نسميه الخليج العربي ويسمونه الخليج الفارسي
قاسم محمد داود
نسميه الخليج العربي ويسمونه الخليج الفارسي
يعتقد القومي الإيراني دائماً أن قوميته يجب ان تحترم في منطقة عربية لا يقيم لها هو أي وزن، لذلك إذا أردت أن تثير غضب الحكومة الإسلامية في إيران فقط أكتب أو أنطق كلمة "الخليج العربي" وسوف يُصب عليك كل الغضب وتنهال عليك الاحتجاجات والشكاوى كما حدث لـ ( جياني إنفانتينو) رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عندما نطق بالكلمة المحرمة، وذلك اثناء حضوره حفل افتتاح دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم التي أقيمت في البصرة يوم 6 كانون الثاني 2023، ثم كتب تدوينه على فيس بوك يعبر فيها عن مشاعره تجاه التنظيم العراقي لافتتاح الطولة فقال: "كان من الرائع حضور حفل الافتتاح والمباراة الافتتاحية لكأس "الخليج العربي" 2023 في البصرة بالعراق". ولم يقتصر الغضب على إنفانتينو بل تعدى وشمل حكومة العراق (الشقيقة) حسب وصف مذكرة الاحتجاج التي قدمت للسفير العراقي في طهران وأخرى لمنظمة الـ (فيفا).
طبيعة هذا الاحتجاج الإيراني تخرجه من الجانب الرياضي وتدفعه نحو السياسة والحس القومي العتيق. بالنسبة لهم "الخليج العربي" ليست مجرد توصيف او تسمية لمسطح مائي يتشارك فيه العرب والإيرانيين وتستخدمه دول العالم كممر ملاحي عالمي، بل هي اعتداء على الجسد والحس القومي الإيراني. وعند التدقيق في هذا الاحتجاج وهذا الغضب الإيراني الذي يثيره اسم الخليج العربي علينا أن نبحث الأمر بالشكل الآتي:
اولاً: بحجة اسمه التاريخي "الخليج الفارسي" حسب الجانب الإيراني تثار هذه الاحتجاجات وتنسى إيران انها تخلت عن تاريخها والغت أسم فارس الرسمي عام 1935 وحولته إلى إيران، فهي لم تعد تسمى بلاد فارس كما معروف عنها لدى الإغريق والرومان، بل غيرت التسمية إلى إيران من أجل نسيان بعض جوانب تاريخها الذي لا يعجبها. وتفيدنا، المصادر التاريخية والجغرافية بأن أقدم أسم معروف للخليج هو اسم (بحر ارض الإله) ولغاية الألف الثالثة قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه بحر (الشروق الكبير) حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي بحر الكلدان في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه (بحر الجنوب) خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد. وقد سماه الآشوريون والبابليون والأكديون (البحر السفلي)، ويقابله البحر العلوي وهو البحر الأبيض المتوسط. كما أُطلق عليه اسم (نارمرتو) "أي البحر المر" من قبل الآشوريون. وسماه العرب (خليج البصرة) أو "خليج عمان" أو "خليج البحرين" أو "بحر القطيف" لأن هذه المدن الثلاث كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه وتسيطر على مياهه. ويعود اسم (بحر البصرة) إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وظل هذا الاسم متداولاً حتى العصر العثماني الذي ترجمه إلى (بصرة كورفيزي). نفهم من ذلك أن الأسماء لصيقة بالظروف التاريخية التي ولدت ونشأت وتكرست ثم زالت أو تم تحريفها أو تغيرها جذرياً واستبدالها فيها.
