بعد اغتيال القبيسي.. العراق في مواجهة "تغول" مافيات المخدرات
بغداد - سكاي نيوز عربية:أعاد اغتيال مسؤول مكافحة الممنوعات بجهاز الأمن الوطني العراقي العميد قاسم القيسي، قبل أيام قليلة، تسليط الضوء مجددا على اتساع دائرة نشاط شبكات تهريب المخدرات والاتجار بها في البلاد، رغم أن الأجهزة الأمنية العراقية تعلن بشكل متواصل تفكيكها وإلقاء القبض على أفراد ومجموعات منظمة، بتهم التعاطي والترويج للمواد المخدرة على اختلاف أصنافها.
وأكد جهاز الأمن الوطني العراقي أن اغتيال القيسي سيعزز "من إصرار الجهاز على مواصلة العمل الدؤوب لمواجهة العصابات الاجرامية وتجار المخدرات".
ورفض مصدر أمني عراقي، طلب عدم كشف هويته، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، الجزم بطبيعة دوافع عملية الاغتيال، طالبا: "التريث وعدم استباق نتائج التحقيقات ولو أن أصابع الاتهام من حيث المبدأ تتوجه بداهة نحو عصابات الاتجار بالمخدرات"، كون الضابط المستهدف هو مسؤول وحدة الممنوعات بجهاز الأمن الوطني.
وفي فبراير الماضي، اغتيل القاضي فيصل الساعدي المتخصص في قضايا المخدرات برصاص مسلحين في العمارة، مما يثير شكوكا عميقة عن أن كارتلات المخدرات تقف وراء مثل هذه العمليات المتكررة.
كما تشهد محافظة ميسان، ومركزها مدينة العمارة، جنوبي العراق، بين حين وآخر توترات أمنية بسبب نزاعات عشائرية وتصفية حسابات سياسية وتهريب المخدرات في هذه المحافظة الحدودية مع إيران، حيث تزايدت في السنوات الأخيرة تجارة المخدرات وتعاطيها.
كارتلات مخدرات
يرى خبراء أن تنامي ظاهرة تجارة المخدرات في العراق وعبره على يد مافيات وعصابات منظمة محلية وأجنبية، يتغذى على أسباب مركبة ومتداخلة خارجية وداخلية، أهمها الأزمات السياسية والأمنية المزمنة بالبلاد، وقرب البلاد من خطوط تجارة المخدرات الإقليمية وتهريبها، فضلا عن تفشي الفساد والبطالة والفقر وانسداد الآفاق أمام العراقيين وخاصة الشباب منهم، وهذا كله يصعب من مهمة كبح جماح هذه الظاهرة المتفاقمة والقضاء عليها.
ويشيرون إلى تزايد خطورة اتساع نشاط هذه الشبكات المتاجرة بالمخدرات في العراق وعبره، بدلالة الارتفاع المهول في أعداد مدمني المخدرات في البلاد، خاصة بين الفئات العمرية اليافعة والشابة، والتي هي الضحية الأولى لآفة الإدمان المدمر.
من ممر إلى ميدان
يقول الباحث في الشأن العراقي علي البيدر، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية": "تجارة المخدرات بالعراق انتعشت بعد العام 2003، حيث قبلها كانت البلاد بشكل عام بمنأى عن تفشي ظاهرة إدمان المخدرات والاتجار بها، بفعل القوانين العقابية الصارمة والرادعة، التي كانت معتمدة آنذاك ضد المتعاطين والمتاجرين بها، والتي كانت تصل لعقوبة الإعدام، ولهذا فالعراق كان حينها مجرد ممر ثانوي ونقطة عبور هامشية في مسارات تجارة المخدرات الدولية، إلا أنه تحول مع الأسف بعد ذلك لميدان مفتوح لتلك التجارة القذرة والخطيرة، ولتغدو الحدود الشرقية للعراق بؤرة تهريب واتجار بالمخدرات".
"وهكذا فالمواجهة الأمنية والاستخبارية لا تكفي وحدها دون المعالجات الاجتماعية والاقتصادية للعوامل المحفزة لتنامي تجارة المخدرات في المجتمع العراقي، كما ولا بد من التركيز على تشديد نقاط ومراكز التفتيش والمراقبة والمداهمة على طول المناطق الحدودية وخاصة المحاذية لإيران ومطالبتها بضبط الحدود من جانبها أمام عمليات وعصابات تهريب المخدرات"، وفق الباحث العراقي.
دور أفغانستان
"كون إيران محاذية لأفغانستان، وهي البلد الأكبر لزراعة وتجارة المخدرات، يزيد من تأثر العراق سلبيا، كما أن ثمة طبعا تراخيا أمنيا وفوضى ومافيات قوية بالعراق، ولهذا يغدو البلد بيئة خصبة وجاذبة لتجارة المخدرات، فمثلا إيران لديها حدود مع دول أخرى لكن بسبب ضبط تلك الدول لحدودها بصرامة، تعجز كارتلات المخدرات الإيرانية والأفغانية عن إدخال بضاعتها السامة إليها"، حسب علي البيدر.
"لعل العامل الأهم هنا الذي يزيد من صعوبة السيطرة التامة على الحدود العراقية الإيرانية هو طولها والذي يصل لأكثر من 1400 كيلومتر، وتتميز تلك الحدود بتضاريس معقدة وصعبة للغاية، حيث هناك الكثير من المناطق المتداخلة والمتلاصقة سكنيا"، كما يختم.
أرقام صادمة
إحصائيات مجلس القضاء الأعلى في العراق لعام 2021 تشير إلى أن "نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50 بالمئة من فئة الشباب، وأن النسبة الأكبر للتعاطي تصل إلى 70 بالمئة، في المناطق والأحياء الفقيرة التي تكثر فيها البطالة".
مديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية أعلنت مطلع العام الجاري أن "محافظتي البصرة وميسان تحتلان المرتبة الأولى بالتهريب والتعاطي في المحافظات الجنوبية".
ينص قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في العراق، رقم 50 الصادر في العام 2017، على عقوبات صارمة تصل لحد الإعدام كما في المادة 27 منه، وللسجن المؤبد كما في المادة 28 من القانون.
أكثر أصناف المواد المخدرة تعاطيا في العراق، هي كل من الكريستال الأبيض والحشيشة وحبوب الكبتاغون، ومعظمها تدخل البلاد عبر الحدود الطويلة مع إيران.