الرئيسية
مقالات
أُمْنِيَات عَلَى قَيْدِ اَلْحَيَاةِ
أُمْنِيَات عَلَى قَيْدِ اَلْحَيَاةِ
اَلدُّكْتُورُ وَائِلْ اَلْقَيْسِي
أُمْنِيَات عَلَى قَيْدِ اَلْحَيَاةِ
وَلَدُنَا كِبَار مُنْذُ اَلصِّغَرِ
وَأَحْلَامِنَا بَسِيطَةٌ رَغْمَ عَظِيم شَأْنَهَا ، وَكَانَتْ أَمَانِي اَلْأَهْلِ فِينَا كَبِيرَةٌ .
عِنْدَ اَلصَّبَاحِ اَلْبَاكِرِ ، كَانَ لَابُدَّ أَنْ يَسْتَيْقِظَ اَلْجَمِيعُ ، وَمَا كُنَّا لِنَنَامَ حَتَّى اَلظَّهِيرَةِ ، كَانَتْ تَجْمَعُنَا مَائِدَةُ اَلْإِفْطَارِ رَغْمَ تَوَاضُعِهَا ، وَيَأْكُلَ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْ أَمَامِهِ ، وَكَانَ اَلْكَبِيرُ يُعْطِي اَللُّقْمَةَ اَلطَّيِّبَةَ لِلصَّغِيرِ .
وَالْأَبُ مُهَابْ فِي جَلْسَتِهِ ، وَالْأُمُّ تَسْتَعْجِلُنَا اَلذَّهَابَ إِلَى اَلْمَدْرَسَةِ، وَدَعَوَاتِهَا تَحفّ كُلِّ خَارِجِ مِنْ اَلْبَيْتِ .
مِنْ مِنّا يَجْرُؤُ أَنْ يَنْظُرَ بِوَجْهِ أَبِيهِ إِذَا مَا أَخْطَأَ أَحَدُنَا ؟ !
كَانَتْ اَلْأُخْتُ تَتَبَاهَى وَتَزْهُو وَتَرْفَعُ اَلرَّأْسَ عِنْدَمَا تَمْشِي بِرُفْقَةِ شَقِيقِهَا ، وَرُبَّمَا تَتَدَلَّلُ عَلَيْهِ عَلَى اِسْتِحْيَاءٍ أحيانا ، وَإِذَا خَرَجَتْ مَعَ أُمِّهَا بِمِشْوَارِ فَهِيَ تَتَعَلَّمُ مَا لَمْ تَتَعَلَّمْهُ فِي اَلْمَدَارِسِ لِسَنَوَاتٍ . أَمَّا اَلْأَمَانُ ، فَالْأُسْرَةُ كُلُّهَا تَشْعُرُ أَنَّ جَحْفَلاً مِنْ اَلْجُنْدِ يَحْمِيهَا بِوُجُودِ اَلْأَبِ . . .
كُنَّا نَهْتَمُّ بِدُرُوسِنَا لِنَنْجَح وَنَتَخَرَّجَ ، وَلَا يُفَارِقُنَا طُمُوحُ اَلْوُصُولِ إِلَى اَلْجَامِعَةِ ، ثُمَّ اَلتَّعْيِينِ بِوَظِيفَةِ حَسَبَ اَلتَّخَصُّصِ وَرُبَّما النَّصِيبِ ، وَأَحْيَانًا يُتْحِفُنَا اَلْقَدَرُ ب (وَاسِطَةٌ ) ، وَهَذِهِ لَا يَنَالُهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ، وَلَا نَنْسَى اَلسَّعْيُ لِلزَّوَاجِ وَتَأْسِيسِ أُسْرَةٍ جَدِيدَةٍ فَالْأَبِ يَتَحَجَّجُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرَى هُوَ وَالْأُمَّ أَحْفَادَهُمْ ، وَهَكَذَا تَتَفَرَّعُ أَغْصَانَ شَجَرَةِ اَلْأُسْرَةِ مِنْ جَدِيدٍ . . .
كَانَتْ هَذِهِ هِيَ أَحْلَامُنَا اَلْمَشْرُوعَةُ اَلَّتِي تُؤَسِّسُ لِحَيَاةٍ وَمُجْتَمَعٍ وَشَعْبٍ ثُمَّ لِدَوْلَةٍ وَوَطَنٍ . . .
لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا كَانَتْ حَيَاةٌ مِثَالِيَّةٌ ، وَلَا هِيَ دَوْلَةٌ فَاضِلَةٌ ، لَكِنَّهَا اَلْأَقْرَبُ لِلْكَمَالِ . . . لَقَدْ كَانَتْ مَنْظُومَةُ اَلْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ تَحْكُمُهَا أَعْرَافًا تَرْتَقِي لِدَرَجَةِ اَلْفَضِيلَةِ ، وَكُلَّ فِعْلٍ شَاذٍّ أَوْ تَصَرُّفٍ نَشَازٍ يَكُونُ عَيْبًا وَوَصْمَةُ عَارِ وَنُقْطَةِ سَوْدَاءَ تُلَاحِقُ مِنْ يَرْتَكِبُهَا إِلَى يَوْمٍ يَبْعَثُونَ . . .
أَذْكُرُ يَوْمًا مَا فِي سَبْعِينِيَّاتِ اَلْقَرْنِ اَلْمُنْصَرِمِ أَنَّ أَمْرًا قَدْ تَعَسَّرَ عَلَى وَالِدِي ، فَسُمْعَتُهُ يَقُولُ لِأُمِّي إِنَّهُ حَاوَلَ أَنْ يَجِدَ أَحَدُ لِيُعْطِيَهُ هَدِيَّةً ( رَشْوَةٌ ) ، لِإِنْجَازِ ذَلِكَ اَلْأَمْرِ ، فَلَمْ يَجِدْ ، علما أَنَّ ذَلِكَ اَلْأَمْرِ لَا يَخُصُّهُ ، بَلْ هُوَ لِشَخْصٍ آخَرَ قَدْ اِنْتَخى بِهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ أُمِّي إِلَّا أَنَّ تَعَاتُبَهُ وَتَذَكُّرَهُ بِحُرْمَةِ اَلرَّشْوَةِ ، وَأَنَّهَا أَمْرٌ مَعِيبٌ ، فَاسْتَغْفَرَ رَبُّهُ وَتَرْكُ اَلْأَمْرِ .
أَيْنَ نَحْنُ اَلْيَوْمَ مِنْ تِلْكَ اَلْأَيَّامِ اَلْخَوَالِي . . . بَلْ أَيْنَ تلِكَ اَلنَّاسِ اَلْمَلِيئَةِ بِالْغَيْرَةِ وَالصِّدْقِ وَالنَّخْوَةِ وَالْعَدْلِ وَالْمُرُوءَةِ . . . فَالدُّنْيَا نَفْسُ اَلدُّنْيَا ، وَالشَّمْسُ ذَاتُ اَلشَّمْسِ ، وَالْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ نَفْسِهَا ، إِنَّمَا اَلَّذِي تَغَيَّرَ هُوَ طَبْعُ اَلْإِنْسَانِ . . .
لِنَعُدْ إِلَى إِنْسَانِيَّتِنَا اَلْحَقِيقِيَّةِ وَفِطْرَتِهَا اَلسَّلِيمَةِ لِيَعُودَ ذَلِكَ اَلْإِنْسَانِ إِنْسَانًا .