الحرب على اسم سوريا منذ سنة ١٨٩٧م
موفق نيسكو
الحرب على اسم سوريا منذ سنة ١٨٩٧م
لا توجد دولة على وجه الأرض وفي كل التاريخ كُتب عن اسمها مثل سوريا، ولم تشهد دولة صراعاً على اسمها مثل سوريا، فقد كُتب عن اسمها مئات الكتب والمقالات والآراء، منها لعلماء ومؤرخين مشهورين مثل: نولدكه، روالنصون، كاترومير، أرنست رينان، سيلدان، فراي، جون جوزيف، جان موريس فييه، فرانس روزنثال، شفارتس، تفندتس، روبرت رولينغر، إزابيلا بيشوب، بابولا، ليتمان، فيليب حتي، جواد بولص، فولوس غبريال وكميل البستاني، أسد رستم، أنيس فريحة، يوسف الدبس، فاروق إسماعيل، شاكر خصباك، أدي شير، اسحق ساكا، وغيرهم كثيرون، والحقيقة هو ليس صراعاً، بل هي حرباً فكرية وسياسية ضد اسم سوريا شنها السريان النساطرة في أروميا إيران، وهكاري تركيا، وشمال العراق، الذين سَمَّاهم الإنكليز آشوريين سنة 1876م لأغراض سياسية وطائفية وعبرية، مطالبين بإقامة إقليم آشور شمال العراق وجزء من سوريا وتركيا أيضاً.
أمَّا لماذا هذا الصراع على اسم سوريا: فالمعروف أن السريان هم الآراميون تحديداً، وهم سكان سوريا القدماء التي كان اسمها بلاد آرام، وعاصمتها آرام دمشق، واسما آراميون وسريان مترادفان في كل التاريخ مثل هنكاريا والمجر، أثيوبيا الحبشة، إيران فارس، ألمانيا توسكلند والقوط، فرنسا الغال..إلخ، وبما أن السريان النساطرة الذين انتحل لهم الإنكليز حديثاً اسم الآشوريين، اسمهم كسريان مرتبط بسوريا وليس بآشور، فقد بدءوا شن حرب ضروس على اسم سوريا، مخترعين نظرية الاشتقاق المضحكة، معتبرين أن اسم سوريا مشتق من آشور والطريف أنه باللغة الانكليزية فقط، وليس بلغتهم الأم التي هي الأصل، قائلين أن اسم سوريا الأصلي بالإنكليزي هو (Assyria)، لكن حرفي As سقطا، وأصبحت (Syria)، لذلك فسوريا والسوريون أو السريان هم آشوريون، وانتقلت عدوى التـأشور إلى بعض السريان الساكنين قرب العراق في تركيا وسوريا مثل ديار بكر وطور عبدين والقامشلي، فتعاطفوا مع متأشوري العراق وإيران وصدقوا أنهم فعلاً أحفاد الآشوريين القدماء، والحيلة الأخرى التي يعتمدها المتأشورون، أنهم يطبقون نظريتهم على السريان المسيحيين فقط ويُسمُّونهم آشوريين، لكنهم يهربون من الإجابة على السؤال المحرج: إذا كان اسم سوريا والسريان مشتق من آشور، فلماذا في مقالتهم وقنواتهم الإخبارية لا يُسمُّون سوريا، الجمهورية الآشورية، ودمشق عاصمة بلاد آشور، ومثلاً قام الرئيس الآشوري بشار الأسد بزيارة حمص؟.
