سحب بلا أمطار بقلم:سوزان الطيب
-----------------------------------
سحب بلا أمطار
اقتربت الشمس الحنون من الرحيل 000اقتربت الظلمة00في طرف الغرفة العتيقة00 كانت مازالت صامدة فوق ذاك السرير الذي كان يئن من طول الأيام وقسوتها نفس السرير الذي شهد فيما مضى ليال طوال من السهر الشاق00 ليال تسير دقائقها كسلحفاة شتاء 00كانت فيها لا تكاد تنام 00لا ألما ولا هما لكن حبا 00 نعم كان حبا لهم جميعا حبا بلا طلبات حبا منزها 00كانت معهم ولهم حتى وهم نيام 00فلا تكاد تغمض جفنها حتى يصرخ الصغير باكيا 00كأنه يقول لا تنامي لا تستريحي استمري في مراقبتنا وخدمتنا 00فتمد يديها الحنونتين بكل الرضا مستجيبة له فتضمه إلى صدرها بكل رحمة ثم تنظر له وتقبله كأنها تقول له فقط لك00 أستيقظ فقط لك00 فلو أن الدنيا كلها طلبتني ما استيقظت لكن أنت00 أنت غير00حتى إذا شبع واطمئن وأخلد إلى النوم وظنت أنها ستستريحُ لبرهة 00ناداها الأكبر يريد ماءً فتسرعُ دونَ تردد تروي عَطشه 00وبعد لحظات يسعَلُ الثالث فتركضُ نحوَ غرفته تُمَرضَه ثم تمر على أسرَةُ الباقين لتطمأن وإذا أصبحت مر يومها كله لهم تضم وتلم00كان عملها وجهدها وإبداعها من أجلهم00وهكذا تمربها الأيام 00نهر يعطي ليل نهار دون انقطاع دون كلل أو ملل دون مَن أو غضب00 أعطت وأعطت 00كل شيء ولم يبقى لها شيء 00أخذوا دَمها أخذواَ عقَلها وقلبها000 فنموا وكَبروا00 واشتدَ عودَهم00 وامتلأت جيوبهم00 وازدانت بيوتهم00وقادتهم نسائهم 000ففقدوا ذاكرتهم 00فقدوا إحساسهم إلا بأنفسهم 000أما هي فكانت مازالت تجلس هنا وحيدة قعيدة لا تقوى حتى على السير إلى مفتاح الكهرباء لتضيء الغرفة بعد غياب شمسها الوفية فتظل في الظلام لساعات حتى يرسل لها رب العالمين من يضيئها لها00 هل لبشر ان يتخيل ذلك أتعيش من أضاءت الدنيا في ظلمة وحيدة00 أقبرت حية؟؟00كانت سحبا سوداء عقيمة قد لاحت في الأفق فكادت أن تمنع ضوء الشمس من الوصول إليها 00فذكرها ذلك بما حدث حين اجتمعوا هنا كي يجدوا حلا لهذا العبء00 حين حضروا أخذت تُحصيهم00 مُحدثة نَفسها أفقط أنجبتُ ثَلاثة أم أني كنت أَهذي فيما مضى أم أني أهذي الآن خيل لي أنهم كانوا أكثر00 أهؤلاء أبنائي فعلا أم غرباء00 أينطقون ما أسمع أم أنه الزهيمر00 فلقد كان كلا منهم يلقفها للآخر ككرة بنج بونج00ثم اتفقوا أخيرا على برها لكن بطريقتهم 00حيث وافقت أحداهم على أن تُلقي لها بعض الطعام كل يوم على أن يكون من مالها الخاص00واما الثاني فسيأتي كل مساء من بيته الذي يبعد خطوات ليضيء لها الغرفة لكن ليس دون مقابل 00وأما الثالث ذا القلب العطوف والأيدي المقيدة 00ماكان ليستطيع أكثر من أن يعطيهم المال ليفعلوا ومن الرابع إلي السابع لم يأتوا أصلاً00كانت تعض على شفتيها وهى تتذكر كل ذلك فلقد كانت تفضل الموت قبل ذلك اليوم00 كانت تنظر إلى وجوههم كأنها المرة الأولى التي تراهم فيها كانت تضع يدها فوق ذاك المكان الذي ضمهم تسعة أشهر وتعتصره00 توقفت أذناها عن سماع ما يقولون عجزت عيناها عن التعرف عليهم00 رحلوا دون أن تشعر برحيلهم كما ولم تشعر بقدومهم000عادت من رحلة الذاكرة منهكة القوى00 نظرت إلى السماء التي كادت تودع قرصها الذهبي00 تساقط من مقلتيها قطرات حارقة اهتزت لها الأرض وانفطرت السماء00 متمتمةً سوف يأتي هؤلاء الغرباء بعد ساعات ليضيئوا لي المصباح00 ويلقون لي قطعة الخبز ثم يرحلوا مسرعين لا أدري من هؤلاء؟ من يكونون00 شيءعجيب0 00وبعدوقت قليل ذهبت الشمس الحنون وبقيت السحب السوداء 00سحب بلا أمطار000
بقلم/
سوزان الطيب