قصة قصيرة / معجزات حقيقية معجزة رقم ٦ (معوضين)
بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة/ معجزات حقيقية معجزة رقم ٦ (معوضين)
ساختم مسلسل معجزات حقيقية بهذه القصة التي هزتني قبل ما يقرب من 18 سنة ,جعلتني اقصها على اولادي واحفادي وجميع اصدقائي كلما سنحت الفرصة، لان فيها الكثير من العبر. والآن اليكم القصة كما انزلت:
كانت احداثها في عام 2005 ولكي اعطيكم خلفية للاحداث عليكم ان تعلموا انني كنت اتقاضى مرتباً جد هزيل من الدولة الدنماركية لا يزيد عن 8 آلاف كرون وهذا المبلغ بالكاد يسد الرمق وعادة ما ينفذ بالاسبوع الثالث من كل شهر فابقى اتدبر امري بما يحتويه المجمد من اطعمة. لكن اي مصاريف اضافية تحال امرها الى بداية الشهر الموالي.
في تلك الفترة كانت لدي سيارة فورد قديمة عمرها يزيد عن 13 سنة وهي تثقل كاهلي باعطالها الكثيرة لكنني لا اقوى على شراء البديل. وفي احدى المناسبات وقع عطل كبير فيها تطلب اصلاحه لدى الميكانيكي على جناح السرعة. كان ذلك يوم الخامس عشر اي من منتصف الشهر. اتصلت بصديقي الميكانيكي ابو محمد (الفلسطيني) واخبرته بالمشكلة فطلب مني احضارها كي يلقي عليها نظرة. في ذلك اليوم استيقظت مبكراً واخذتها له كما طلب مني. وعندما تفحص المحرك قال انه يجب تغيير احدى قطع الغيار المهمة بشكل عاجل والا فانها قد تتسبب بكارثة وشيكة. سألته وقتها عن كلفة التصليح قال انها ستكلف 500 كرون كاملة. طلبت منه ان يبدأ بالاصلاح باسرع وقت ممكن لان لدي موعد مهم جداً بالمشفى يجب علي الذهاب اليه بنفس ذلك اليوم. اكد لي ان تغيير القطعة سوف لن يستغرق وقتاً طويلاً فوافقت (مكره اخاك لا بطل). بدأ ابو محمد يفك القطعة القديمة ويستبدلها بقطعة جديدة وعندما انتهى من عمله اخبرني ان كل شيء صار على ما يرام وانا ستغرد كالنحلة (بصراحة عمري لم اسمع بنحلة تغرد). اخبرته انني ساذهب للبنك كي اسحب له المبلغ من الصراف الآلي واعود على الفور. انطلقت بسيارتي استمتع باختفاء الاصوات المرعبة التي كانت تصدرها سيارتي عند المسير وما هي الا دقائق ووصلت البنك فنزلت ووضعت بطاقتي الالكترونية لاطلب كشفاً بالحساب واذا بي ارى ان لدي 512 كرون فقط وهذا ما تبقى لي حتى بداية الشهر الموالي هنا دق ناقوس الخطر اي ان هذا المبلغ يجب علي ان اتدبر به امري لمدة اسبوعين. ولو اعطيته الـ 500 فسوف لن يبقى عندي سوى 12 كرونة اي ما يساوي حوالي دولارين فقط فما العمل؟ الرجل قام بتغيير القطعة التالفة بقطعة جديدة وعلي دفع المبلغ كاملاً؟ سحبت الـ 500 كرون ليبقى لي 12 كرون في قعر حسابي وامري الى الله. وضعت المبلغ بجيبي وركبت سيارتي لارجع للميكانيكي ابو محمد وعطيه اجرته على جناح السرعة ولكي الحق بموعدي بالمشفى فالوقت يداهمني. وصلت ورشة ابو محمد ونزلت من السيارة لاعطيه المبلغ فماذا كان رده؟ الرجل قال باللهجة الشامية (معوضين). نحن العراقيون لا نستعمل هذا المصطلح لكنهم يقولون معوضين بمعني ان الله سيعوضك عن خسارتك. انا طبعاً وبالرغم من ايماني العميق بالله تجاوزت كل حدود الايمان ورديت عليه بسري حين قلت، "ومن اين سيعوضني ربي؟ هل سيمطر الله علي المال من السماء؟ فالحساب لم يبقى فيه سوى 12 كرونة. الا انني لم انبس ببنت شفة، بل شكرته على عمله ورجعت لسيارتي محاولاً اللحاق بموعدي بالمشفى. اثناء تلك الرحلة كانت لدي مشاعر متداخلة وانا اقود سيارتي. فمن ناحية كنت سعيداً لان عطل السيارة قد اصطلح امره ولم يعد يقلقني ومن ناحية اخرى فانا ضحيت بآخر مبلغ عندي بحسابي المصرفي ولم يبقى فيه شيئٌ يذكر. كيف ساتدبر امري؟ ممن ساتسلف مبلغاً لاكمل به الشهر؟ نظرت بتلك اللحظة الى عداد الوقود فوجدته يشير الى احتوائه على ربع الخزان. حسناً، انه كاف لان يوصلني للمشفى ويرجعني الى بيتي فيما بعد وربما يبقى منه الشيء القليل. وماذا عن الطعام وماذا عن الادوية؟ فما من مرة ذهبت للمشفى الا وكتبوا لي وصفات تثقل كاهلي بعلاجات قد تصل اسعارها الى 1000 او 2000 كرونة، فماذا سافعل وقتها؟ كم انت ساذج يا ابو محمد! كيف تقول لي معوضين؟ هل ستنزل على رأسي الكرونات من السماء؟ هل ساوقف سيارتي بمراب المشفى لارى 500 كرون ملقاة على الارض؟ ما هذا الجنون؟ يجب علي ان اكون واقعياً. يجب علي ان اقوم بشيء، ولكن ما هو الشيء الذي استطيع القيام به وانا مثقلٌ بالمرض؟ من اين سيعوضني الله بالمال؟ واي صديق سيستطيع ان يقرضني بعض المال؟
دخلت باب المشفى وانا اسابق الزمن لان هناك قانون بالدنمارك اصدرته وزارة الصحة يقول ان من يتأخر عن موعد الطبيب بالمشفى عليه دفع غرامة قدرها 500 كرون. لا اريد ان اطيل عليكم، وصلت مكتب التمريض دقيقتان بعد الموعد فبدأت بالاعتذار للممرضة التي تعرفني جيداً والتي تبسمت بوجهي وقالت،
الممرضة : لا تقلق يا فخري، لازال هناك الكثير من المرضى قبلك، فموعدك لم يحين بعد.