لقد بدأت الحرب على اسم سوريا عندما اعتمد المتأشورون على مقالة نُشرت في آذار 1897م في جريدة زهريرا دبهرا للكاتب السرياني النسطوري ميرزا مصروف خان كرم من أروميا في إيران، الذي ساوى بين كلمتي آشوريين وسريان لأول مرة في التاريخ، معتمداً على كتاب الرحَّالة المُبشرة الإنجيلية الإنكليزية ابنة كاهن أنكليكاني وزميلة جمعية الجغرافية الملكية الإنكليزية، ايزابيلا بيشوب (1831-1904)، التي زارت السريان النساطرة في أورميا سنة 1889م، وألَّفت كتاب بجزين طبع في لندن سنة 1891م بعنوان: الرحلات إلى فارس وكوردستان والصيف في منطقة أعالي الكارون وزيارة النساطرة في مناطق الرايات.
Journeys In Persia And Kurdistan Including A Summer In The Upper Karun Region And A Visit To The Nestorian Rayahs
وقد لاحظت إيزابيلا أن السريان النساطرة لديهم اضطراب بين اسمهم الحقيقي السريان، واسم الآشوريين المُخترع حديثاً، فكتبت في ج2 ص235 فصلاً عن مدينة أورميا، سمَّتها المدينة السريانية (city Syrians)، ونتيجة اضطراب الاسم كَتبتْ في ص237 فصلاً بعنوان مثير للانتباه هو: (The Syrians or Assyrians السريان أو الآشوريون)، ركَّزت فيه بوضوح على أن الاسم الحقيقي للمتأشورين هو السريان، والاسم الآشوري اخترعه حديثاً لهم رئيس أساقفة كانتربيري الإنكليزي لأغراض سياسية، وأقنعهم أنه أفضل من اسم النساطرة الذي له مدلول هرطوقي لأنه نسبةً لنسطور المحروم من الكنيسة سنة 431م، وقالت: أنا أكتب عن مسيحيي أورميا أنهم (سريان Syrians)، وهو الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم، والغرباء يطلقون عليهم اسم النساطرة، وأنا لا أعرف لماذا يجب علينا استعمال تسمية فيها وصمة عار تدل على بدعة قديمة لإطلاقه على أمة، والرئيس الحالي لأساقفة كانتربري جاء بمصطلح الآشوريين وأطلقه عليهم، وهذا المصطلح لا يُستعمل أبداً من قبلهم لإطلاقه على أنفسهم، كما لا يُستعمل من الآخرين، فالمسلمون يُسَمُّونهم نصارى، وهو اسم يُطلق عادة على المسيحيين السريان.
تَلقَّف عنوان فصل إزابيلا المثير أعلاه، ميرزا خان كرم (1862-1943م) وهو موظف كبير ومثقف سرياني نسطوري في أورميا/ إيران، وكتب مقالاً بالسريانية عنوانه: (ܡܠܟܘܬܐ ܕܐܬܘܪܝܐ ܝܢ ܕܐܣܘܪܝܐ ملكوتا داتوريا يان دآسورَيَا (الترجمة الحرفية: مملكة الأثوريين أو الآسوريين)، نشرهُ في جريدة زهريرا دبهارا السريانية في أورميا في 15 آذار سنة 1897م، عدد 48 ص35.
