قادة العراق متمسكون بمسيحيي بلدهم .. لكن هجرتهم بموجة جديدة
إيلاف من لندن: أكد القادة العراقيون لمناسبة اعياد ميلاد السيد المسيح التي بدأها بلدهم الاحد تمسكهم بمسيحييه و ببقاء العراق مكانا للتعددية على الرغم من موجة هجرة جديدة حيث تغادره 6 عائلات مسيحية شهريا.
وخلال مشاركة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني احتفالات المسيحيين العراقيين بأعياد الميلاد فقد تحدث بكنيسة سيدة النجاة في بغداد قائلا "حرصتُ اليوم وفي ليلة عيد الميلاد وتعمّدت أن أكون بينكم هنا في كنيسة سيدة النجاة التي غدت أيقونة من أيقونات حربنا ضد التكفير والتطرّف والارهاب".
واشار الى ان "الاعتداء الآثم الذي تعرضت له هذه الكنيسة شكلت امتداداً للجرائم المتواصلة ضد الشعب العراقي، بهدف إبادته، وتدمير حضارته، مثلما كان نذيراً بالجرائم التي تلته، في سبايكر وإبادة تلعفر والإيزيديين والجرائم التي حصلت في الموصل".
وأضاف السوداني ان حضوره القداس "لكي أوصل لأهلي المسيحيين وكل العراقيين، بصرف النظر عن دينهم وطائفتهم وقوميتهم، أن الحكومة تعتز بالجميع وترى أن التنوع من أهم عوامل القوّة في العراق".
وبين ان الارهاب حاول وأدَ هذه الصفة، وانطلقت إحدى محاولاته من هنا "في هذه الكنيسة وخلّف وصمة عار مأساوية في تأريخنا الحديث، وارتكب جريمةً راح ضحيتها الأبرياء الذين نالوا الشهادة في بيت من بيوت الله؛ لكن العراق تمكن من صدّ الهجمة وانتصر عليها".
يشار الى ان كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في منطقة الكرادة وسط بغداد كانت قد تعرضت الى هجوم في 31 تشرين الاول اكتوبر عام 2010 نفذه مسلحون ينتمون الى تنظيم القاعدة الارهابي أثناء أداء مراسيم قداس ميلاد السيد المسيح وانتهت الحادثة بتفجير المسلحين لأنفسهم ومقتل 58 شخصا وأصابة 78 آخرين ممن كانوا بداخل الكنيسة واحتجزهم المسلحون رهائن داخلها لساعات قبل أن يقتلوا بتفجيرات انتحارية نفّذها المسلحون بأنفسهم وكذلك بعمليات إطلاق نار في واحدة من جرائم الإرهاب البشعة التي ما زالت محفورة في ذاكرة العراقيين.
بناء الكنائس المدمرة واعادة الصلبان المحطمة
وزاد المسؤول العراقي "ان الاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة وتنظيم القدّاس وحضوري معكم هنا إنما هو علامة واضحة على أننا قد انتصرنا، ولم يحصد الإرهاب إلّا الهزيمة والهوان والنكران وبالمقابل أعاد العراقيون، من مختلف الأديان والمذاهب، بناء الكنائس المدمّرة، وأعادوا الصُلبان المكسورة، وتمسكوا بأخوتهم في الوطن".
وشدد بالقول"ان قوتنا في تنوّعنا، حيث أسهم هذا التنوّع والتعدد في ازدهار الأفكار ونمو الإبداع، وأعطى للعراق نكهته الخاصة، وهو من أهم الثروات الوطنية الواجب الحفاظ عليها".
وأكد الحرص " على وجود سائر المكوّنات العراقية، ولن ندّخر وسعاً للعمل لتهيئة الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الملائمة لتحقيق ذلك".
كما حضر السوداني قداسا آخر أقيم في كنيسة مار يوسف في بغداد وقدم التهاني إلى غبطة بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال لويس رفائيل ساكو وإلى العوائل المسيحية المشاركة في القدّاس والتقى بعدد من المواطنين المسيحيين.
الرئيس رشيد
ومن جهته حضر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد والسيدة الأولى شاناز إبراهيم أحمد ليل قداسي عيد الميلاد في كنيستي سيدة النجاة ومار يوسف في بغداد.
وهنأ رشيد في كلمة له مسيحيي العراق والعالم بحلول عيد الميلاد المجيد للسيد المسيح، مشيراً إلى أنها مناسبة مقدسة تُحييها المليارات من البشر في مختلف أنحاء العالم والبشرية جمعاء.
وأشار الى أن من مسؤوليته في مثل هذه المناسبة وفي مختلف المناسبات استذكار أرواح الشهداء من الرجال والنساء الذين قدموا التضحيات من أجل عراق قوي وحر وديمقراطي ومستقر.
وشدد رشيد على السعي من أجل وحدة جهود جميع العراقيين في سبيل عراق مزدهر يعيش فيه كل مواطنيه بسلام.
الحلبوسي والكاظمي
وعلى الصعيد نفسه فقد كتب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في تغريدة على تويتر قائلا "بحلول أعياد الميلاد المجيد نتقدم إلى الإخوة المسيحيين من أبناء شعبنا والعالم أجمع بالتهنئة الخالصة والتبريكات متمنين أن يكون عاماً محفوفاً بالوئام والمحبة وعالماً يسوده التعايش والتفاهم وأن يمن الله على بلادنا والبشرية جمعاء بالخير والسلام.
كما اكد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على ان ميلاد السيد المسيح يمثل المحبة والتواضع باعتبارهما النهج الوحيد للحياة.
وكتب الكاظمي على منصة تويتر قائلا "ميلاد السيد المسيح، مناسبة تحمل معها الكثير من المعاني الإنسانية والوطنية والاخلاقية التي يجب أن نتمسك بها والتي تزيدنا إيماناً قائلابأن قيم المحبة والتواضع هي النهج الوحيد لحياة تسودها العدالة والسلام بين كل البشر.. عيد ميلاد مجيد لاخوتنا المسيحيين على امتداد العراق والعالم ".
إقليم كردستان
أما رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني فقد أكد في رسالة الى مسيحيي العراق تمسك الاقليم بالتعددية والتعيش السلمي.
وقال " نؤكد من جديد أن إقليم كردستان سيظل كما هو دائماً معقل وأرض التعددية والتعايش السلمي وقبول الآخر والتسامح والوئام بين جميع مكوناته الدينية والقومية".
وشدد على العمل "جنباً إلى جنب مع أخواتنا وإخواننا المسيحيين والمكونات كافة على بناء الحاضر ومستقبل أفضل لأجيالنا القادمة، ومن أجل بلد يحمي حقوق وحريات كل مواطنيه بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية".
بدوره تعهد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني بالبقاء على وقال مسرور بارزاني، في بيان، إنه "لا يسعنا في هذه المناسبة المباركة، " ثوابتنا في ترسيخ ثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر وإشاعة روح التسامح والاعتدال والتكاتف بين مكونات شعب كردستان".
وقد أعلنت حكومة إلاقليم تعطيل الدوام الرسمي في الدوائر والمؤسسات الحكومية لمدة أسبوع كامل وذلك بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية بدأت إعتباراً من اليوم الاحد وتنتهي يوم الأول من شهر كانون الثاني يناير من العام 2023 حيث يُستأنف الدوام الرسمي في الادارات والمؤسسات الحكومية كافة في اليوم الثاني من الشهر نفسه.
ومن جانبها قررت الحكوم الاتحادية في بغداد تعطيل الدوام الرسمي اليوم الأحد وكذلك تعطيل الدوام الرسمي غدا الاثنين لابناء المكون المسيحي.
6 عائلانت مسيحية تهاجر العراق شهريا
يشار الى انه على الرغم من تأكيدات القادة العراقيين مرارا تمسكهم بالمسيحي كأحد مكونات البلاد الاساسية الا ان هجرتهم تشهد حاليا موجة جديدة الى الخارج بمعدل 6 عائلات شهريا كما أكد مسؤول مسيحي عراقي الاربعاء الماضي .
وقال مدير شؤون المسيحيين بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان العراق خالد جمال البرت أن مليوناً و300 ألف مسيحي يشكلون 70% من عدد مسيحيي البلاد قد تركوا العراق منذ عام 2003.
واضاف إن "مليوناً و800 ألف مسيحي كانوا يعيشون في العراق وفق إحصاءات ما قبل عام 2003 لكن بقي منهم حالياً وفق كنائسنا نحو 500 ألف شخص أي غادر مليون و300 ألف شخص العراق".
ولفت المسؤول المسيحي إلى بدء موجة جديدة لهجرة المسيحيين من العراق والاقليم موضحا ان 6 عوائل تغادر العراق شهريا.
وكان البابا فرنسيس قد أكد خلال زيارته الى العراق وإقليم كردستان في آذار مارس عام 2021 أن "وجود المسيحيين العريق وإسهامهم في حياة البلد يشكل إرثا غنياً".
وأضاف أن "مشاركتهم في الحياة العامة كمواطنين يتمتعون بصورة كاملة بالحقوق والحريات والمسؤوليات ستشهد على أن التعددية الدينية والعرقية والثقافية السليمة يمكن أن تسهم في ازدهار البلد وانسجامه".
يشار الى ان المسيحية هي ثاني أكبر الديانات في العراق من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام وهي ديانة مُعترَف بها حسب الدستور العراقي ويتوزع أبناؤها على عدة طوائف ويتحدث نسبة منهم اللغة العربية لغةً أمًّا في حين أن نسبةً منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية.
يُعتبر مسيحيو العراق من أقدم المجتمعات المسيحية المستمرة في العالم، والغالبية العظمى منهم هم من الآشوريين الأصليين الناطقين باللغات الآرامية الشرقية وهناك أيضاً مجموعة صغيرة من الأرمن والتركمان والأكراد والعرب المسيحيين.
وسياسيا فأن لدى مسيحيي العراق قانون أحوال شخصية خاص بهم، وتعتبر السريانية لغة رسمية في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية في شمال العراق. كما يوجد عدد من الأحزاب السياسية المسيحية التي تمثل المسيحيين في البرلمان العراقي.