حركات القنصليه الامريكيه بالبصره بعد ثورة ١٤ / تموز مباشرة - القسم الثالث والاخير
عربي الخميسي
تحركات القنصليه الامريكيه بالبصره بعد ثورة 14 / تموز مباشرة -القسم الثالث و الأخير..
كنت قد انهيت كلامي في القسم الثاني قائلا وبعد دخول القنصل بناية القنصليه عدنا الى مقرمتصرفية البصره وقد انتهى كل شيئ بسلام نعم هكذا
كنت اتصور الا ان للموضوع تتمه لا بد من ذكرها استجدت انذاك واستمرت
حوالي سنة من الزمان واليكم القصه
كانت قد اعلنت حكومة الثوره حالة الطوارئ الاستثنائيه يوم انبثاقها حفاظا
على سلامة الجمهوريه، وتبعا لذلك فقد منح الزعيم الركن احمد صالح العبدي
الحاكم العسكري العام بعض من صلاحياته لأمري المواقع العسكريه ، لأدارة
وتمشية بعض المعاملات المدنيه ضمن مناطقها الجغرافيه ، شملت تلك الواجبات
عدد من جوانب النشاطات التي تقع قانونا ضمن اعمال الادارة المحليه في
الحاله الاعتياديه ، وعليه فهي بالاساس من مهام متصرفية اللواء والدوائر
التابعه لها ، منها على سبيل المثال الامن الداخلي ، وضبط الحدود ،
واحالة الاوراق التحقيقيه لبعض القضايا الجنائيه المتعلقه بسلامة الدوله
الى دائرة الحاكم العسكري العام مباشرة وكذلك في حالة توجيه الشتم والقذف
والاهانات لرجالات الثوره وشخوصها و الاشراف امنيا على امور السفر الى
الخارج ، والنظر بطلبات تمديد اوالغاء رخص الاقامات للرعايا الاجانب
بالبصرة ، وغيرها من الواجبات التي لا تمت للامور العسكريه بصله ،
والحقيقه ان هذه الاموراشغلتنا كثيرا وابعدتنا عن صلب واجباتنا العسكريه
، اضافة الى ذلك ، ان النظر بها واعطاء القرار الصحيح هو من اختصاص دوائر
الدوله المختصه ، مما اوقع الجهات العسكريه باغلاط مؤسفه اضرت بالاطراف
ذات العلاقه ، وبرايي ان هذه القضايا هي احدى الاخطاء الجسيمة التي
ارتكبتها اثناء الثورة وحسبت عليها ومنها الاتي .
ففي احد الايام حينما كنت جالسا بمكتبي في آمرية موقع البصره العسكري ،
فؤجئت بسائق القنصليه الامريكيه سالف الذكر ، وهو يقدم لي بعض المعاملات
لبعض الرعايا الامريكين ، لغرض تمديد اقامتهم التي سينتهي مفعولها ، وفي
الحال راودتني فكرة التحدث معه ، واستدراجه شيئا فشيئا لما يخدم قضيتنا
العراقيه من الناحيه الاستخباراتيه ، كما واني اعرف جيدا خطورة هذا
التصرف ، وفي تلك المرحله خاصة ، وفي ذات الوقت كنت اخشى ان يتعرف هو علي
من خلال التكلم معه ، الا اني بالغت بالترحيب به واجلسته ، وتعمدت اطالة
الحديث معه ، وقد تبين لي انه لم يخطر بباله ذلك عريف الشرطه حسين الذي
رافقه في سفرته الى العماره قبل حوالي الشهرين !!! هو نفسه يجلس امامه
الان بلحمه ودمه ! وكنت لطيفا معه وكريما ، فقد امرت له بالشاي فتناوله
شاكرا لي ترحيبي به ، وخلال الحديث معه اقر لي ان هؤلاء الرعايا
الامريكيين وزوجاتهم هم اكثر عدد مما تحتاجهم القنصليه في البصره ردا على
استفساري منه ، وسالته بالحال هل يعني ذلك لا نجدد لهم اقامتهم ؟ فقال لا
اعتقد هذا التصرف به شيئ من الفائده ، لأنهم متواجدون من زمان وقد يخلق
مشكلة لا طائل منها .. وبقرارة نفسي كنت اعرف جيدا ان هذا الامر لا يقع
ضمن مسؤولياتنا بل ، من مسئولية واختصاص وزارة الخارجيه والحاكم العسكري
العام وفق سياسية الدوله ومقتضياتها مصالحها ، واننا ننفذ مجرد الشكليات
