أساليب إعادة تشغيل المؤسسات والمصانع المتوقفة عن العمل في العراق
بسام شكري
أساليب إعادة تشغيل المؤسسات والمصانع المتوقفة عن العمل في العراق
في هذا المقال الذي سيكون في نهايته رابط محاضرة بنفس الموضوع كانت في بداية هذا الأسبوع ضمن الموسم الثقافي لاتحاد النخب والاكاديميين العراقيين معلومات ملخصة لدراسة بدأت بالعمل عليها منذ منتصف سنة 2019 وقد اكتملت الشهر الماضي لذلك يرجى عدم التعويل على المقال في معالجة كافة جوانب الموضوع لهذا الملف الخطير لأنها ملخص لدراسة من 480 صفحة , وقبل الخوض في الموضوع فاني انبه الى ان هذه الدراسة غير صالحة لنظام الحكم الحالي في العرق وانما لمرحلة نظام الحكم القادم , لأني وبعد ما يقارب الثلاثين عاما زرت العراق – منطقة كردستان العراق – والتقيت مع مجموعة من الاكاديميين من جامعات السليمانية وصلاح الدين والكوفة وبغداد وطرحت عليهم موضوع إعادة تشغيل المؤسسات والمصانع المغلقة في العراق منذ الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003 لغاية الان وقد اجمع الكل على ان مجرد الحديث عن هذا الموضوع هو خط احمر في العراق وسيعرض من يتداول هذا الموضوع للخطر والمسموح في العراق اليوم هو انشاء الملاهي الليلية والأسواق والمولات والمطاعم والأماكن الترفيهية وصالات القمار والمقاهي فقط.
ان عدم اصلاح منظومة الكهرباء هو الخط الأحمر الأساسي في العملية لان وجود كهرباء يعني تشغيل المصانع وتحسين الري والزراعة وإنتاج المشتقات النفطية والغاز ومن اجل إبقاء العراق بحاجة الى البضائع الإيرانية يجب عدم اصلاح منظومة الكهرباء وعلى الشعب العراقي فهم هذه الخطة - المؤامرة.
لقد استعنت في هذه الدراسة بالتجربة الألمانية في مراحلها الثلاث وهي مرحلة الكساد الاقتصادي في العشرينات لغاية بداية الثلاثينات نتيجة لخسارة المانيا الحرب العالمية الأولى والعقوبات الدولية عليها ومرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بعد خسارة المانيا الحرب حيث كان الاقتصاد مدمر ومعظم المصانع اما متوقفة عن العمل او تم تحويلها للإنتاج الحربي واخذت بنظر الاعتبار خطة مارشال وشروطها والمراحل الاربعة للتطور الاقتصادي في الاقتصاد الألماني التي امتدت لغاية الثمانينات واستعنت كذلك بالمرحلة الثالثة وهي الوحدة الألمانية وانهيار المانيا الديمقراطية ودمج مصانعها ومؤسساتها مع المانيا الغربية لتصبح اقتصاد واحد هو اقتصاد جمهورية المانيا الاتحادية.
العوامل الواجب توفرها لإعادة فتح المصانع والمؤسسات العراقية
أولا – المصالحة الوطنية : لقد اخذت كنموذج مبسط تجربة المصالحة الوطنية في جنوب افريقيا بعد انهيار نظام ايان سمث العنصري المعروف بنظام الفصل العنصري مع مراعاة الخصوصية العراقية من مجتمع قبلي وعادات وتقاليد شرقية , ان نجاح أي عمل اقتصادي في العراق يجب توفر الجو الآمن ولكي يعيش السكان بأمن واستقرار ويتمكنون من الانتقال في كافة انحاء العراق بسلام وهذا يعني ان المصالحة هي مصالحة بين الجميع ابتدأ ً من الغاء القوانين التي قسمت المجتمع قوميا ودينيا وطائفيا في الدستور او في السلوك الحكومي وجعل الفرص متساوية بين الجميع ويكون معيار الكفاءة هو معيار الاختيار لتقلد المناصب و وجوب إلغاء قانون اجتثاث البعث إضافة الى مرور فترة عشرين سنة عليه وقد اصبح غير مجدي ولأنه يتعارض مع القوانين الدولية , حيث ان اتفاقيات جنيف سنة 1948 تمنع حرمان السكان الواقعين تحت الاحتلال من حقوقهم المدنية وبما ان دخول القوات الامريكية للعراق بدون تخويل اممي من قبل الأمم المتحدة فانه يعتبر غزو واحتلال لغاية لحظة كتابة هذا المقال , وقد اعترفت الأمم المتحدة بان ما حدث في العراق هو غزو وقد أشار اول بيان للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي في اليوم التالي للغزو باستعمال كلمة غزو صراحة ولم يصدر من مجلس الامن لغاية الان أي تصنيف اخر لما حدث في العراق غير البيان المشار اليه والذي استعملت فيه كلمة غزو, والمصالحة الوطنية كذلك هي اعتراف الدولة بما قامت به من جرائم بحق المواطنين سواء الجرائم الاقتصادية او المدنية او قتل الأشخاص او سجنهم بدون محاكمة او بتهم كيدية او بتسجيل اعترافات تحت التعذيب وبعد ذلك اعتراف الأحزاب والمؤسسات الدينية او الأشخاص بما قاموا به من جرائم بحق الاقتصاد ونهب الثروات ونشر الفساد الأخلاقي والسياسي او قتل او سجن الافراد بدون وجهة حق او محاكمة وبعد ذلك تشكيل محاكم للمصالحة ومن يرضى بالتعويض المادي يتم دفع تعويض مالي ومن يرفض التعويض المالي والمسمى عرفيا بالدية يتم تطبيق القانون عليه والقانون المقصود به هو القانون الساري المفعول قبل الغزو في سنة 2003 والخاص بجرائم القتل والاغتصاب وسرقة المال العام وللقيام بكل تلك الفقرات اقترح انشاء هيئة عليا للمصالحة الوطنية تضم قضاة لهم تاريخ نظيف.
