مقتل ١٥ واصابة ٣٥٠ من أنصار الصدر
أ ف ب :قُتل ما لا يقلّ عن 15 شخصاً من أنصار التيار الصدري بالرصاص الحيّ في المنطقة الخضراء بوسط بغداد، في احتجاجات عنيفة أشعلها إعلان زعيم التيار "اعتزاله" العمل السياسي وتخلّلها اقتحام جمع من المحتجّين القصر الحكومي وأعقبتها ليلاً اشتباكات بالأسلحة الرشاشة وقصف بقذائف الهاون.
وفي حين فرض الجيش حظر تجول عاماً، سمعت ليلاً رشقات رشّاشة كثيفة ودويّ انفجارات في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين والتي تضمّ العديد من المقرّات الحكومية والسفارات.
وأفاد مصدر أمني أنّ مسلّحين من "سرايا السلام"، التنظيم المسلّح التابع للصدر، أطلقوا النار من خارج المنطقة الخضراء على أهداف داخلها.
واضاف أنّ القوات المتمركزة داخل المنطقة الخضراء، وهي وحدات خاصة تابعة للجيش ووحدة من الحشد الشعبي، ردّت على مصادر النيران هذه.
واستُهدفت المنطقة الخضراء مساء الإثنين بشكل خاص بسبع قذائف هاون على الأقلّ، بحسب المصدر نفسه.
ولم تتّضح في الحال حصيلة هذا القصف.
وقالت مصادر طبية لوكالة فرانس برس إنّ 15 من أنصار مقتدى الصدر قتلوا وأصيب نحو 350 متظاهراً آخر - بعضهم بالرصاص وآخرون جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع - خلال المواجهات.
وكان شهود عيان أفادوا فرانس برس عن تبادل لإطلاق النار بين أنصار التيار الصدري وخصومهم في "الإطار التنسيقي" الذي يعدّ موالياً لإيران.
وأعلن الجيش فرض حظر تجوّل في بغداد اعتباراً من الثالثة والنصف بعد الظهر ومن ثم في جميع أنحاء العراق في السابعة مساءً وسُيّرت دوريات للشرطة في العاصمة، بعد أن تعمّقت الأزمة في العراق الذي يعيش في مأزق سياسي منذ انتخابات تشرين الأول 2021 التشريعية.
وتدهور الوضع في وسط العاصمة العراقية واقتحم المئات من أنصار التيار الصدري بعد الظهر مقر رئاسة الوزراء، بحسب مراسلي وكالة فرانس برس، بعد إعلان مقتدى الصدر، أحد أهم الفاعلين في السياسة العراقية، بصورة مفاجئة اعتزاله العمل السياسي بشكل "نهائي".
وقال مصدر أمني لوكالة فرانس برس إن قوات الأمن تدخلت وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين عند مداخل المنطقة الخضراء المحصنة، فيما اجتاح أنصار الصدر غرف المكاتب وجلسوا على الأرائك أو قفزوا في المسبح أو راحوا يلتقطون صور "سيلفي".
"تصعيد خطير"
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف العراقية إلى "ضبط النفس" و"اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع".
وقال غوتيريش في بيان إنّه "يتابع بقلق التظاهرات ويدعو إلى الهدوء وضبط النفس، ويحضّ كلّ الجهات الفاعلة ذات الصلة على اتّخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع وتجنّب العنف".
بدورها، دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق، ومقرّها داخل المنطقة الخضراء، المتظاهرين إلى مغادرة المنطقة، وحثّت جميع الأطراف على التزام "أقصى درجات ضبط النفس".
ووصفت البعثة الوضع بأنه "تصعيد شديد الخطورة"، محذّرة من أنّ "بقاء الدولة نفسها بات على المحك".
وفي واشنطن، وصف البيت الأبيض الوضع بأنّه "مقلق" ودعا إلى الهدوء والحوار.
وفي القاهرة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كما نقل عنه المتحدث باسم الرئاسة بسام راضي "اتابع باهتمام الموقف الراهن بالعراق، وأحزنني ما آلت اليه التطورات الحالية في هذا البلد الشقيق".
واكد السيسي "دعم مصر الكامل لأمن واستقرار العراق وسلامة شعبه الشقيق"، داعيا "كافة الاطراف العراقية الى تغليب المصلحة العليا لوطنهم من اجل تجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار وبما يحقق الاستقرار والأمن والرخاء للعراقيين".
وبدا أنّ حظر التجول مطبّق في وسط بغداد مساء، إذ فرغت الطرقات من المارّة والمركبات، لكنّ الاضطرابات انتقلت إلى مناطق أخرى، ففي محافظة ذي قار في جنوب العراق، سيطر أنصار الصدر على كامل مبنى ديوان المحافظة الواقع في مدينة الناصرية.
وأفاد مراسل لوكالة فرانس برس وشهود أن أنصار الصدر رفعوا لافتة كبيرة على البوابة الرئيسية للمبنى كتب عليها "مغلق من قبل ثوار عاشوراء"، كما اقتحم آخرون مقار حكومية.
وقال عضو مجلس شركة نفط ذي قار ثائر الاسماعيلي لوكالة فرانس برس إن المتظاهرين الصدريين "قاموا بغلق منشآت نفطية في المحافظة ووضعوا لافتات على البوابات كتب عليها: مغلق بأمر ثوار عاشوراء".
