قانون الجرائم الالكترونية... سلاح كاتم لحرية التعبير!!
د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
قانون الجرائم الالكترونية... سلاح كاتم لحرية التعبير!!
تم اعداد هذا القانون لاول مرة عام 2008 حيث عرض بمجلس النواب بدورته الثانية تحت اسم (قانون جرائم المعلوماتية) وتمت قراءته مرتين وتم تأجيله للدورة الثالثة، وأقرَّه المجلس عام 2011، الا ان احتجاج واعتراض منظمات حقوقية عالمية ومنها (هيومان رايتس ووتج) وأطراف حكومية أمريكية، أدى الى ان تتدخل الحكومة الامريكية لإجبار الحكومة والبرلمان على سحب والغاء القانون. وفي عام 1919 أعيد القانون للعرض حيث تم تغيير تسميته الى (قانون مكافحة الجرائم الالكترونية) لتفادي الاحتجاجات والاعتراضات على انتهاك القانون لحرية التعبير وحرية تداول المعلومات. وتمت قراءة القانون قراءة ثانية عام 2020 في مجلس النواب وتم الاتفاق على تمريره، ولكن تم تأجيله بسبب اعتراض منظمات حقوقية عراقية ودولية تعنى بالحريات العامة وحرية التعبير وتحذيرها من التداعيات الخطيرة المحتملة لتصويت مجلس النواب العراقي على (قانون يكمم الأفواه وينتهك الحريات)!!! وقد تم تغيير مسمى القانون لادعاء أنه لا ينتهك حق المعلوماتية بل يحارب الجرائم الالكترونية ولكن قراءة متأنية للقانون تؤكد أنه ما زال ينتهك حرية التعبير. على الرغم من إدراج نص في المادة الثانية من المشروع الأخير تشير إلى أنه يهدف إلى "توفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للحاسوب وشبكة المعلومات ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق مستخدميها".
أبرز الاعتراضات على مشروع قانون جرائم المعلوماتية:
1) انتقدت منظمات حقوقية جمع القانون بين الجرائم الالكترونية وبين الحريات والقوانين المتعلقة بها في ميدان الصحافة والإعلام والنقد السياسي وما ينشر عن قضايا الفساد، ومن شأن تشريعه أن يهدد أعداد كبيرة من العراقيين بالداخل والخارج بالملاحقة القانونية. كما ان بعض مواد القانون فضفاضة ويفرض عقوبات مغلظة وغرامات باهضه على المخالفين ويقيد حرية الصحفيين في متابعة انتشار الفساد في جهات معينة مثلا، كما يمكن استخدامه لمعاقبة صحفي انتقد أحد السياسيين او كشف فساد بعضهم. فضلا عن انه يضم موادا تنطوي على إجراءات خطيرة تسلب حرية الرأي والتعبير وتمنح السلطة صلاحيات واسعة لإصدار عقوبات تكمم الأفواه ووصفته بأنه قانون كاتم للاصوات وللحريات بل تم وصف مشروع القانون بأنه يمكن أن يضع نصف الشعب في السجن.
2) إضافة إلى ذلك، يجرّم القانون المقترح "الترويج للأعمال الإرهابية" دون تعريف محدد لهذه الأعمال وما المقصود بـ "الترويج"، خاصة وأن الإرهاب غير مُعرَّف بشكل واضح في القانون العراقي.
3) القانون يعد مخالفا للدستور في المادة (38) منه التي نصت على صيانة حق التعبير. وبذلك فان التصديق عليه يعد شرعنه رسمية للديكتاتورية وقمع الحريات.
4) القانون يهدد حرية الصحافة وينتهك حق الخصوصية للمواطنين لأنه يعطي السلطات الحكومية الحق في إجبار الصحفيين والمواطنين على الإفصاح عن جميع المعلومات والبيانات، بما في ذلك الشخصية منها تحت طائلة تغريمهم بالحبس أو الغرامة الكبيرة في حال امتنعوا عن الإفصاح وتقديم هذه البيانات.
