قصة قصيرة / معجزات حقيقية - معجزة رقم ٥ (الخطأ الصواب)
بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة /معجزات حقيقية - معجزة رقم ٥ (الخطأ الصواب)
وقعت احداث هذه القصة عام 1979 حين كنت اسكن بالقرب من شارع بورتابيلو الشهير بلندن واليكم القصة.
في تلك السنة اي 79 بلغت المرحلة المنتهية من الدراسة وعلي ان اكرس كل طاقاتي لكي اتخرج واحصل على شهادة الهندسة التي تغربت من اجلها لسنين طويلة. لذا، لم يكن في نيتي السفر للوطن بكانون الاول من ذلك العام الا ان مساعيي لاقناع زوجتي كي تحذو حذوي بائت بالفشل. لذا (((اتخذنـا))) القرار بان تعود هي لوحدها الى بغداد فتزور اهلها لمدة شهر كامل. وبعد ان اكملنا جميع الاستعدادات واقتنينا تذكرة الطائرة. جاء يوم السفر فوضعتُ حقائبها في السيارة لننطلق بها الى مطار هيثرو كي تستقل طائرة الخطوط الجوية العراقية من هناك وترحل الى بغداد. لكننا كنا قلقين جداً لاننا نسينا اعلام عائلتها بتاريخ وساعة الوصول. وبما ان الطائرة ستصل بغداد بعد منتصف الليل فقد كانت زوجتي جداً قلقة من ان تستأجر سيارة تاكسي وحدها بتلك الساعة المتأخرة من الليل وتذهب بها الى بيت والدها. لذلك طلبت مني ان نذهب الى البريد المركزي بمنطقة فكتوريا في طريقنا للمطار لنتصل باهلها ونخبرهم بموعد وصولها. قلت لها ان الوقت يداهمنا وسوف نتأخر عن موعد اقلاع الطائرة لو فعلنا ذلك. لذا ساخذها الى المطار اولاً، وعند رجوعي من المطار، فساتوجه الى البريد المركزي واجري مكالمة دولية الى بيت والدها لاخبرهم بموعد وصولها.
دخلت زوجتي صالة المغادرة ورجعت انا الى سيارتي لاقودها رجوعاً الى بيتي وانا استمع لاغنية ام كلثوم (سيرت الحب). وعند وصولي البيت خلعت ملابسي واخرجت بعض الطعام من الثلاجة لاتناول وجبة غدائي واتفرج على برنامج كوميدي على التلفاز بعنوان "انتبه على لغتك". وفجأة تذكرت وضربت على جبيني بقوة، يا للهول لقد مر على اقلاع الطائرة 3 ساعات وانا لم اخبر والدها انها ستصل غضون ساعات قليلة. يجب عليّ ان ارتدي ملابسي من جديد واذهب الى منطقة ڤكتوريا لاجري مكالمة دولية.
ركبت سيارتي وصرت اقودها بجنون كي اصل البريد المركزي واجري المكالمة بالوقت المناسب.
دخلت مبنى البريد المركزي فرأيت الكثير من الناس ينتظرون دورهم لاجراء مكالمات دولية. اخذت من الجهاز بطاقة عليها رقم فعلمت ان دوري سوف يأتي بعد حوالي 25 شخصاً. لذلك جلست بكل صبر انتظر دوري. وبعد ما يقرب من ساعة رأيت رقمي في اللوحة الالكترونية فدخلت الكابينة لاجري المكالمة. القانون يقول ان لديك الحق اجراء مكالمة واحدة فقط كي تفسح المجال لاناس آخرون غيرك يودون استعمال الهاتف بعدك. اخرجت رقم الهاتف من جيبي وصرت اسجل الارقام على قرص الهاتف فسمعت الرنين ثم صوت شاب يرد على الهاتف. ولكن بحسب علمي فإن بيت اهل زوجتي ليس لديهم شبان بل 5 فتيات واخ صغير السن فقط وهم اخوات زوجتي. فمن اين ياتى صوت هذا الشاب؟ ترددت قليلاً ثم سألته،
(وللعلم اسم زوجتي سميرة)
- اهذا بيت سميرة؟
الشاب : من الطالب؟
- اريد ان اعرف إن كان هذا بيت سميرة ام لأ.
