مشكلة بطريرك الكلدان ساكو مع مريم العذراء
موفق نيسكو
مشكلة بطريرك الكلدان ساكو مع مريم العذراء
ليس هدف المقال هو شرح العقيدة المسيحية أو الدعاية أو تفضيل مذهب مسيحي على آخر، بل هو مقال يُبيِّن تطور المسيحية ولاهوتها تاريخياً في العراق، ويزيل الاعتقاد السائد لدى غالبية غير المسيحيين في العراق والعالم العربي أن رجال دين المسيحيين هم عموماً مثاليون، وهدف المقال هو إظهار الحقيقة للقارئ الكريم أن بعض رجال الدين ليسوا أمناء للتاريخ، ولا لعقيدتهم، بل يُزورون كل شيء، ويُبدلون آرائهم لأغراض شخصية وسياسية أكثر من أي شخص عادي، ولا يحترمون ما كتبوه بأنفسهم قبل مدة، كما أنهم ليسوا عادلين، ولا يحترمون الرأي الآخر، وقد حوَّلوا مواقعهم الدينية إلى منصات دعائية شخصية وسياسية لهم، ومنهم بطريرك الكلدان لويس ساكو، الذي يُبين المقال الأسلوب غير العلمي الذي ردَّت به البطريركية الكلدانية عليَّ، جواباً على ردي وتعليقي على مقال البطريرك ساكو حول مريم العذراء، ولكي يكون الموضوع مفهوماً للجميع، يجب أن أوضِّح:
1: سنة 428م تبوأ كرسي القسطنطينية البطريرك نسطور، وهو سرياني من مدينة مرعش، وأعلن أفكاره وفلسفته المتأثرة بأستاذه تيودورس المصيصي وقبله ديودورس الطرسوسي، وأهم فكرة لنسطور التي تخص مقالنا، وباختصار: مع أن نسطور اعترف بإلوهية المسيح، لكنه رفض استعمال لقب والدة الله لمريم العذراء، مكتفياً بأم المسيح، ولأن ذلك حصل في القسطنطينية والمناطق القريبة الأخرى منها الذين كانوا من أشد المبُجلين لمريم العذراء ومتمسكين بلقب والدة الله، فقد حصلت مشكلة كبيرة مشهورة جداً إلى اليوم، أدت حينها لانعقاد مجمع مسكوني من كل كنائس العالم في أفسس سنة 431م، حَرَّمَ نسطور وكل من لا يعترف أن مريم هي والدة الله، ونفي نسطور إلى صحراء ليبيا، (طبعاً الكنائس التي حَرَّمت نسطور، لا ترفض لقب أم المسيح، لكنها تستعمل اللقبين معاً، وتحرِّم من يرفض استعمال لقب والدة الله).
2: لم يتبنى أحد من المسيحيين حينها أفكار نسطور، لا في القسطنطينية، ولا في مناطق سوريا مسقط رأس نسطور، بل تبنت أفكاره كنيسة السريان المشارقة في العراق الحالي التي كان مركزها ساليق وقطسيفون (المدائن)، والتي كانت تتبع كنيسة أنطاكية السريانية في سوريا، فتبنت النسطورية وانفصلت عن أنطاكية سنة 497م، علماً أن نسطور لم يزر العراق الحالي في حياته، ولا يوجد مسيحي عراقي واحد شاهد نسطور، وليس الشعب فحسب، بل حتى غالبية رجال الدين لم يسمعوا بنسطور أصلاً، ولم يحضر رجل دين عراقي واحد مجمع أفسس لأن كنيسة المدائن كانت تابعة لأنطاكية، وفي نفس الوقت معزولة تحت حكم الفرس، وكان الفرس والرومان معاً غالباً يتهمون رجال دين العراق الحالي بالتجسس كل لصالحه، والمهم أن الفرس هم من شجع مسيحيي كنيسة المدائن على اعتناق النسطورية، لكي يكون لعاصمتهم كرسي خاص أسوةً بروما وأنطاكيا والإسكندرية والقسطنطينية، وهذا أُمر لا يختلف عليه اثنان، حتى كنيسة المشرق السريانية في المدائن (أي كنيسة الكلدان والآشوريين اليوم)، طغت عليه التسمية الفارسية في كثير من العهود (كاهن كنيسة الكلدان الدكتور يوسف حبي، كنيسة المشرق الكلدانية الأثورية، ص197)، ومن سنة 497م وإلى اليوم استمرت كنيسة المدائن النسطورية محرومة ومعزولة من جميع كنائس.