وطبعاً فُسِّر قصد ميرزا من السياسيين النساطرة أنه يعني (مملكة الآشوريين أو السريان)، وما قام به ميرزا هو أنه اختصر كلمة (ܣܘܪܝܝܐ سوريَيا أي السريان، إلى ܣܘܪܝܐ سورَيَا) بحذف ياء النسبة، وأضاف حرف الألف في البداية، لتصبح (ܐܣܘܪܝܐ آسورَيَا)، على نهج إضافة حرفي AS بالإنكليزية لكلمة (Syrian سوري أو سرياني، لتصبح Assyrian آشوري)، وهذه أول مرة في التاريخ تظهر كلمة آسورَيَا بالسريانية لتدل على الآشوريين، فكلمة آسورَيَا في قاموس الآشوريين والكلدان الحاليين معناها: رابط أو خشبة تُعلق في عنق الكلب (قاموس مطران الكلدان أوجين منا، دليل الراغبين في لغة الآراميين، ص34)، وقد نسى المتـأشورون:
أولا: إن أصل اسم القوم هو كيف يُسمُّون أنفسهم بلغتهم، لا بلغة الآخرين كالانكليزية، وكلمة سريان في قواميس المتـأشورين هي (ܣܘܪܝܝܐ سوريَيا)، وتختلف جذراً واشتقاقاً وحروفاً ونطقاً ومعنىً، مع كلمة (أثوريين أو آشوريين ܐܬܘܪܝܐ) مثلما تختلف كلمة هندي عن صيني، ياباني عن ألباني، والأمر الطريف للمتأشورين أنهم يطبقون نظرياتهم الاشتقاقية على وزن البعض أن شكسبير هو شيخ زبير أو مدينة سانت هوزي الأمريكية هي مدينة الإمام الحسين، وهم يستعملون قاعدة، تعطيني غزال أعطيك غزال، تعطيني أرنب أعطيك غزال أيضاً، فهم عندما يترجمون كلمة (ܣܘܪܝܝܐ سرياني) من السريانية إلى اللغات الغربية كالإنكليزية، يترجمونها (Assyrian لتعني آشوري)، أمَّا إذا كان العكس وترجموا عبارة الملك سنحاريب الآشوري من الإنكليزية إلى السريانية، فيبقى سنحاريب (ܐܬܘܪܝܐ الآشوري، وليس ܣܘܪܝܝܐ السرياني)، وطبعاً يطبِّقون هذه القاعدة عندما يترجمون من العربية للإنكليزية، فتُترجمون كلمة سرياني إلى (Assyrian)، أمَّا العكس إذا ترجموا (Assyrian) للعربية، فتبقى آشوري، وأحياناً يستعملون طرق رياضية، لكن باتجاه واحد فقط، فيكتبون كلمة (سريان ܣܘܪܝܝܐ = Assyrian)، لكن عندما تُعكس المعادلة، فكلمة (Assyrian = ܐܬܘܪܝܐ آشوري).
ثانياً: لا علاقة لاسم سوريا بآشور كما يقول عالم الآشوريات جورج راولنصون سنة 1860م، وقلنا إن الكلمتان تختلفان في السريانية وهي لغة القوم الأصلية وهو المهم، وعدا ذلك فكلمة سوريا تختلف عن آشور في كل اللغات الحديثة والقديمة، فجذر كلمة سوريا بالعبرية هو (צור)، وهو مطابق لجذر (صور Tyre ،Tsyria)، بينما جذر آشور هو (אשור)، علماً أن كلمة آشور هي آششور بتشديد الشين (Asshur)، وفي اليونانية كلمة سوريا هي Σύριο، بينما آشور هي Ασσυρίους، وفي اسم سوريا حوالي 15رائياً، أهمها أنه من مدينة صور، وأحد الآراء الحديثة التي روَّج لها الغربيون بطرق ملتوية لأغراض سياسية أنه من مشتق آشور، وفقط لكي نقنع المـتاشورين ونكشف زيفهم وحليتهم، نقول: إذا افترضنا جدلاً أن الرأي الوحيد هو أن اسم سوريا من آشور، فذاك لا يعني أن سوريا هي بلاد آشور والسوريين أو السريان هم آشوريون، فلا علاقة لاشتقاق أو تقارب الأسماء بهوية الشعب، بل حتى لو تطابق اسمان 100 بالمئة، وأحدهم مشتق من آخر، فذاك لا يعني أن الشعب الثاني منحدر من الأول، فاسم الروم مُشتق من الرومان وروما اللاتينية لكنه أُطلق على اليونان البيزنطينيين أيضاً، لكن الروم اليونان البيزنطينيين ليسوا رومان أو لاتين، وكثير من الأسماء متقاربة أو مشتقة من بعضها، فالراجح أن اسم العراق وإيران من كلمة فارسية واحدة هي (إيراك)، لكن العراقيين ليسوا فرساً، واسم الحبشة نسبةً لقبيلة حبشت العربية، لكن الأحباش ليسوا عرباً، واسم عبري وعربي من جذر كلمة واحدة، واسم الأفرنج يُطلق على كل الغربيين لكنه يعني حرفياً الفرنسيين، علماً أن الاسم أصلاً لقبائل ألمانية، واسم الكورد أو الأكراد أرمني، لكن الأكراد ليسوا أرمناً، واسم الأرمن من آرام، لكن الأرمن ليسوا آراميين أو سريان، وخالد الكردي وعمر التركي ليسا عربيان من نسل خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب..إلخ.
