قصة قصيرة - معجزات حقيقية / معجزة رقم ٢ (الكنز)
بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - معجزات حقيقية/معجزة رقم ٢ (الكنز)
الكثير من القراء يعرفون انني انتقلت للدراسة من العراق الى بريطانيا عام 1970 بعد اتمام الثالث المتوسط وبقيت هناك حتى التخرج. تبدأ قصتي اليوم اثناء وجودي في لندن بصيف 1974 وقتها كان عمري 20 سنة. ولكي يفهم القارئ حالتي المادية فسوف اشرحها باسهاب لانني درست ببريطانيا على نفقتي الخاصة وكانت الوالدة رحمها الله تبعث لي مبلغاً من المال وقدره 100 دينار عراقي كل ثلاثة شهور على شكل تحويل مصرفي من بنك الرافدين. هذا المبلغ كان يُصَرّف بذلك الزمان الى ما يقارب من 150 باوند استرليني وبالمقارنة، فانا كنت من الطلاب المحظوظين بين اقراني الطلبة الاجانب إذ كانوا يتلقون مبالغ من بلدانهم اقل من ذلك بكثير. ولكي يستطيع القارئ ان يتخيل الاسعار بذلك الزمان فعينة من الاسعار كانت كالآتي:
اجار غرفتي 3 باوند بالاسبوع.
وجبة طعام بمطعم متوسط الفئة تبلغ 80 بنس اي 80% من الباوند.
قطعة خبز (لوف) كبيرة مقطعة الى شرائح 5 بنس.
بطاقة الحافلة بين 5 الى 10 بنس يعتمد على المسافة.
غالون البنزين المساوي لـ 4 لترات للسيارة 36 بنس.
سعر سيارة مستمعلة عمرها 10 سنوات 80 باوند استرليني.
علبة كوكاكولا 5 بنس.
علبة سجائر فاخرة من نوع دنهل 30 بنس. علبة سجائر رخيصة 10 بنس.
بطاقة طائرة مرجعة (لندن - بغداد) 140 باوند.
كان المبلغ الذي يصلني لاسحبه من مصرف الرافدين فرع لندن واودعه في حسابي بمصرف بريطاني يدعى لويدز بانك Lloyds Bank. وعندما يجير الصك في حسابي كانت تبدأ بالمبلغ المودع اي 150 باوند ويتناقص الرصيد تدريجياً حتى يصل الى 0 بعد مرور ثلاثة اشهر فاشد الرحال وقتها الى منطقة بانكس بلندن اين يكمن مصرف الرافدين لاستلم الحوالة الموالية على شكل صك مصرفي وهكذا دواليك.
[size=32]المعجزة[/size]
باحدى ايام حزيران من عام 74 ذهبت للمصرف الانكليزي لويدز بانك لاتفحص حسابي عبر موظفة البنك. لا اخفيكم سراً، لم اتوقع الكثير من المال كان قد تبقى بالحساب وكما نقول بالعراق (چعب شهر). فسألتها على كشف الحساب فطَلَبَتْ مني ملأ قسيمة، فملأتها ووقعت اسمي A. Fakhri طلبت مني الانتظار قليلاً ثم عادت واعطتني ورقة كتب عليها (لدى العميل المدرج اسمه اعلاه مبلغاً وقدره 10000.20 عشرة آلاف باوند وعشرين بنساً).