سنة 1553م انشقت كنيسة السريان النساطرة (المدائن) حيث تكثلك قسم كبير منهم، فسمَّتهم روما كلداناً، وثبت اسمهم في 5 تموز 1830م، ثم قام الإنكليز سنة 1876م بتسمية الطرف الذي بقي نسطورياً، آشوريين، وثبت اسمهم كنسياً في 17 تشرين أول 1976م.
ومعروف أن الكثلكة تنفرد بتبجل السيدة مريم العذراء لحد الإلوهية لتجعلها: شريكة في الخلاص، بل أنها المُخلِّص، وضمير (هو) الذي يُشير للمسيح في آية تكوين 15:3 (هو يسحق راسك)، الموَّجه للحية التي تمثل الشيطان، وحسب الترجمة اللاتينية الكاثوليكية الرسمية الفولجاتا حوالي سنة 384م، وكذلك التفسير المريمي: (هي تسحق رأسك)، أي العذراء تسحق رأس الحية الشيطان وليس المسيح، ولمريم في الكثلكة عقائد وألقاب وأعياد وصلوات: عبادة مريم، سلطانة السماء والأرض، سيدة المطهر، الشهر المريمي، الجيش المريمي، التفسير المريمي، عقيدة الحبل بلا دنس، (أي أن مريم حُبِلَ بِها من أبويها بدون علاقة جسدية أو زرع بشري، مثل المسيح)، عقيدة انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، جسد العذراء مُمجد وغير قابل للفساد، صلاة الوردية ويُقرأ فيها "السلام عليك يا مريم"، عشر مرات، مع مرة واحدة فقط صلاة "أبانا الذي"، التي أمر بها السيد المسيح، وهذه الوردية مضروبة في عشرة أسرار، أي يُتلى "سلام مريم" مئة مرة، وعشرة مرات "أبانا الذي"، ويُردد في الصلاة: يا بتولاً حكيمة، يا بتولاً مكرّمة، يا بتولاً مَمدوحة، يا بتولاً قادرة، يا بتولاً حنونة، يا بتولاً أمينة، وغيرها.
وبما أن الكلدان أصبحوا كاثوليكاً، فغدوا يُعيرون النساطرة أن عقيدتهم هي هرطقة، وهم أي الكلدان تركوها وانتموا للكثلكة، وبذلك عادوا إلى الصراط المستقيم، وأهم النقاط والألقاب التي يُعيِّر الكلدان فيها النساطرة، هي أنهم ككلدان كاثوليك يستعملون لقب والدة الله على مريم، إلى أن جاء البطريرك ساكو الذي لديه أفكار نسطورية واضحة يرد إعادة كنيسته للنسطرة. فقام ويقوم بنشر مقالات عن مريم العذراء مرة يقول إنها ليست بتولاً بالمفهوم المادي بل الروحي، وتارةً وهو ما يهم مقالنا، يقول البطريرك ساكو في مقاله (العذراء مريم في فكر شاعرها مار افرام+370م): إن لقب ثيوتوكس اليوناني أي والدة الله، لم يستعمل قبل القرن الخامس، ولكي يعطي البطريرك مصداقية لآرائه، استشهد بمار أفرام السرياني وهو أكبر علامة وشاعر في التاريخ السرياني والذي لَقَّبهُ من يُسمون أنفسهم اليوم زوراً كلداناً وآشوريين "نبي السريان"، والطريف أن استشهاد البطريرك ساكو بمار أفرام هو من كتاب البطريرك ساكو (آباؤنا السريان، وليس الكلدان)، وفي هذا الكتاب كثير من أسلاف ساكو أنهم سريان، وليسوا كلداناً، والمهم يقول البطريرك ساكو في مقاله: (إن لقب ثيوتوكس أو والدة الله لم يستعمل في عصر مار أفرام، ولم يستعمله مار أفرام مباشرةً لكنه أوحى بذلك)، وبعيداً عن الأمور الإيمانية والروحية، قمتُ بالرد على عدم مصداقية البطريرك ساكو علمياً وتاريخياً، وقلتُ له إن لقب ثيوتوكس ورد قبل مار أفرام أولاً، واستعمله مار أفرام نفسه بالسريانية أيضاً بصورة واضحة جداً بدون إيحاء (ܝܠܕܬ ܐܠܗܐ، يُلداث ألوهو، والدة الله) ثانياً، وفي البداية لم ترد علي البطريركية، لكن بعد أن قمت بنشر ردي على موقعي، رَدت عليَّ البطريركية بعد 6 أيام، وللأسف كان ردها ضعيفاً جداً وغير علمي، وهو: (إن عبارة يلدات الهو، والدة الإله لم ترد عند مار افرام، وقد يكون أحد اللاهوتيين الشرقيين المتأثرين باللاهوت الغربي أدخلها، كما نرى التغيير في الطقس الكلداني بأن كل عبارة أم المسيح تغيرت إلى أم الله).
