من يريد أن يكون مليارديراً؟
ايلاف:قديمٌ جداً هو السؤال إن كان المال يشتري السعادة، لكنه سؤال بات واجباً طرحه في وجه أصحاب الثراء الفاحش اليوم، حيث تقدر Forbes أن أكثر من 2600 ملياردير تساوي ثرواتهم الجماعيَّة 14 تريليون دولار حتى كانون الأول (ديسمبر) 2021. وإذ يزداد نمو عالم كبار الأثرياء، تصاحبهم مسائل مثل عار الثراء وذنب الإرث. تزداد هذه المسائل تعقيداً في وقت يتّسم بقدر هائل من التفاوت الاجتماعي، فيما ترتفع تكاليف المعيشة في ظل أزمة عالمية.
تاريخياً، كان للعائلة الثرية قساوسة يوجهونها روحياً. أما اليوم فثمة معالج إثراء بدلاً منهم. ديانا تشامبرز، المرشدة في مجال الثروة العائلية المولودة في بريطانيا والمستقرة في سويسرا ومؤلفة كتاب Money Wisdom Unlocked (كشف أسرار الحكمة المالية)، تمثّل الجيل الثالث في أعمال عائلية، وقد ورثت ثروة طائلة حين كانت في أربعينياتها. كانت تجربتها الشخصية ("أن تعامل بصفتها مساهماً صغيراً فحسب لا بصفتها فرداً من أفراد العائلة") هي ما دفعها إلى محاولة فهم ذاك الارتباك العاطفي الذي انتابها. بالرغم من أنها ليست معالجة مدربة، فهي تقابل عملاء في جلسات عائلية وفردية، لتبحث معهم في تجاربهم السابقة وسلوكياتهم المتصلة بثرواتهم.
تتضمن مهنة تشامبرز هذه دعوتها العملاء إلى كتابة "سيرة ذاتية مالية". تقول: "أطلب منهم أن ينظروا إلى مسار حياتهم بالكامل، من المصروف إلى الميراث. نسألهم عن تجاربهم المالية، وعمّن اتّخذ القرارات المالية في أسرهم، وهل تخاصم الوالدان بشأن المال، وكيف شعروا عندما كسبوا مالاً أول مرة أو عندما اشتروا سيارتهم الأولى، لأن هذه الأشياء هي ما يشكّل حياتهم. هذا يساعد العملاء على التمتع بالوضوح ورؤية أنماط السلوك حين تظهر. مثلاً، رأت إحدى عميلاتي كيف دخل إفراطٌ في التوفير ورثته عن والديها وأجدادها عميقاً في العديد من جوانب حياتها. سمحت لها هذه النظرة بانتهاج نهج أكثر حرية في خياراتها الإنفاقية في المستقبل".
خلافاً للمستشارين الماليين التقليديين، لا يركز معالجو الإثراء على ما يفعله الناس بأموالهم. تقول أماندا فالكسون، وهي مختصة في العلاج النفسي مستقرة في وسط لندن التجاري: "هناك مستشارون ومحامون ماليون لمساعدتهم في ذلك"، مضيفةً أن الناس يريدون مساعدتها، ولاسيما عندما يكتسبون ثروة مفاجئة (مثلما يحدث عند بيع شركة ما) أو من طريق إرث أو هدية مدى الحياة. تقول: "تتلخص وظيفة المعالج في مساعدة عملائه على اختيار ما تعكس قيمهم وما يساعدهم على رؤية الأشياء من منظور مختلف. أنا أطرح على عملائي الأسئلة نفسها التي قد يطرحها أي معالج، لكنني أركز أكثر على الأثر الذي خلفته الثروة فيهم". تضيف: "أنظر إلى قيمهم الأساسية، وماذا كان طموحهم المهني حين كانوا أطفالاً، وما الذي يمنعهم من ذلك الآن. إن ديناميكيات السلطة، والعزلة، والتحكم، والجنس، والزواج، والهوية هي كلها موضوعات تحيط بالثروة، وهذه المسائل ليست جديدة"
بحسب فالكسون، يذهب العديد من المحادثات نحو موضوعين رئيسيين: المعنى والغرض. تقول: "عند التشكيك في هذه المسائل، هناك صلة مباشرة بقيمة الذات والإيمان بالذات. وهذا من شأنه أن يؤدي في الأغلب إلى أزمة وجودية. فالمال قادر على إبعاد الناس بعضهم عن بعض. وهو قادر على أن يزرع فيهم شعوراً بالانهيار الاجتماعي، ولهذا السبب كثيراً ما يحتفظون بأصدقائهم القدامى إلى جانبهم. وشائع أن نراهم يضيفون أصدقاءهم بشكل أو بآخر إلى جدول الرواتب، وهذه مسألة تُنشئ بطبيعة الحال ديناميكية معقدة خاصة بها".
تقول فالكسون إن الحديث عن المال يبقى من المحرمات الكبرى. تضيف: "يتحدث الناس عن الجنس أو عن صدمة في الطفولة، لكنهم يظلون حذرين حين يتطرق الحديث إلى المال. يشعرون بأنهم في دائرة الحكم. إنها مسألة ثقافية. تتلخص وظيفتي في تسهيل تقبل العملاء لهذه المسائل من دون الشعور بأي عار".