اول شيء عملته عندما رأيت المبلغ هو انني قمت بدعك عيني ثم صفعت وجنتي لانني بدأت ارى اشباحاً تتراقص حولي. تفحصت الورقة ثانية وتأكدت انني لا احلم. هل يعقل ذلك؟ لدي اكثر من 10000 باوند بالحساب. وللعلم، ففي ذلك الزمان كان هذا المبلغ يشتري لك عشرة منازل بضواحي لندن او سيارة جديدة فارهة او شيئ من هذا القبيل. وكذلك للعلم فقط، فانا استلم 150 باوند كل ثلاث اشهر اي ان الوالدة رحمها الله كانت تبعث لي ما يقارب من 600 باوند في العام الواحد. فكيف يكون عندي 10000 باوند؟ هذا المبلغ يساوي ما يقرب من 17 مرة دخلي السنوي. بدأت الشياطين تتراقص امام عيني ورحت ابتسم ابتسامة كلها خبث ودهاء لكن بذرة الخير التي ورثتها عن عائلتي منعتني مما كنت افكر به وما يوسوس لي الشيطان. كان بامكاني طبعاً ان اسحب المبلغ باكمله وعندما يكتشفون الخطأ ادعي وقتها انني قامرت بالمبلغ باحدى ناودي القمار وخسرته باكمله فتدفع الموظفة المسكينة ثمن خطأها. لكن شيئاً ما تحرك بداخلي فسألتها،
- هل انت متأكدة من الرصيد؟
الموظفة : بالتأكيد سيدي. هل تريد سحب ام ايداع؟
- لا هذا ولا ذاك، اريدكِ ان تتأكدي من المعلومة لو سمحتِ.
الموظفة : حسناً سافعل ذلك.
غابت الموظفة بضع دقائق ثم عادت وقالت،
الموظفة : انت اسمك A. Fakhri اليس كذلك؟
- اجل هذا صحيح.
الموظفة : إذاً فحسابك فيه رصيد قيمته 10000.20 لا شك في ذلك.
وقتها حللت ان الوالدة رحمها الله ربما تكون قد وجدت طريقة لتحول لي مبلغاً كبيراً كجزء من حصتي في ميراث والدي. لكن الوالد توفي في عام 1966 اي 8 سنوات خلت. فكيف تبعث هذا المبلغ المهول الآن؟ المسألة فيها انّ بلا شك. رجعت الى منزلي وانا اضرب اخماساً باسداس وافكر بالثروة التي نزلت عليّ فجأة وصرت اغوص باحلام اليقظة. احلام اليقظة، احلام اليقظة اجل وجدتها، انا اعلم جيداً ان في العام الذي سبق اي 1973 جائت اختي الكبرى الحاجة احلام لزيارتي وارادت ان تفتح حساب بلندن ففتحت لها حساباً بنفس المصرف ونفس الفرع. وبما ان اسمها احلام فخري وبالانكليزية A. Fakhri فقد يكون هناك تشابه بالاسماء. دعني استفسر من اختي ان كانت قد حولت لحسابها مبلغاً مثل هذا. ركبت على الفور حافلة وتوجهت بها الى منطقة ڤكتوريا حيث البريد المركزي، دخلت وطلبت كبينة تلفون لاتصل ببغداد. وعندما حان دوري، نودي على اسمي فدخلت الكابينة واتصلت ببيت اختي الحاجة احلام لترد علي الحاجة احلام بنفسها، حييتها وفتحت الموضوع دون تردد،
- هل تصدقين يا احلام، لقد رزقني الله فجأة 10000 باوند في حسابي المصرفي؟ لذلك اشتريت سيارة آخر موديل وبيت بقلب لندن. ماذا تعتقد اخي القارئ كان رد فعل اختي؟
الحاجة احلام : بالف هناء وشفاء حبيبي ولكن هذا هو المبلغ الذي بعثته انا لحسابي بلندن. وذلك لغرض العلاج.
وقتها ضحكت ضحكة طويلة ومدوية وقلت لها بانني كنت امازحها وانني لم المس قرشاً واحداً من ذلك المبلغ. اردت فقط ان اتأكد من ان المبلغ يعود لها.
اخي القارئ، كانت هذه هي المعجزة التي مررت بها في ذلك اليوم لكنها لم تدم طويلاً لانها لم تكن معجزة بالمعنى الصحيح بل كانت غلطة في تطابق الحرف الاول من اسمي واسم اختي (A) احمد و (A) احلام مما جعلني اغرق باحلام وردية.
[size=32]...تمت...[/size]