ثالثاً: إن السريان هم الآراميون في كل التاريخ على الإطلاق، ويختلفون حسباً ونسباً، ثقافةً ولغةً، ملوكاً ونسلاً، جغرافيةً وتاريخاً، عن الآشوريين، بل أن الآشوريين الذين انقرضت دولتهم سنة 612 ق.م، كانوا ألد أعداء السريان الآراميين في كل التاريخ المدني والكتاب المقدس أيضاً، حيث يفتخر الآشوريون في سجلاتهم بغزو والتنكيل بالآراميين، وهنا سؤال مهم للمتأشورين: لماذا يقفون دائماً عند اسم السريان فقط لتبرير حيلتهم؟، ولماذا يهربون ولا يستطيعون الإجابة على سؤال مهم هو: من هم السريان وماذا كان اسمهم قبل أن يُطلق عليهم اسم السريان؟، أسوةً بإيران وفرنسا وإيطاليا وغيرها التي كان لها أسماء سابقة.
استمر تزوير اسم سوريا والسريان واعتمد المتأشورون على علماء ومستشرقين الذين بالمناسبة لم يقل أحد منهم مطلقاً أن سوريا هي آشور والسريان هم الآشوريون، بل أكدوا أن السريان هم الآراميون، لكن المـتأشورين زوَّروا كلام وقصد العلماء ليغشوا القارئ والناس البسطاء، فذهبوا أولاً إلى اللغوي الفرنسي رينان الذي كان يتحدث عن آراء وعلاقات لغوية بين أسماء، وليس عن هويات شعوب، فذكر هامشاً في كتابه (اللغات السامية/ 1858م): إن اسم سوريا يُحتمل أنه مشتق من آشور، وأغفلوا أن رينان يتحدث أصلاً في فقرة عنوانها الرئيس والكبير هو (الحقبة الآرامية)، ويقول: (السريان هم الآراميون، وحتى بعد أن أُطلق اسم السريان عليهم، بقي استعمال الاسم الآرامي)، علماً أن رينان أدرج هذا الرأي في هامش ص209، وهو ليس رأيه أصلاً، بل للباحث كاترومير الذي كان بدوره يناقش علاقات أسماء لغوية ببعضها أيضاً، ثم قام المتأشورون سنة 1897م بتزوير مقدمة قاموس مطران الكلدان توما أودو، كنز اللغة السريانية ص9 الذي قال: (السريان هم الآراميون)، فقام أحد الأشخاص باسم المدقق واكتشفتُ أنا اسمه، بإضافة هامش فيه كلام رينان الهامشي: (إن اسم سوريا مشتق من آشور أو مختصراً له)، لكي يُفهم أن السريان هم الآشوريون، علماً أنه الهامش الوحيد في القاموس، ومن يومها انطلقت الحرب على اسم سوريا بشكل منظم وبمئات الكتب والمقالات، وما تزال الحرب قائمة، علماً أن جميع الوثائق لميرزا وإزبيلا ورينان وكاتروميرو..إلخ، موجودة في كتابي: أسمهم سريان، لا آشوريون ولا كلدان، وسأكتفي بإدراج تزوير المدقق ص9، وسأكتب عن الموضوع مستقبلاً.