فقط لا غيرها ،
وقبل ان ينصرف حاملا معاملات القنصليه ، قلت له ان شاء الله اراك دوما
واهلا وسهلا بك وفي أي وقت تاتي الى هنا انا حاضر لمساعدتك بقدر الامكان
!! ، فشكرني وانصرف ، وبعدعدة ايام جاء ثانيه وبصحبته عدد من الاجانب
امريكان وبريطانيين يعملون في شركات النفط في الرميله ، ومعهم اوراقهم
وجوازات سفرهم فرحبت به وطلبت منه الجلوس والاخرين . وهكذا صار يتردد علي
بين حين وحين ، وشيئا فشيئا توطدت العلاقه بيننا، واخذ يستشيرني بامور
اخرى خارج الرسميات وانا لا اتوان من ابداء النصح والمساعده ، ومن جانبي
بدأت استفسرمنه عن امورالقنصليه وتحركات القنصل ، حتى توصلت الى نتائج
مهمه ومؤثره على الوضع العراقي الامني والسياسي ، وكان منها ان القنصل
كانت له علاقه متينه مع بعض شخصيات البلد الدينيه امثال السيد السهلاني
،وبيت الحاج جيتا الباكستاني الاصل ، والحاج طوينه وغيرهم ، وكذلك مع
العوائل الثريه امثال بيت باش عيان ، وبيت الخضيري، وبيت الرديني ، وبيت
الذكير والتاجر الثري حنا الشيخ ، وايضا مع بعض شخصيات المعروفه بقضاء
الزبير دينية وقوميه ، وان زيارته للعماره كانت لغرض توصيل رسالة
لعملائهم من شيوخ العشائر بموقف امريكا المتعاطف مع وضعهم الجديد بعد
الثوره جراء قراراتها بشأن قانون الاصلاح الزراعي المزمع تشريعه آنذاك ،
قام القنصل بتبليغها عن طريق مدير المستشفى الامريكي بالعماره ، وهذا
الادعاء يتفق منطقيا مع ما حصلت عليه من قوائم بالاسماء كما مر ذكره
اعلاه .
وطبيعي ان هذه المعلومات كانت ترسل مباشرة الى مديريه الاستخبارات
العسكريه في وزارة الدفاع مباشرة ، ولا بد انها لا تزال محفوظه بارشيف
المديريه المذكوره .
استمرت علاقتي مع هذا الانسان الطيب مدة تقرب من السنة ، وكان الرجل
مخلصا لخدمة وطنه العراق رغم خطورة ما يقوم به ، وعمل معي كل هذه المده
بدوافع شريفه وبدون مقابل مادي . الا ان إحالتي على التقاعد والحكم علي
بالحبس لمدة سنة ونصف من قبل المجلس العرفي العسكري الاول ، الذي كان
يترأسه العقيد شمس الدين عبد الله ومدعيه العام العسكري الملازم الاول
راغب فخري ، بتهمة لا وجود لها مطلقا حال دون استمراريه العمل الوطني ،
والحقيقه كل هذه المده الطويله التي تبلغ الخمسون سنة وانا اتسائل ولا
زلت اتسائل ما السبب ؟ اليس من المحتمل ان الاستخبارات العسكريه كانت
مخترقه مثلا ؟ او مديرية الامن العامه التي يترأسها العقيد عبد المجيد
جليل هي ايضا مخترقه ؟ وهو ذاته ثبتت خيانته للثوره يوم الانقلاب الاسود
سنة 1963 ؟ وربما جاء ذلك كنتيجه لمخطط مدروس لبعض الجهات المتضرره من
الثوره وذات صله بالقنصليه الامريكيه او مع بعض الاشخاص من خونة الذين
وقفوا ضد الثوره آنذاك ؟ اسئله كثيره ترد على البال ولن أجد لها اجوبة
شافية حتى الان . وفي كل الاحوال من المؤسف حقا ان يكون هذا جزاء الاخلاص
والامانه بالعمل لتادية الواجب الوطني والوظيفي ، والشعور بالحس الوطني
العراقي النقي ! هو الارسال الى سجن نقرة السلمان الصحراوي سيئ الصيت ،
والغريب في الامر ان يحدث هذا كله و ثورة تموز لا تزال طريه لم تمض
عليها سنة واحده بعد !!
ومن اجل الوطن والشعب العراقي الابي يهون الغالي والرخيص -- والسلام
عربي الخميسي