«في الصداقة والصديق»
عائشة سلطان
«في الصداقة والصديق»
(هنا والآن) كتاب رسائل تبادلها الكاتب الأمريكي بول أوستر، مع الكاتب الجنوب أفريقي جي إم كوتزي، عبر ثلاث سنوات (2008 - 2011)، تناولا فيها كل شيء: الرياضة، مهرجانات السينما، الأبوة، القضية الفلسطينية، الفلسفة، الفن، العائلة، الاقتصاد، الحب والزواج … والكثير من الأفكار والقضايا التي حاولا من خلالها سبر تعقيدات اللحظة التي يعيشانها، بفكرين متقدين، عامرين بالنباهة والدهشة، ومن خلال تجاربهما الحياتية والكتب التي قرآها، وتلك التي ألّفاها.
وبما أننا بدأنا برسالة الكاتب جي إم كوتزي في الصداقة، التي فرّق فيها بين الحب والصداقة، والكثير غير القيم الذي كتب في الصداقة، مقارنة بالكثير المثير الذي كتب في الحب والغرام، وهو هنا يشير لما تضمه المكتبة الغربية بطبيعة الحال، فالأمر يستوجب التنويه إلى أن لدينا في المدونة العربية التراثية كتاباً في غاية الأهمية والقيمة، هو (في الصداقة والصديق) لأبي حيان التوحيدي، الذي عكف عليه منذ مطلع شبابه وحتى أواخر حياته.
إنه كتاب امتد تدوينه قرابة قرن من الزمان، ما يجعل هذا الكتاب بعد أن حُقق وطُبع، جديراً بأن يترجم لبقية اللغات، ويقدم للمكتبة الغربية، التي يؤكد كبار كتابها على أنها تفتقد إلى هذا النوع العميق من الكتب، حول هذا المعنى الجليل، مضافاً إليه معلومات وافية في الأدب والسياسة والتاريخ وعلم الفلك والطالع والنجوم.
لقد رافق التوحيدي القرن الرابع الهجري، الذي شهد أكثر عصور الخلافة العباسية ضعفاً وانحطاطاً، وكان على صلة بمشاكل عصره، التي انعكست بلا ريب في رسالته هذه عن الصداقة والصديق، ما يعني أن التوحيدي أراد الإشارة إلى أن الإنسان والأخلاق والعلاقات الإنسانية، إنما هي نتاج العصر الذي وجدت فيه، وأن الصداقة ليست بالأمر الهين، بل هي من ضرورات حياة الإنسان، ومن أسس العلاقات الاجتماعية، لها اشتراطاتها الصعبة، ولها قواعدها وأسرارها، لذلك، إذا قامت ونهضت بين الناس، فإنه يصعب فصمها أو التخلص منها بسهولة، لأنها تتأسس على اختيار عقلاني، لا على المصادفة والانجذاب الشعوري أو العاطفي، كالحب والغرام.