أمَّا ردي وتعقيبي على ردهم هذا والذي لم يُنشر، فهو:
تحية طيبة وأشكركم جداً لنشر تعليقي لأول مرة في موقعكم، وأُؤكد أنكم لم تنشروه بعد عدة أيام من إرساله، بل نُشر دفعاً للإحراج بعدما نَشرتُ مقالي وذكرتُ فيه أنكم لا تنشرون ردود الآخرين، لكن المهم أشكركم، وانطلاقاً من الرد وحرية التعبير، وليحكم القارئ على الحقيقة التي يدعي الجميع أنه يبحث عنها، أتمنى نشر مقالاتي الكثيرة التي ترسل لكم ولم تنشروها باستثناء واحدة قبل أن أبدأ بانتقادكم والكتابة بما لا يتفق مع نهجكم، كما أتمنى نشر ردودي والوثائق، ليس هذه المرة فقط بل دائماً، وردَّاً على جوابكم بشأن مقالة البطريرك ساكو حول لقب ثيوتوكس ومار أفرام السرياني هو: إن كلام البطريركية ليس صحيحاً، فعلمياً عند توفر الوثيقة تكون الحقيقة، ولا يجب الرد بكلمات: قد، ربما، ممكن، احتمال، بُدِّلت..إلخ، فهناك من يرى أن قبر السيد المسيح في كشمير، أو الإنجيل مُحرَّف، فعلى من يدَّعي أنه تم تغير أم المسيح بأم الله، أن يذكر النص الأصلي لمار أفرام أو غيره المذكور فيه أم المسيح، مع النص المُغيَّر بوالدة الله، ومتى وأين ومن قام بالتغير؟، فمثلاً أنا أقول: لا توجد كلمة كلدان في النص العبري للعهد القديم، إنما بُدِّلت كلمة كسديم بكلدان في الترجمة السبعينية اليونانية 280 ق.م.، أو أن المطران أدي شير ينقل عن مخطوط قديم أن سرجس الراسعيني ترجم من السريانية للعربية، لكنه كتبها من الكلدانية للعربية، وأُدرج النصين معاً.
ذكر لقب والدة الله
1: ذكر البطريرك ساكو أن عبارة (Theotokos والدة الله)، لم تُستعمل في زمن مار أفرام، وكلام البطريرك ليس صحيحاً، فقد استُعمل اللقب ليس في زمن مار أفرام فحسب، بل حتى قبله من أوريجانوس (185-254م)، والبابا الإسكندري الكسندروس+326م، وأثناسيوس+373م، وكيرلس الأورشليمي+386م، بل لقد حَرَّمَ غريغوريوس النزينزي (329-390م)، من لم يُطلق على مريم، والدة الله، واستعمل اللقب غريغوريوس النيسي+395م، وأبيفانوس القبرصي+403م، وغيرهم. (أنظر المصادر القديمة للمذكورين أعلاه، متى المسكين، العذراء القديسة مريم الثيئوتوكس ص62-70، وأنظر الأب منصور المخلصي، الكنيسة عبر التاريخ، ص80).
وأصلاً هل هناك دليل أكثر من مشكلة نسطور المولود سنة 386م، في زمن مار أفرام+370، حيث رفض نسطور لقب والدة الله؟، فهل عاش نسطور في الألفية الثانية أو الثالثة؟، أليس هذا دليلاً قاطعاً أن اللقب كان متداولاً ومتأصلاً منذ الصغر عند نسطور الذي بدوره أخذ أفكاره من تيودورس المصيصي (350-428م)، وديودورس الطرسوسي+392م؟، لذلك لقب والدة الله كان متأصلاً عند المسيحيين على الأقل منذ حوالي قرنين، بحيث حصلت أكبر مشكلة في التاريخ بسبب اللقب.
2:إن كلام البطريرك ساكو ليس صحيحاً أيضاً بأن مار أفرام السرياني لم يستعمل لقب والدة الله، لأنه استعمل لقب والدة الله (ܝܠܕܬ ܐܠܗܐ) في أكثر من مكان، ومن أرشيف روما الكاثوليكية، كما في الوثائق المدرجة أدناه، وهي قليل من كثير، وأحدها وهو قبل الأخير مطبوع في روما سنة 1853م، والأمر الأكثر طرافةً أن البطريرك ساكو لا يعلم أن كنيسته الكلدانية تذكر أن مار أفرام السرياني يستعمل لقب والدة الله كما في المخطوط الأخير العائد لكنيسة الكلدان في ماردين/ تركيا، مطبوع بين سنتي (1750-1850م)، ومؤرشف بالتعاون مع مركز عينكاوا/ أربيل.