"حادثة مؤسفة".. وانتهى الأمر
سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية
"حادثة مؤسفة".. وانتهى الأمر
صدر القرار الظني بموجب فتوى "حزب الله": "حادثة مؤسفة"، وليس جريمة قتل متعمد، هي ما أودى بحياة الجندي الإيرلندي شون رووني، العاملة كتيبته في قوات حفظ السلام في الجنوب اللبناني.
هذه هي الحدود التي يجب الالتزام بها. وضمن هذه الحدود يجب عدم استباق الأمور ورمي التهم جزاما، ويمكن التنديد والمطالبة بتحقيق شفاف لن يحصل بالتأكيد، وإن حصل فهو بدوره سيبقى ضمن الحدود.
على أي حال، هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.. ولكن مع فارق أن الجريمة المصنفة في قاموس الحزب "حادثة"، استهدفت أجنبيا بإطلاق نار.. أي انها شأن غير محلي ويمكن لفلفته كما جرت العادة مع الاغتيالات التقليدية التي خدمت وجهة منفذيها حتى الساعة.. فالجندي المغدور لم يسقط في انفجار عبوة يصعب تخمين هوية واضعيها. هو قُتِل بإطلاق نار مباشر.. برصاص تم تسديده إلى رأسه.. والسبب أنه ضل الطريق.. ما أثار ذعر أهالي المنطقة التي عبر منها.. فدافعوا عن أنفسهم من الخطر المستطير..
أو هكذا جاء التبرير الذي يجب أن يقتنع به الآخرون، في لبنان وخارجه..
ومع الأسف، اللبنانيون سيقتنعون، ليس كلهم بالطبع، ولكن أولئك الذين يدورون سياسيا في فلك الحزب.. أي بيئته الحاضنة والحاضرة بفعل الادمغة المغسولة والولاء المطلق على الانصياع الأعمى.. أيضا سيقتنع من يربط مصالحه بهذا الانصياع، أي غالبية أعضاء الشرف في منظومة السلطة. وهم مهما اختلفوا فيما بينهم أو مع الحزب سينددون لفظا ويطالبون القضاء بتحقيق شفاف يفضي إلى مقاضاة المرتكبين، وبعدما تهدأ موجة الاستنكار سيعودون إلى مصالحهم وكأن شيئا لم يكن.
هذه المرة، الغد ليس قريبا لناظره. وإن كان يمكن تبيان ردود فعل الداخل اللبناني، تبقى أسئلة ردود فعل الخارج معلقة على نتائج التحقيق الإجراءات العملية المبنية على هذه النتائج.
وفي الأثناء، بدأت تبرز مواقف واضحة من الجانب الأممي لا مراعاة فيها، لتضع الجريمة في نصابها البعيد عن "الحادثة المؤسفة".
فقد تسرب كلام مباشر ومنسوب إلى قائد "اليونيفيل" عن "أجواء معادية لهذه القوات بين عدد من أهالي جنوب لبنان، لأن هناك من أفتى بأنها تضم جواسيس يعملون لمصلحة إسرائيل".. ليس بموجب القرار الأخير الصادر عن الأمم المتحدة والذي نص على أن "اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل".. ما دفع الحزب إلى وصفها بأنها جيش احتلال، ولكن منذ غداة صدور القرار 1701 بعد حرب تموز (يوليو) 2006.. والاعتداءات على الجنود الأمميين مستمر، وكذلك التحريض انطلاقا من تهمة العمالة.. وذلك لإجراء المقتضى متى دعت استراتيجية الحزب ومحوره الإيراني إلى ذلك، ليبقي سيطرته الكاملة والمسلحة على مناطق جنوب الليطاني، مخالفا بنود القرار 1701 الذي أوقف القتال بين لبنان وإسرائيل.
بالتالي، فإن قتل الجندي الإيرلندي يندرج في إطار هذه الاعتداءات، ليبقى تسليم القاتل المعروف بالاسم مستعصيا حتى هذه اللحظة، وإذا حصل، فذلك له مدلولاته المتعلقة ليس "بالحادثة المؤسفة" بل بحاجة الحزب في هذه المرحلة إلى عدم تغيير قواعد اللعبة بما يؤدي إلى انسحاب قوات الأمم المتحدة من مهامها.
ربما لهذا السبب، ترددت معلومات عن تواصل مسؤول أمني رفيع في "حزب الله" مع قائد قوات "اليونيفيل" لإنهاء القضية "بالتي هي أحسن"، لكن الأحسن لا يلوح في الأفق اللبناني حتى الآن..
بالتالي، لا تزال الأسئلة معلقة.. ولا تزال الشكوك قائمة بشأن عدم التعاون مع لجنة التحقيق الأيرلندية المتوقع وصولها إلى بيروت.. لأن المطلوب ليس كشف حقيقة الجريمة.. ولكن طي الملف تحت خانة "حادثة مؤسفة". وانتهى الأمر.