الشاب : سوف لن اجيب على سؤالك قبل ان تقول لي من انت.
- انت تضيع وقتي الثمين يا فتى فانا اتصل من لندن، ارجوك اخبرني إن كان هذا بيت سميرة ام لا؟
فجأة اخذت سماعة الهاتف من الشاب امرأة راشدة وقالت،
المرأة : من انت وماذا تريد؟
- سيدتي العزيزة هل انت ام سميرة؟
المرأة : ومن هي سميرة؟
- سميرة هي زوجتي، اريد ان اعرف إن كان هذا بيتها؟
المرأة : اجل، اجل افهمك ولكن ما اسم سميرة الكامل؟
- سيدتي، انا اتصل من لندن. والمكالمة تكلفني مبلغاً كبيراً. انا لا استطيع ان اجري مكالمة اخرى لوجود طابور كبير على الهواتف الدولية. اردت فقط ان اعرف إن كنت اتصل بالرقم الصحيح. فهل هذا بيت ابو سميرة؟
هنا وقعت المعجزة التي صدمتني حين قالت،
المرأة : اهذا انت يا احمد؟
- اجل من تكونين يا سيدتي؟
المرأة : انا زوجة عم سميرة. انت اتصلت ببيت عم سميرة عن طريق الخطأ.
- ربما كان رقم هاتفكم شبيه برقم هاتف ابو سميرة. اليس كذلك؟
المرأة : كلا ابداً، رقم هاتفنا لا يشبه رقم هاتفهم البتة. ولكن اخبرني بماذا تريد وساطلب هاتفهم بعد ان اعلق الخط معك او اقوم ببعث ابني حمودي الذي رد عليك قبل قليل كي يذهب اليهم ويخبرهم برسالتك.
- إذاً هل لي ان اطلب منك كي تخبروا بيت ابو سميرة ان زوجتي سوف تصل اليوم على الخطوط الجوية العراقية مع الساعة 12 ليلاً؟
المرأة : ساتصل بهم او ابعث ابني احمد ليبلغهم فوراً لا تقلق.
- شكراً لك سيدتي.
اغلقت الهاتف ورجعت الى منضدة الموظفة كي اطلب مكالمة ثانية لانني كنت اشك ان حمودي قد لا يذهب الى بيت ابو سميرة فيبلغهم برسالتي. اعطتني الموظفة رقماً جديداً يبعد حوالي 35 شخصاً. لذلك انتظرت لاكثر من ساعة كاملة ثم دخلت الكابينة من جديد وطلبت الرقم. هذه المرة تأكدت من انني قمت بطلب الرقم الصحيح فسمعت الهاتف يرن ورد عليّ صوت سيدة تعرفت عليها جيداً قالت،
ام سميرة : تفضل من الطالب؟
- هل انت ام سميرة؟
ام سميرة : اجل انا ام سميرة من انت؟
- انا احمد اتكلم معك من لندن. اردت ان اخبرك ان سميرة...
قاطعت حديثي وقالت،
ام سميرة : اجل، اجل نعلم ذلك فهي ستصل اليوم الساعة 12 ليلاً. لقد جائنا احمد ابن عم سميرة ليخبرنا بما طلبت منهم.
- حمداً لله. الآن اطمأن قلبي عليها.
وضعت السماعة ورجعت الى سيارتي وانا افكر مع نفسي، "كيف اخطأ الهاتف؟ من دون كل هواتف بغداد التي يبلغ سكانها المليونين ونصف، كيف تَحَوّلَ وذَهَبَ الى بيت عم زوجتي؟" الا يندرج ذلك تحت بند المعجزات؟
[size=32]... تمت...[/size]