ثانياً: خضع الخليج الذي سماه سكان بلاد الرافدين القدماء "البحر السفلي" وبلاد الرافدين كلها بعد سقوط بابل في عهد الغازي قورش، للاحتلال الفارسي الأخميني ثم الفارسي الفرثي، ثم الفارسي الساساني، حتى الفتح والتحرير العربي الجزيري لها، أي طوال أكثر من ألف عام، وأصبحت بلاد الرافدين جزءاً من بلاد فارس والتي كانت عبارة عن رقعة صغيرة ومنعزلة تقع في الهضبة الإيرانية ثم اتسعت خلال فترة قصيرة حتى شملت أجزاء كبيرة من المنطقة، وسقطت نسختها الساسانية بعد الإسلام وقامت الدولة العربية الإسلامية الأموية ثم العباسية على أنقاضها. إذن طيلة ألف عام من الاحتلال الفارسي اكتسبت الأسماء الجغرافية تداولاً ووثائقياً صفة فارسية، فأصبح الخليج وبلاد الرافدين المحتلة كلها جزءاً من بلاد فارس حتى حرب الفتح والتحرير العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي وتدمير الإمبراطورية الفارسية، بل أن الوثائق والخرائط الأوربية وبسبب الجهل أو التحامل ظلت حتى بدايات القرن الماضي تعتبر العراق جزءاً من بلاد فارس مع أنه واقع تحت الاحتلال العثماني التركي.
ثالثاً: بالإضافة إلى أن اسم "الخليج العربي" تاريخي وقديم فأن ظرف الواقع اليوم يبرر هذا الاسم لأن ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، في حين تطل إيران على نحو الثلث، وحتى السواحل الإيرانية تقطنها قبائل عربية سواء في الشمال (إقليم الأحواز) أو في الشمال الشرقي في العديد من مدن بو شهر. كما أن العرب يشكلون سكان أهم جزيرتين مسكونتين في الخليج العربي وهما جزيرة البحرين وجزيرة قشم. وبالتالي فمن الأولى تسمية الخليج وفق الشعب الذي يسكن جزره وسواحله، ولكن السلطات الإيرانية في العصر الحديث تريد استثمار التسميات التاريخية المناسبة لعصبيتها القومية والتي وجدت في عصر احتلال الفرس لبلاد الرافدين، ويشاركها في ذلك قوى عالمية، وإذا كان ذلك من حق الفرس، فمن حق العرب في المقابل أن يسموا الخليج بـ (الخليج العربي) وفق الأسباب التي ذكرناها.
رابعاً: لو طبقنا الفكرة الإيرانية بجعل التسميات التاريخية القديمة أسماء معاصرة لكان من حق العرب ان يطلقوا على إيران أسم "عراق العجم" وهو من الأسماء المشهورة التي وردت في كتابات الراحلة والبلدانيين العرب حيث كان يطلق هذا الاسم على إيران الحالية (شرق عراق العرب) بما في ذلك مدن مثل أصفهان والري وقزوين وكرمنشاه وتعرف هذه المنطقة أيضاً باسم "إقليم الجبال"، وكان يطلق على العراق الحالي (عراق العرب) وهو العراق القديم بلاد الرافدين.
وفي الختام من الغريب جداً أن السلطات الإيرانية رغم شعاراتها ومسمياتها الإسلامية، أثبتت أنها لا تقل تعصباً قومياً من النظام الملكي السابق لها في الدفاع عن اسم "الخليج الفارسي"، وتحاول فرضه بطريقة قمعية وتعاقب كل من يستعمل تسمية أخرى، وضمن هذه النزعة القومية المتشددة فقد غيرت إيران اسم شط العرب العراقي في جميع المصادر والخرائط العالمية إلى تسمية فارسية هي (أرود رود) ولم نسمع بأي احتجاج من السلطات العراقية.
وقد يقال عدم ضرورة وصحة الرد على التعصب القومي الفارسي في إيران بتعصب قومي عروبي مضاد حول هذا الموضوع، فإن من الصحيح أيضاً عدم التنازل عن الثوابت التاريخية والجغرافية والواقع الحالي، لذلك أن من حق العرب أن يسمون هذا الخليج باسم (الخليج العربي)، وليسموا هم الخليج بالاسم الذي يريدون بشرط عدم فرضه على الآخرين في المنطقة والعالم، فلم يعد هناك مكان في العصر الحاضر للهيمنة وفرض الآراء والتعصب القومي الأعمى من أي طرف كان على شعوب المنطقة.