تقول بليندا*، التي تعمل في مجال التمويل، وهي في أواخر أربعينياتها، وتدير صندوقاً مالياً كبيراً تملكه عائلتها: "إن امتلاك المال أمر معقد". وعن الأسباب التي دعتها إلى طلب العلاج، تجيب: "نشأت وأنا مدركة الفرق بين 'نحن وهم' – ربما يكون هذا الأمر اليوم أثقل وطأة من أي وقت مضى. شعرت دائماً بذنب مُتخيَّل بسبب ولادتي في عائلة ثرية. أحاول التعويض عن ذلك بأن أتعلم، كما تعلم العديد من أقراني، بأن ثمة طرقاً عدة لاستخدام المال في سبيل الخير".
المعالجة النفسية جوان ديفوريا مؤسسة مشاركة لمعهد Money, Meaning and Choices Institute في سان فرانسيسكو، حيث صيغت عبارة "متلازمة الثروة المفاجئة". تختص ديفوريا في معالجة الأثرياء منذ أكثر من 30 سنة. تقول: "بدأنا نشهد طفرة في الثروة المفاجئة في تسعينيات القرن الماضي بفضل جيل من التقنيين الشباب الذين امتلكوا مالاً أكثر مما كانوا يتوقعون امتلاكه في سنهم. لم يعرفوا ماذا يفعلون إذ وجدوا أنفسهم غير مضطرين إلى جني المال بعد الآن". طورت ديفوريا وشريكها الدكتور ستيفن غولدبارت نموذجاً علاجياً عملياً أطلقا عليه اسم "10×10"، الهدف منه معالجة الجوانب المالية والعاطفية والاجتماعية والصحية والرفاهية المرتبطة بالثروة الكبيرة. تتفق ديفوريا مع فالكسون على أن العار في مسألة المال موضوع متكرر. تقول: "إنه أكثر شيوعاً بين من جمعوا ثروات مفاجئة أو ورثوها. وهو يقل بين العائلات المهاجرة التي بنت أعمالها من الصفر. فمرجّح أن تشعر هذه العائلات بالفخر والمسؤولية، وأن ترى نفسها 'مبدعة للثروات'".
"بدأ العملاء في التساؤل: 'ما الذي لا نتركه لأطفالنا؟'"
توم* صحافي سياسي بريطاني يبلغ من العمر 37 سنة ورث صندوقاً مالياً ومحفظة عقارية عائلية كبيرة عندما كان يبلغ من العمر 18 سنة. يقول: "كنت أدرك أنني لم أكن مستعداً لقبول المال أو المسؤولية الجيلية، وطلبت تأجيل الأمر برمته إلى أن أبلغ الثلاثين. كان ضرورياً أن أعرف من أنا". يضيف: "في النهاية، أدركت أنني لا أريد أياً من ذلك. أدى ذلك إلى نشوب توترات داخل العائلة، لكن بالنسبة إلي شخصياً، كان الارتياح كبيراً. وعندما كنت أتخذ هذه القرارات، التي كانت تستند إلى اختيارات أخلاقية، لم أسمع يوماً بمعالج الإثراء. أعتقد أن هذا كان ليسهل العملية برمتها إلى حد كبير".
تعكس تجربة توم اتجاهاً ناشئاً. توافق ديفوريا قائلة: "يشكل ما شهدناه في العقد الماضي تحولاً في قيم نمط الحياة. الآن أصبحت التساؤلات التي تُطرَح علينا بشأن المال أكثر أخلاقية وأقل عملية. ننظر في أثر المال في الصداقة والعائلة والزواج وأنظمة القيم. ينظر الجيل الحالي في تاريخ ماله ويقول: 'لا نريد أن نكون جزءاً من ذلك الواحد بالمئة من الناس'". تضيف: "تتلخص مهمتنا في أن نقول: 'يا أيها الناس، انتظروا'. فلنتحدث عن الخير الذي قد يمكنكم تقديمه بهذا المال، فربما يكون بوسعكم أن تنظروا في تعويضات، وربما ثمة طريقة أخرى'".
لعل هذا الأمر وثيق الصلة بالواقع حالياً في أعقاب فضيحة المواد الأفيونية في عقار OxyContin التي تورط فيها بعض أفراد عائلة ساكلر، وأثناء الحرب في أوكرانيا عندما أصبحت مصادر الثروة خاضعة لقدر أعظم من التدقيق، أكثر من أي وقت مضى.
تقول تشامبرز: "في الوقت الحالي، ثمة مغتربون روس في حالة تأهب قصوى. سيحتاج جيل الآباء الحالي إلى معالجة هذا الأمر عاطفياً. من المرجح أن يكون الأثر المتبقي مماثلاً لذلك الذي قد تختبره عائلات مثل آل ساكلر، أو أحفاد تجار الرقيق".