5) ويبدو ان سبب إصرار بعض الجهات البرلمانية النافذة على إقرار القانون هو مخاوفها من حملات التسقيط التي تتعرض لها بعض الشخصيات السياسية وكشف عمليات أو تهم الفساد والتلاعب بالمال العام وغيرها من الفضائح في مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يسبب الكثير من الحرج لقادة هذه الكتل. وبعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة للاحتجاجات الشعبية وكان الإنترنت ومواقع التواصل السبب الرئيس في تحريكها واتساعها. إضافة إلى حاجة أحزاب داخل البرلمان وخارجه إلى ما بات يعرف بـ "الجيوش الإلكترونية" وهي منصات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل عناوين مزيفة يسخّرها الحزب أو قيادات سياسية وأمنية لمهاجمة الجهات والأحزاب المعارضة لها وقد يحرمها التشريع الجديد من هذه الجيوش.
إعادة مجلس النواب النظر في القانون:
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ناقش البرلمان العراقي نفس المشروع تم اعادة النظر بالمشروع واجراء تعديلات عليه في القراءة الثانية وتم الاستمرار بعقوبات السجن المؤبد. ولكن بعد الضجة التي اثيرت عاد مجلس النواب لقراءة القانون قراءة ثالثة وأجرى عليه تعديلات وخاصة في مجال العقوبات حيث خفض الحد الأعلى الذي كان (المؤبد) الى الحبس المؤقت بين خمس سنوات وسنة واحدة.
أضيفت لمشروع القانون مادة (تجميلية) لتطييب الخواطر وهي المادة رقم (4) تنص على: ((تضمن احكام هذا القانون حرية الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاعلامية في التعبير عن الرأي وحرية المعارضة الموضوعية والنقد البناء في الحدود التي اقرها الدستور والقوانين النافذة.))
الجرائم والعقوبات: وتضمن تجريم الأفعال التالية:
1) جرائم التعدي على سرية وسلامة البيانات والمعلومات الالكترونية ونظم المعلومات. وتضمنت:
· كل من تنصت لأي رسائل عن طريق شبكة المعلوماتية أو اجهزة الحاسوب او ما في حكمها او التقطها او اعترضها دون تصريح بذلك من الجهة المختصة او الجهة المالكة.
· كل من دخل عمداً دون ان يكون مصرحاً له موقعاً الكترونياً او نظاماً معلوماتياً او أحد اجهزة الحاسوب او ما في حكمها وقام بالاطلاع على محتواها او نسخها او قام بإلغاء البيانات او المعلومات المملوكة للغير او قام بحذفها او تدميرها او افشائها او تغييرها.
· كل من دخل عمداً موقعاً او نظاماً او اجهزة حاسوب او ما في حكمها بقصد الحصول على بيانات او معلومات تمس الامن القومي او الاقتصاد الوطني للبلد او قام بإلغاء بيانات او معلومات تمس الامن القومي للبلد او الاقتصاد الوطني او حذفها او تدميرها او تغييرها.
2- جرائم التهديد والابتزاز وتضمنت كل من استخدم شبكة المعلومات او أحد اجهزة الحاسوب او ما في حكمها بقصد تهديد او ابتزاز شخص اخر لحملة على القيام بفعل او الامتناع عنه ولوكان هذا الفعل او الامتناع مشروعاً.
3- الجرائم الواقعة على البطاقات الالكترونية وتضمنت كل من استخدم شبكة المعلومات او أحد اجهزة الحاسوب وما في حكمها للوصول الى ارقام او بيانات البطاقات الالكترونية او ما في حكمها بقصد استخدامها في الحصول على بيانات الغير او امواله او ما تتيحه تلك البيانات او الارقام من خدمات.
4- جرائم النظام العام والآداب وانتهاك حرمة الحياة الخاصة.. وتضمنت كل من استخدم اجهزة الحاسوب او ما في حكمها او شبكة المعلوماتية بقصد نشر او ترويج او شراء او بيع او استيراد مواد اباحية. ومنها استخدام شبكة المعلوماتية او أحد اجهزة الحاسوب وما في حكمها كالهواتف النقالة في انتهاك حرمة الحياة الخاصة او العائلية للأفراد وذلك بالتقاط صور او نشر اخبار او تسجيلات صوتية او مرئية تتصل بها ولو كانت صحيحة. وكذلك كل من استخدم شبكة المعلوماتية او أحد اجهزة الحاسوب وما في حكمها بقصد تحريض او اغواء ذكر او انثى على ممارسة الدعارة او في مساعدته على ذلك.
وقد جاء القانون بمواد غير مفهومة، منها جرائم المساس بالقيم الدينية والأسرية والاجتماعية، وهي غير واضحة وتدخل المُطبق للقانون في إشكالية فهم النص بسبب ضبابيته وعدم وضوح دلالاته ويربك من يطبق القانون.