ثانيا – عدم السماح للعمالة الأجنبية في المشاركة في عملية إعادة تشغيل المؤسسات والمصانع في المرحلة الأولى لإعادة التشغيل.
ثالثا- وقف كافة التحويلات المالية الى خارج العراق باستثناء رواتب موظفي وزارة الخارجية.
رابعا – الغاء كافة القوانين التي صدرت بعد سنة 2003 والتي تعرقل النشاطات الاقتصادية وتهدر المال العام وتزرع التفرقة بين أبناء الشعب الواحد كرواتب رفحاء التي لا تتطابق مع أي منطق.
خامسا – منع تصدير كافة المواد الخام من داخل العراق للمرحلة الانتقالية وهي خمس سنوات.
سادسا – إعادة النظر في قوانين المكافئات والعقوبات الوظيفية.
سابعا – الغاء كافة العطل والاجازات المستحدثة خلال فترة الغزو والعمل بما كان موجود قبل 2003 لان عدد الاجازات الرسمية والتي تعتبر الأعلى في دول العالم غير مبررة وتهدف الى تدمير الاقتصاد.
ثامنا - وضع قائمة سوداء بالأفراد الفاسدين الذي تقلدوا مناصب رسمية ومنعهم من تقلد أي وظيفة في جهاز الدولة والاستفادة من التجربة الليبية في مرحلة ما بعد نظام القذافي.
تاسعا – حل كافة الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة ومنع تشكيل أي حزب على أسس قومية او دينية.
خلفية الصناعة العراقية
لقد مر العراق بثلاث مراحل في هذا الصدد فالمرحلة الأولى من تاريخ الصناعة العراقية هي فترة الحكم الملكي حيث كانت مصادر المصانع من مختلف الدول وخصوصا أمريكا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا والمرحلة الثانية هي مرحلة النظام الجمهوري لغاية بداية الثمانينات حيث منع الاستيراد من كافة دول العالم باستثناء الاتحاد السوفييتي والدول التي كانت تابعة له وتلك المرحلة من أسوأ مراحل تاريخ الاقتصاد العراقي حيث كانت المصانع التي تباع للعراق متخلفة التكنلوجيا او قديمة ومستعمله وتم بيعها للعراق بعد ان تم صبغها ومحو تاريخ صناعتها وقد تم اكتشاف تلك الخدعة في الكثير من المصانع وعلى سبيل المثال مصنع الزجاج في الرمادي عندما قام عمال الصيانة بتنظيف احدى المكائن فسقط الصبغ وتبين ان الماكنة بدائية ومصنوعة في الثلاثينات وكانت مستعملة في روسيا لفترة أربعين عاما , والمرحلة الثالثة من تاريخ الصناعة العراقية هي فترة الثمانينات عندما دخلت التكنلوجيا الغربية المتطورة الى التصنيع العسكري وبعد ذلك الى وزارة الصناعة وكانت معدات متطورة لم تكن موجودة من قبل لا في العراق ولا في كل دول الشرق الأوسط.
الخطوات التمهيدية لإعادة تشغيل المؤسسات والمصانع
الخطوة الأولى - يجب الرجوع قبل أي اجراء الى الخرائط الاصلية للمصانع كالأبنية وسمك الارضيات الخرسانية والتعرف على مدى تحمل تلك الارضيات لوزن المكائن وخرائط المكائن والمعدات التفصيلية ويتم دراستها بدقة عالية وتدقيق البنية التحتية للمصانع من توصيلات الماء والكهرباء والعزل الحراري والتدفئة والتبريد وأنظمة الطوارئ والسلامة الصناعية وبعد كذلك البدء بتشغيل المصانع الغير متضررة وتشغيل المصانع التي تتوفر موادها الأولية في داخل العراق كالبتروكيمياويات والزجاج والطابوق والسكاير والسكر والاسمنت وغيرها.
الخطوة الثانية – خلق نظام اداري واقتصادي جديد يتناسب مع التطور التكنولوجي في العالم وأنظمة النقل والمناولة في المطارات والموانئ وأنظمة المخازن وغيرها.
