه حيال كل ما نعيشه ونراه ونسمعه، فإن ما كتبه الألماني فريدريش كريستيان دليوس، في تصدير روايته «قاتل لمدة عام»، يبدو حَرياً بالنقاش: «ما لا يعقل، ولا يفسر، ليس هو الشر، على العكس، إنه الخير!».
يبدو القول صادماً بعض الشيء، لكنه الحقيقة التي صرنا نعيشها كل يوم، والكلام ليس من باب التشاؤم أو السلبية، ولا هو يأس من خيرية الإنسان، فالخير موجود، وسيبقى موجوداً، حتى يقضي الله ما يريد، لكن الأمر في الشيوع والسيطرة والغلبة، في كثرة الأخبار، وتركيز الإعلام حالياً، ومنذ زمن ليس بالقصير، الأمر في قدرة التباهي، التي أصبحت سمة الأحياء، في كل ما هو غريب وشاذ وصادم ومتعارض مع السائد، باعتباره مدخلاً للشهرة والبروز والظهور.
عندما كنا ندرس أبجديات الخبر الإعلامي، ذكر الأستاذ، في ما أذكر، مثالاً شهيراً للخبر، حين يريد له صانعه أن يكون لافتاً ومثيراً، فقال إذا عض كلب رجلاً، فذلك ليس بخبر يذكر، لكن حين تكتب عض رجل كلباً، فإن الدنيا ستقوم ولن تقعد، بحثاً عن هذا الرجل، وعن جذور الخبر، وعلى هذا المنطق، يقوم عالم بلا نهاية من الصحافة الصفراء، وصحافة الإثارة، وتصرفات مشاهير السوشال ميديا!
هل تتذكرون ذلك الشاب الذي ظل يعمل مذيعاً لسنوات، دون أن يلتفت إليه أحد؟ ثم حين قال إنه سيتحول لفتاة، وبدأ يعلّم الفتيات على السوشال ميديا، كيف تهتم الواحدة منهن ببشرتها وبزوجها.. ثم تمادى أكثر إلى ما لا يمكن ذكره هنا، صار من المشاهير، وانهالت عليه الطلبات والإعلانات والدعوات، لماذا؟ لأنه اقتفى قاعدة عض رجل كلباً!
حينما تتصرف بطيبة، وتبادر بالخير، وتمد يد العون بشكل تلقائي، وتعطي من استنجد بك، تجد من يصفك بالساذج والمغفل، بل ويطلب منك أن تبرر أفعالك: لماذا فعلت كذا، هل أنت مجنون؟ لكن إذا أغلقت الباب في وجه صاحب الحاجة، ورددت نجدة أخيك، وادعيت أنك لا تملك، و.. يقال لك (أحسنت)، لقد تجاوزت عقدة الخجل غير المبررة.. تخيل؟!