تستخدم تشامبرز خلفيتها في الأعمال لإرشاد عملائها نحو العمل الخيري، بمساعدة شخصيات مثل ماكنزي سكوت التي تبرعت منذ طلاقها من جيف بيزوس بمبلغ 3.9 مليارات دولار من ثروتها المقدرة بنحو 49.3 مليار دولار إلى مؤسسات خيرية، مثل جمعية Planned Parenthood لتنظيم الأسرة ونوادي Boys & Girls Clubs of America التي تدعم الأطفال الذين ينشأون تحت خط الفقر. "ما إن يحدد عملائي اهتماماتهم الخيرية، أساعدهم في رسم خطة استراتيجية". وهذا من شأنه أن يحدد "المجالات التي تخلف أعظم الأثر، والنُهُج الخيرية الحالية، والممولين الرئيسيين في المجال، والفجوات الواضحة التي تشكل فرصاً للممولين. مثلاً، كان تبني هذا النهج في إحداث فارق على صعيد التحديات الخاصة بمرض الألزهايمر سبباً في تحديد العالِم الوحيد المعروف الذي يمتلك بروتوكولاً لقلب الانحدار الإدراكي في هذا المرض، ما أتاح الفرصة لدعم عمله".
على نحو مماثل، كثيراً ما تقابل ديفوريا أزواجاً راغبين في العمل من خلال الكيفية التي قد تؤثر بها ثرواتهم في أطفالهم: "هل من شأن الثروة أن تقوض دوافعهم وشعورهم بذواتهم؟ يطرح العملاء مزيداً من الأسئلة، وليس 'ماذا نترك لأطفالنا؟' بل 'ما الذي لا نتركه لهم؟'".
حين تعهد وارن بافت في عام 2006 بأن يتبرع بنسبة 99 بالمئة من ثروته وأن ينخفض ميراث أولاده إلى حد كبير، أصاب العالم بصدمة شديدة. لكن الأمور تتغير: في عام 2010، انضم إلى بيل غايتس ومليندا فرنش غايتس في إطلاق نداء Giving Pledge: حتى الآن، وقعه 231 من فاعلي الخير في 28 دولة. "أحد الأمور الرئيسية التي نخبر بها عملاءنا هو أن المال سيكون له أثر. السر كل السر في طريقة إدارة المرء هذا الأثر".
يمكن أن يضيف التحول في الأدوار التقليدية للجنسين توتراً في هذه المسألة. قدمت ديفوريا المشورة إلى عدد أكبر من النساء في العقد الماضي. تقول: "نقابل المزيد من النساء اللاتي يرأسن مجالس إدارة، ويمتلكن الثروات. لكن إحدى المسائل التي رأيناها في العلاقات وفي الزواج هو أنهن – سواء كانت المرأة من يملك مالاً أكثر أم كان الرجل – يعتقدن بوعي منهن أو من دون وعي أنهن يتمتعن بقدر أعظم من 'الأصوات'، ما يعني مزيداً من الحقوق. ما نحاول مساعدتهن على فهمه هو حقيقة مفادها أنه سواءً تساوت المرأة مع الرجل مالياً أم لم تتساوَ معه، وإن لم يكونا متساويين في عدد الأصوات، فإن من شأن هذا أن يسبب مشكلات في العلاقة بينهما".
تقول بليندا: "في النهاية، وجدت أن علاج الإثراء يشبه أي علاج جيد. كان وسيلة لي للتعامل مع مسائل كنت أتصور أنني لا أستطيع التعامل معها وحدي. أعدت هيكلة عملي، وسيستفيد ورثتي بشكل كبير من ذلك لأنني أعتقد أننا، كجيل، تعلمنا كيف نقدم الدعم. منحني هذا العلاج وضوحاً ووضعني على سكة الحلول العملية. أسفي الوحيد في شأن علاج الإثراء هو أن العثور على معالج استغرق وقتاً طويلاً".
خمس طرق للحديث عن الثروة
بقلم ديانا تشامبرز
اسألوا أنفسكم "ما غرضي وكيف تدعمه ثروتي؟". استخدموا إجاباتكم لمراجعة قراراتكم المالية.
تخيلوا أنكم تناقشون أموالكم الشخصية كما تريدون مع صديق. إن لم تكن علاقتكم بالمال سهلة ومريحة كما ينبغي، حددوا نوع المساعدة التي تحتاجون إليها.
أنشئوا مجتمعاً صغيراً، ابتداءً بشخص آخر وابنوا على علاقتكم به، لتتشاركوا معه التحديات والمباهج الخاصة بكونكم من أصحاب الثروات.
إن القدرة على الإجابة عن أسئلة مالية محددة، مثل حجم المبلغ الذي ينبغي تمريره لأطفالكم ومتى، يعد هدية. إنَّ مواجهة معضلاتكم تمكنكم من معرفة المزيد عن أنفسكم وتشجيع الخيارات الواعية.
لستم وحدكم، وأياً كانت المخاوف التي تواجهونها، فقد واجهها آخرون وتجاوزوها ، فلا تخشوا طلب النصح.