ما خطة العمل الشاملة المشتركة ولماذا وافقت إيران عليها؟
هدى رؤوف
ما خطة العمل الشاملة المشتركة ولماذا وافقت إيران عليها؟
وضعت خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعتها إيران وعديد من القوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة عام 2015، قيوداً على برنامج طهران النووي في مقابل تخفيف العقوبات، وسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018، مدعياً أنه (الاتفاق) فشل في تقليص برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي، ثم بدأت إيران في تجاهل القيود المفروضة على برنامجها النووي بعد عام.
وفي حين قالت واشنطن وطهران إنهما ستعودان إلى الاتفاق الأصلي إلا أنهما اختلفتا بشأن الخطوات اللازمة للوصول إليه، مما استغرق نحو عام كامل، فجرى في النهر مياه كثيرة، وأصبح يثور التساؤل حول جدوى الاتفاق.
في البداية، فإن الاتفاق النووي الإيراني المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، هو اتفاق تاريخي جرى التوصل إليه بين إيران وعديد من القوى الدولية، هي الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) وألمانيا، المعروفون مجتمعين باسم P5 + 1، كما شارك الاتحاد الأوروبي.
وافقت إيران على تفكيك جزء من البرنامج النووي وفتح منشآته لمزيد من عمليات التفتيش الدولية، في مقابل تخفيف العقوبات باسترداد مليارات الدولارات، أرادت مجموعة 5 + 1 حل برنامج إيران النووي، لدرجة أنه إذا قررت طهران امتلاك سلاح نووي فسيستغرق الأمر عاماً واحداً مما يمنح القوى الدولية وقتاً للرد.
مع اقتراب مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، قدر مسؤولو الاستخبارات الأميركية أنه في حال عدم وجود اتفاق، يمكن لإيران إنتاج ما يكفي من المواد النووية لصنع سلاح في غضون بضعة أشهر، خشيت الدول المتفاوضة من أن تحركات إيران لتصبح دولة نووية تخاطر بدفع المنطقة إلى أزمة جديدة، واتخذت إسرائيل إجراءات عسكرية استباقية ضد المنشآت النووية المشتبه فيها في العراق وفي داخل إيران ذاتها.
قبل خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) كانت مجموعة 5 + 1 تتفاوض مع إيران منذ سنوات، وتقدم للحكومة الإيرانية حوافز متنوعة لوقف تخصيب اليورانيوم، وبعد انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013 الذي كان يُنظر إليه على أنه إصلاحي، توصل الطرفان إلى اتفاق مبدئي لتوجيه المفاوضات نحو صفقة شاملة.
لكن ما الذي دفع لإبرام خطة العمل الشاملة المشتركة؟ من جانبها، سعت إيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة للتخفيف من العقوبات الدولية، لكن هل بالفعل كان يمكن لخطة العمل الشاملة المشتركة تحقيق الهدف منها، وهو السيطرة على البرنامج النووي الإيراني والحيلولة دون الوصول لامتلاك القدرات النووية؟ لتحقيق هذا الهدف كان يجب أن يقوم الاتفاق على مدة تزيد على عقد من الزمان، حيث إن عديداً من قيود خطة العمل الشاملة المشتركة على برنامج إيران النووي تكاد تنتهي صلاحيتها، على سبيل المثال بعد 10 سنوات، اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2016، سيتم رفع القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي، وبعد 25 عاماً ستُرفع القيود المفروضة على كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب التي يمكن أن تمتلكها إيران، لذا انتقد بعض معارضي الاتفاق ما يسمى بنود انقضاء الوقت، قائلين إنها لن تؤدي إلا إلى تأخير إنتاج إيران قنبلة، في حين أن تخفيف العقوبات سيسمح لها بتمويل أنشطة عدم الاستقرار في المنطقة.
كان يفترض أن يحد الاتفاق من عدد وأنواع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران تشغيلها ومستوى تخصيبها، وكذلك حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب، يحتوي اليورانيوم المستخرج على أقل من واحد في المئة من نظير اليورانيوم 235 المستخدم في تفاعلات الانشطار، وتزيد أجهزة الطرد المركزي من نشاط إيران النووي الحالي.
رداً على انسحاب ترمب من الاتفاق والتراخي الأوروبي، سعت طهران إلى انتهاك الاتفاق، إذ بدأت في تجاوز الحدود المتفق عليها لمخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب في عام 2019، وبدأت في التخصيب إلى تركيزات أعلى، كما بدأت في تطوير أجهزة طرد مركزي جديدة لتسريع تخصيب اليورانيوم، واستئناف إنتاج الماء الثقيل في منشأة أراك وتخصيب اليورانيوم.
كما أعلنت إيران أنها لن تحد من تخصيب اليورانيوم بعد الآن، وعملت على بناء مركز لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في نطنز ليحل محل المركز الذي دمر في هجوم ألقت باللوم فيه على إسرائيل، ورداً على اغتيال عالم نووي الذي نسبته إلى إسرائيل، أقر البرلمان الإيراني قانوناً أدى إلى زيادة كبيرة في تخصيب اليورانيوم في فوردو، وفي العام التالي أعلنت إيران قيوداً جديدة على قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تفتيش منشآتها، وبعد فترة وجيزة أنهت اتفاق المراقبة مع الوكالة في فوردو.
في ظل هذه الانتهاكات وقبل توقيع الاتفاق النووي، تريد إيران من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنهاء تحقيقاتها مثل عام 2015. وسلم الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين إيران والولايات المتحدة ما وصفه بالنص النهائي لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بعد أربعة أيام من المفاوضات المكثفة في فيينا.
إن طهران تريد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتخلى عن تحقيقها الذي استمر ثلاث سنوات في جزيئات اليورانيوم، التي جرى العثور عليها في ثلاثة مواقع إيرانية سرية، ومن ثم هل إذا أغلقت الوكالة التحقيق كما ترغب إيران هل من الممكن أن تكون العودة للاتفاق بالقيود ذاتها والأهداف المبتغاة منه عند وضعه عام 2015؟ بلا شك لا، فقد تغيرت الحقائق.