الخطوة الثالثة – تشكيل لجنة عليا لتحديد البضائع التي يحتاجها العراق مع تقديم جدوى اقتصادية.
المقترحات التنفيذية
أولا - انشاء معاهد تدريبية جديدة لتدريب الكوادر الهندسية والإدارية والمالية في كل محافظة وينتسب الى تلك المعاهد كل من سيعمل في إعادة تشغيل المؤسسات والمصانع وتكون الدورات فيه ثلاثة أشهر فقط يتعلم فيها المنتسب نظام العمل الجديد لكل وظيفة حسب اختصاصها وتكون الأولوية في الكوادر التي ستقوم بإعادة التشغيل للشباب والخريجين العاطلين عن العمل لانهم قادرين على تشغيل حركة الإنتاج ومكافحة الفساد.
ثانيا -مكافحة الفساد حيث ان نظام الحكم الحالي قد خلق أنواعا متعددة وبمستويات مختلفة من الفساد لتدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والخدماتية للعراق وفق المقترحات التالية:
- وضع أجور كافية للموظفين تكفيهم وتتناسب مع الجهد الذي يبذلونه وخبرتهم السابقة وتحصيلهم العلمي.
- استخدام نظام الحكومة الالكترونية والتقليل قدر الإمكان من احتكاك المواطنين بالموظفين.
- تدوير ونقل موظفي مراكز القرار في كافة الوظائف بشكل مستمر للحيلولة دون تكوّن بؤر فساد.
- تشجيع المواطنين والموظفين للإبلاغ عن أي فساد وتفعيل الرقابة المجتمعية على أجهزة الدولة.
- انشاء ديوان الرقابة المالية وديوان اخر للرقابة الإدارية وتكون مرتبطة مباشرة بمكتب رئيس الوزراء إضافة الى تفعيل دور التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجي.
- منع أي عضو في البرلمان او القضاء من التدخل في أجهزة الدولة واعتبار ذلك جريمة مخلة بالشرف لان عمل البرلماني هو للرقابة على أجهزة الدولة من خلال السياقات القانونية التي تنص على قيام البرلمان بتوجيه الأسئلة للوزير المختص في جلسة رسمية داخل البرلمان وليس من خلال الاتصال المباشر بموظفي الدولة.
- التحول الى اقتصاد السوق وحصر الخدمات الرئيسية فقط في يد الدولة كالبترول والاتصالات والماء والكهرباء والتعليم والصحة والامن الداخلي.
- تفعيل صندوق الشكاوى وفتحه يوميا ومعالجة الأخطاء يوميا.
- تفعيل مبدأ من اين لك هذا وبيان الذمة المالية قبل وبعد استلام موظفي الدولة لوظائفهم.
- اصدار قوانين تجرم الفساد وتعتبره جريمة مخلة بالشرف واعتماد نظام القائمة السوداء في منع الفاسدين مدى الحياة من الرجوع للعمل في دوائر الدولة بعد انتهاء محكوميتاهم.
في النهاية انصح الشباب العراقي بالاطلاع على التجربة الألمانية بتفاصيلها في إعادة تشغيل الاقتصاد الألمانية كذلك بالاطلاع على التجربة الكورية الجنوبية منذ اتفاق القاهرة سنة 1943 الى تقسيم كوريا سنة 1948 والى قيام أمريكا بتنصيب نظام عميل لها من خلال المجيء بفاسدين تحت ذريعة الديمقراطية الى الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع الكوري الجنوبي والذي كانت نتيجته النهوض الاقتصادي الهائل لكوريا الجنوبية والذي ما يزال مستمرا بعد ان كانت كوريا الجنوبية فقيرة وتحت رحمة نظام سياسي فاسد في المقابل الازدهار الكوري الشمالي المدعوم من الاتحاد السوفييتي وكيفيه سقوط ذلك الاقتصاد والمجاعات التي اصابت الكوريين الشماليين التي مازالت مستمرة لغاية الان , كذلك انصح الشباب العراقي بالاطلاع على تجربة جنوب افريقيا في موضوع المصالحة الوطنية, لقد استعنت بتجربة المانيا للاستفادة منها في العراق لتشابه ظروف البلدين من خسارة الحرب في الدولتين إضافة الى طرق معالجة المانيا لمخلفات الحرب مشابهة لظروف العراق ومنها على سبيل المثال وجود ملايين القنابل غير المنفلقة في الأراضي الألمانية لغاية اليوم وعندما يتم حفر الأساس لاي مبنى في المانيا يتم العثور على قنابل مازالت غير منفلقة , حيث يتم العثور على 360 قنبلة سنويا أي بمعدل قنبلة واحدة يوميا وقد تم معالجة موضوع القنابل والالغام الغير منفلقة بأساليب تكنولوجية متطورة يمكن للعراق استعمالها من اجل تنظيف أراضيه كالتصوير الجوي والمجسات الليزرية المرافقة لمعدات الحفر والتصوير الأرضي وفحص التربة والمياه وغيرها .
رابط المحاضرة
https://www.youtube.com/watch?v=u6BfCzJChFk
الباحث
بسام شكري
Bassam343@yahoo.com