حكاية انتصار الفرشاة على مبضع الجراح!
كتبت: رنا خالد
حكاية انتصار الفرشاة على مبضع الجراح!
رغم جريان سني العمر، بقيت محبته للرسم مترسخة في نفسه، لكنها بقيت نائمة باسترخاء، حتى استيقظت فجأة، بعد ستة عقود، فتحولت تلك المحبة الى واقع محسوس، هذه هي حكاية د. "كاظم القاضي".
فالرجل هوى الرسم منذ يفاعنه، حين لفت اتباه معلميه في مدينته (المسيب) التابعة لمحافظة بابل، عندما رسم لوحة للقائد (عبد القادر الجزائري) وأخرى للموسيقار(شوبان) وهو في الصف السادس الابتدائي، فأعجب بهما معلمه، فوضعهما على جدار القاعة الداخلية للمدرسة، وفي المرحلة المتوسطة زاد عنده هذا الشغف بالرسم، ثم اتسع، فتولع بالخط العربي ولا سيما خطوط(الرقعة والنسخ).
ومع هذا الشغف، زاد حبه للفن التشكيلي، لكن معدله الدراسي العالي في الثانوية، دفعه للقبول بكلية الطب، فتخرج منها طبيبا، ثم سارت به عجلة الحياة، الى تخصصه العلمي، لكن عشقه للفنون خلد الى نوم عميق طوال نحو 60 عاما، حتى نهض بقوة بعد ان تقاعد وظيفيا، فانتصرت الفرشاة على مبضع الجراح.. وبانتصارها، تلمسنا المواهب التي كانت نائمة عند د. " كاظم القاضي".
فشاهدنا لوحات رائعة في معرضه الشخصي الثاني بالعاصمة الاردنية عمان، الذي اقيم على قاعة "جودار".. ضم المعرض ما يقرب من (70) عملا فنيا، جسدت لوحاته التراث العربي الأصيل، العراق والأردن وفلسطين ومصر والمغرب العربي وغيرها من الدول.
وتميزت اغلب لوحاته برسم الازهار والطبيعة بشكل عام مع الوانها الزاهية المفرحة كاللون الأخضر والاحمر والبنفسجي بكل تدرجاتهم، وهنا تذكرت قول للرسام والنحات الفرنسي (أوجست رودين) ذات مرة عندما سئل عن مدى تأثير الطبيعة في الفن، فأجاب قائلا: "الفنان صديق الطبيعة والزهور تخاطبه بانحناءة سيقانها الرشيقة ودرجات أوراقها الملونة الدقيقة. ولكل زهرة رسالة محبة توجهها الطبيعة للفنان عبر الزهرة ". وبين الألوان والازهار كان للمرأة دورا كبيرا في لوحات" الطبيب، الفنان" كاظم القاضي فهي المربية العاملة والموكدة في مختلف المجالات الدنيا في صورها المشرقة، لوحاته نسجت حكايات لقصص من الحياة بجانبيها المفرح والمحزن.
فهو مبدع في عالم الرسم وعاشق له، رغم انه لم يدرس الفن أكاديميا او حتى دخوله دورات للرسم، وانما درب نفسه ذاتيا بتذوق خاص، وتفرغ لممارسة هوايته بعد تقاعده عن مهنة الطب وتفرغه للعمل الفني بأفكاره المختلفة، وهذا ما يميز الفن التشكيلي ريشه ترسم رؤيا خاصة
. ويذكر، ان د. كاظم القاضي من مواليد محافظة الانبار عام 1935، وقد درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في عدة مدارس ومدن تبعا لتنقل والده الموظف في الدولة العراقية، وأكمل الإعدادية في ثانوية الحلة للبنين عام 1954. ثم التحق بكلية طب بغداد في العام الدراسي التالي.. ثم تخرج من كلية الطب عام 1961.
ويعتبر من رموز الطب العراقي، نال شهادة الدبلوم العالي في موضوع الباثولوجي السريري من جامعة القاهرة كلية الطب عام 1970 منح لقب الاختصاص في نفس الموضوع من كلية الطب جامعة بغداد عام 1974 من خلال مسيرته العلمية والمهنية عمل في معهد الباثولوجي من عام 1963 ولغاية تقاعده ولديه مختبر مجاز عمل فيه لغاية احتلال العراق عام 2003
وهو عضو الجمعية الطبية العراقية وعضو نقابة الأطباء.
يقول د. كاظم القاضي: منذ صغري مولع بحب الرسم، لكن فيما بعد انشغلت بدراستي العلمية حيث لم يكن لدي الوقت الكافي لممارسة هذه الهواية الجميلة، غير أنى عدت اليها بعد تقاعدي عن العمل سنة 2007 وسفري الى سوريا مدينة حلب تحديدا، حيث كنت اشعر بوجود فراغ كبير في حياتي، ذهبت الى السوق واشتريت أدوات الرسم، وانطلقت بهذا الفن حكاية د. كاظم القاضي، تؤكد ان العشق في الصغر كالنقش على الحجر في ثباته وبقائه.
الراقي اليوم وانا ارسم، واقمت معرضي الأول في عمان سنة 2014. والثاني 2022، حيث استقر حاليا.