وفي محافظة بابل جنوب بغداد، أكد شهود لفرانس برس أن متظاهرين من أنصار التيار الصدري سيطروا على مبنى المحافظة في مدينة الحلة. وقطع آخرون الطرق الرئيسية آلتي تربط مدينة الحلة، مركز المحافظة، بالعاصمة بغداد وباقي المحافظات الجنوبية.
ومنذ قرابة سنة، لم تتمكن الأقطاب السياسية العراقية من الاتفاق على اسم رئيس الوزراء الجديد، ومن ثم، فإن العراق، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، ما زال بدون حكومة جديدة أو رئيس جديد منذ الانتخابات التشريعية.
وللخروج من الأزمة، يتفق مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على نقطة واحدة هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة. لكن فيما يصر مقتدى الصدر على حل البرلمان أولاً، فإن خصومه يريدون تشكيل الحكومة في البدء.
ومساء الاثنين، ندّد الاطار التنسيقي ب"الهجوم على مؤسسات الدولة" داعياً انصار الصدر الى "الحوار".
وبعد اجتياح القصر الحكومي، علّق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعات مجلس الوزراء "حتى إشعار آخر"، ودعا إلى اجتماع أمني طارئ في مقر القيادة العسكرية، بعد أن دعا مقتدى الصدر إلى "التدخل بتوجيه المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية".
والصدر، الذي يتمتع بنفوذ كبير ويصعب في الوقت نفسه التنبؤ بما يمكن أن يفعله، لم يتوقف عن التصعيد في الأسابيع الأخيرة؛ فمنذ شهر، يخيم أنصاره خارج البرلمان، حتى أنهم منعوا لفترة وجيزة الدخول إلى مجلس القضاء الأعلى.
وعلى نحو مفاجئ، قال الصدر في بيان مقتضب الاثنين "إنني الآن أعلن الاعتزال النهائي". كما أعلن إغلاق كافة المؤسسات المرتبطة بالتيار الصدري "باستثناء المرقد الشريف (لوالده محمد الصدر المتوفى عام 1999)، والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".
والزعيم الشيعي معروف بعمامته السوداء ويحمل لقب "السيّد" الذي يُطلق على المنتمين لسلالة النبي محمد، وهو أحد أبرز رجال الدين ذوي الثقل السياسي ويتمتّع بنفوذ كبير. كما أنه بين أبرز القادة السياسيين القادرين على تأزيم الأزمة أو حلّها بفضل قدرته على تحريك قسم كبير من الوسط الشيعي الذي يشكّل أكبر مكوّنات الشعب العراقي.
وتصدّر التيار الصدري نتائج الانتخابات الأخيرة ليشغل 73 مقعدا (من 329 مجموع مقاعد البرلمان)، لكن عندما لم يتمكن الصدر من تحقيق أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة، اعلن في حزيران استقالة نوابه في البرلمان.
وبتوجيه من الصدر، طالب أنصاره المعتصمون أمام البرلمان منذ نحو شهر بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات.
ويدعو الصدر إلى "إصلاح" أوضاع العراق من أعلى هرم السلطة إلى أسفله وإنهاء "الفساد" الذي تعاني منه مؤسسات البلاد.
"مخيف"
وقال حمزة حداد، الباحث الضيف في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية (ECFR) إنّ إعلان الصدر "ليس واضحًا تمامًا". وأضاف لفرانس برس "بناء على مواقفه السابقة، يمكننا ان نتوقع منه التراجع (لكن) وهذا أكثر ما يخيف، قد يدعو هذا للاعتقاد بأنه يعطي أتباعه الضوء الأخضر لفعل ما يشاؤون، بقوله إنه لم يعد مسؤولاً عن أفعالهم".
من جانبه، قال الخبير الأمني والستراتيجي فاضل ابو رغيف لوكالة فرانس برس، ردا على سؤال عن هدف التيار الصدري، إن "الهدف هو إرغام الزعامات السياسية التي تمسك سلطة البرلمان والحكومة على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة".
ورأى أن "العراق ذاهب الى مزيد من الانسداد والاحتقان". مع ذلك، استبعد الخبير وقوع نزاع مسلح ، قائلا "لا أعتقد ان الأمور تصل الى حد الاقتتال وسفك الدماء " بين الاحزاب الشيعية.
وكان الصدر أمهل السبت جميع الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية منذ سقوط صدام حسين بما في ذلك حزبه "72 ساعة" للتخلي عن المناصب الحكومية التي تشغلها وإفساح المجال للإصلاحات.
وحتى الآن، لم يتطور الخلاف بين التيار الصدري والإطار التنسيقي إلى مواجهات مسلحة، لكن الحشد الشعبي الممثل ضمن الإطار التنسيقي أعلن استعداد فصائله "للدفاع عن مؤسسات الدولة".
والصدر، المولود عام 1974، لم يحكم قط، لكن نفوذه قوي بعد غزو تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة العراق في آذار 2003، ولاسيّما من خلال تشكيل جيش المهدي للقتال ضد المحتلين.
ولم يتحدّث الصدر في بيانه الاثنين عن جيش المهدي أو سرايا السلام، وهي قوة مسلحة أخرى شُكلت عام 2014 بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل.