شركة "المهندس" في العراق ... استنساخ لتجربة الحرس الثوري؟!!
العربي الجديد / بغداد:يُثير قرار الحكومة العراقية، تأسيس شركة عامة تحت مسمى "المهندس" ترتبط بـ"الحشد الشعبي"، مخاوف وأسئلة عديدة حول إمكانية أن تكون الخطوة "استنساخاً" لتجربة الحرس الثوري الإيراني، وتغوله داخل قطاعات التجارة والصناعة والإنشاءات داخل إيران.
ويمنح القرار الشركة صفة حكومية، أي أنها حتى وإن تعرضت إلى خسائر مالية في المستقبل، يمكن تعويضها من أموال الدولة العراقية، ناهيك عن كونها ستمثل غطاءً واسعاً لقادة الفصائل المسلحة لممارسة أنشطة تجارية مختلفة، لا سيما المدرجين على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، مثل قيس الخزعلي وأكرم الكعبي وريان الكلداني وآخرين.
وبحسب بيان صدر عن مكتب رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن "مجلس الوزراء وافق على تأسيس شركة عامة باسم (المهندس) برأسمال يبلغ مئة مليار دينار (68.5 مليون دولار أميركي) استناداً إلى أحكام المادة 8 من قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997"، من دون الإدلاء بتفاصيل أكثر عن هذا الموضوع.
سبب تسمية الشركة بـ"المهندس"
وعلى الرغم من أن المستفيد من القرار هم الفصائل المسلحة وأصحاب النفوذ في هيئة "الحشد الشعبي"، إلا أن الإعلام الخاص بهذه الجماعات لم يركز كثيراً على هذا القرار، ما يُفسر بأن الأموال الممنوحة لهذه الشركة، قد يتم تمييعها والاستيلاء عليها، وفقاً لباحثين.
والشركة سُميت تيمناً بالقيادي في "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، الذي قُتل في الغارة الأميركية التي استهدفت زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني 2020. ويؤكد أكثر من مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد"، أنها "لم تبدأ أي نشاط لها حتى الآن، إذ ينتظر الإعلان عن الشركة ومجلس إدارتها وطبيعة أنشطتها".
وتتمثل الخطوة الثانية من فكرة إنشاء الشركة، في تمدد "الحشد الشعبي" داخل الخريطة العراقية، بعد الاستحواذ على مصانع عراقية سابقة، والإعلان عن تدشين قسم للتصنيع العسكري خاص به، إلى جانب الحصول على معسكرات خاصة به، في شمال وشرق وجنوب البلاد.
ويأتي التوسع الجديد للمظلة التي تضم أكثر من 70 فصيلاً مسلحاً يوصف أغلبها بالحليف أو المرتبط بإيران، مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"النجباء"، و"الخراساني"، و"الإمام علي"، و"سرايا عاشوراء"، و"البدلاء"، وغيرها من الجماعات المسلحة، التي يبلغ إجمالي قوامها العددي أكثر من 115 ألف مقاتل وفقاً لبيانات حكومية صدرت في عام 2020، وارتبطت بإقرار الموازنة المالية المخصصة لهم.
ويشير القانون الذي بموجبه أقرت حكومة السوداني الشركة، إلى أنها معفية من الضرائب وفواتير الماء والكهرباء والوقود وغيرها، مثل الشركات المملوكة للدولة الأخرى، لكنها ستكون تحت إدارة "الحشد الشعبي"، كما أشار نص قرار تأسيسها.
وتضيف معلومات نشرها الباحث العراقي حارث حسن، أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي كان قد عطّل الموافقة على تأسيس شركة "المهندس"، لكن في الاتفاقات السياسية على تشكيل حكومة السوداني اشترطت الفصائل المسلحة الموافقة على تأسيسها، بناءً عل أسس قانونية مشكوك فيها لأن القانون العراقي لا يسمح للمؤسسات الأمنية بتشكيل شركات، والانخراط في الأنشطة الاقتصادية وإنشاء الاستثمارات.
ويبرز حسن في ورقة نشرها أن "هيئة الحشد الشعبي، استهلكت بالفعل معظم رأس المال السياسي والاجتماعي الذي بنته خلال الحرب ضد داعش، وبالتالي، هي بحاجة إلى رواية جديدة لتنميتها".
وفي السياق ذاته، قال الناشط السياسي العراقي أحمد حقي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "الشركة الجديدة ستحصل على عقود إنشاءات بالدرجة الأولى ويتوقع أنها ستتسع إلى جوانب تجارية أكثر تحت غطاء سياسي وفصائلي واضح".
وتابع حقي: "لن تستطيع أي شركة عراقية أخرى ولا حتى غير عراقية، منافسة شركة الحشد الشعبي، وسرعان ما سيتم تغليف أي مناقصة أو مزايدة تحال إليها، بعنوان دعم المقاومة وتحدي العقوبات الأميركية، ومن غير المستبعد أن يواجه من يحاول عرقلة عملها تهم التعامل مع الأميركيين بغية ابتزازه".
واعتبر حقي أن "دخول الشركة في أي نشاط تجاري او اقتصادي يعني ضرب فكرة مأسسة الحشد الشعبي واعتبارها جهازا أمنيا، وهذا ما يفسر محاولة تمرير الحدث من دون صخب وجعله بعد وقت أمراً واقعاً".
استنساخ تجربة الحرس الثوري في العراق
في السياق، قال عضو "جبهة الإنقاذ"، محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، إن "تأسيس شركة تابعة لهيئة الحشد الشعبي، هدفه السيطرة والاستحواذ على المشاريع في عموم المحافظات العراقية، لتحقيق مكاسب مادية واقتصادية ولتحقيق مكاسب سياسية بعيدة أيضاً".
وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تأسيس الشركة، يعني دخولنا بمرحلة جديدة من شكل الدولة العراقية يكون فيها للمؤسسات الرديفة، الدور الأكبر في إدارة الدولة، وهذا يعزز الدولة العميقة داخل الدولة الحقيقية للسيطرة على مقدرات العراق".
ولفت النجيفي إلى أن "تأسيس شركة المهندس أو غيرها من الشركات التابعة بشكلٍ مباشر لقادة الأحزاب الدينية والفصائل المسلحة، هو تكرار لنموذج الحرس الثوري الإيراني ومؤسساته، وهذا الأمر ربما يشكل تهديداً وخطورة حقيقية على الدولة العراقية في المستقبل القريب أو البعيد".
واعتبر أن "الاتفاقات السياسية التي عقدتها القوى الدينية وقادة الفصائل المسلحة، قبيل تشكيل الحكومة، وضعت شروطاً قاسية على السوداني في سبيل تحقيق المكاسب"، مضيفاً: "يبدو أن الحكومة الحالية لا تتأخر في الاستجابة لجميع هذه الشروط، وضمنها الامتيازات للفصائل المسلحة، مع إهمال كبير للقضايا الإنسانية العالقة، مثل إعادة النازحين إلى ديارهم ورفع هيمنة الفصائل الموالية لإيران على البلدات والقرى المفرغة من سكانها الأصليين، وبالتالي فإن هذه الحكومة تبدو وكأنها حكومة الحشد الشعبي بامتياز".
لكن للقيادي في "الحشد الشعبي" محمد البصري، رأيا آخر، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "خطوة تأسيس شركة خاصة لهيئة الحشد، تهدف إلى المساهمة في الإعمار وتأهيل البنى التحتية. وهذا أمر قانوني، فهناك الكثير من الشركات التابعة لمؤسسات الدولة والوزارات، وهيئة الحشد مؤسسة رسمية ولها قانونها الخاص الذي يسمح بهكذا توجه".
وأكد أن "الهدف من هذه الخطوة ليس تكرار أو تقليد أي جهة عسكرية أو أمنية، بل هناك رؤية حكومية بأن الحشد له الإمكانات الكبيرة في هذا المجال، بعد أن حقق إنجازات في مجال الإعمار والبناء".
وأضاف البصري أن "الأرباح التي ستتحقق من المشاريع التي ستعمل عليها وتنجزها شركة المهندس، ستكون عائدة للدولة العراقية، وليس هناك أي توجه اقتصادي لقادة الألوية في الحشد الشعبي، أو زعماء فصائل المقاومة الإسلامية، وراء هذه الخطوة، بل هي خطوة تدعم البرنامج الحكومي للحكومة الجديدة، التي تريد تحقيق طفرة حقيقية في ملف الخدمات".
في المقابل، رأى رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن "هيئة الحشد الشعبي تعمل منذ فترة طويلة على محاولة استنساخ تجربة الحرس الثوري في العراق، وخطوة إنشاء شركة مقاولات خاصة بهذه الهيئة جزء من هذا الحراك".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تشكيل هذه الشركة، والسماح للفصائل المسلحة باستمرار نشاطاتها الاقتصادية على مختلف الأصعدة، من بينها الفنادق الراقية وقاعات المناسبات والمطاعم والمقاهي وحتى الاستثمارات في مجالات البناء والحصول على تراخيص لاستيراد السلع والبضائع، ناهيك عن التصنيع العسكري، سيكون له نتائج اقتصادية سلبية على العراق، خصوصاً أنه سيمثل عنصراً طارداً لشركات الاستثمار الأجنبية".