- حمداً لله. كنت خائفاً من ان اتغرم بسبب تأخري.
هنا حصلت المعجزة الكبيرة والصادمة. انها شيء لم اتوقعه ابداً ولا حتى بعد مليون سنة. فقد نظرت الممرضة الى وجهي وابتسمت ثم سألتني،
الممرضة : هل تريد ان تكسب المال؟
- كيف ساكسب المال؟ هل ستطلبين مني غسل الصحون؟
الممرضة : انا جادة يا فخري. هل تريد ان تكسب المال؟
- بالتأكيد ولكن كيف؟
الممرضة : هناك مجموعة دارسة بالعاصمة كوبنهاكن تجري دراسة على مرضى الربو وهم يريدون ان يستجوبوك عن مرضك. واذا وافقت فانهم سيعطوك بعض المال.
- كم سيعطوني بنظرك 100، 200،500 كرون؟
الممرضة : اعتقد انهم سيمنحوك 2500 كرون.
هنا اصبت بالدهشة فسألتها،
- هل تمزحين يا آنسة؟
الممرضة : ابداً، ابداً، كل ما عليك فعله هو ان تجيب على بعض الاسئلة.
- وهل علي الذهاب الى العاصمة كي يجرون الاستجواب هناك؟ فانا لا املك وقوداً كافياً بسيارتي.
الممرضة : كلا بالتأكيد لا، سيجرون معك المقابلة عبر الهاتف. المقابلة ستدوم ما يقرب من الربع ساعة.
- ومتى سيمنحوني المبلغ؟ بعد شهر او شهرين؟
سيبعثون لك صك بالبريد قبل بدئ المقابلة.
- اجل، اجل بالتأكيد اريدهم ان يقابلوني. انا مستعد من البارحة.
سجلت الممرضة رقم هاتفي الشخصي وطلبت مني الانتظار حتى يحين دوري لتبدأ الفحوصات. جلست بغرفة الانتظار وانا احاور نفسي واكرر الاستغفار لانني كفرت. اجل كفرت ولم اكن لاعلم ان الله كان يستمع اليّ عندما قلت، "من اين سيعوضني الله بالمال؟" يا لي من انسان جاحد. لقد نطقت كلمة الكفر بسري قبل مجرد نصف ساعة وانا في طريقي الى المشفى. لكن الله اراد لي ان ارجع الى الطريق المستقيم. كفرت به لانني فقدت 500 كرون فأغدق علي بمبلغ هو خمسة اضعاف ذلك المبلغ الذي خسرته على سيارتي. هذه من معجزات الله. الحمداً لك والشكر يا ربي.
بعد ان اكملت مقابلتي مع طبيبي الاستشاري رجعت بيتي وانا في غاية الغبطة والسعادة لان الله كان الى جانبي ولم يفارقني وانا بمحنتي بالرغم من ايماني، فقد زغت عن الطريق المستقيم.
دعني لا اطيل عليكم الحديث. بعد مرور ثلاثة ايام تلقيت في صندوق البريد صك بمبلغ 2500 كرون اودعته بحسابي المصرفي على الفور من دون تردد او تأخير. وما هي الى ايام حين تلقيت مكالمة هاتفية من الجهة الدارسة التي اجرت معي الاستجواب بما يتعلق بمرضي تضمنتها اسئلة عن متى اصبت بمرض الربو وهل انا من المدخنين وكم مرة استعمل جهاز توسيع القصبات وهل استعملت حبوب البرتنيزولون (الكورتزون) وكم مرة نقلت الى المشفى بسبب نوبات الربو المفاجئة وما الى ذلك من اسئلة.
المقابلة لم تدم سوى 15 دقيقة انتهت بحصولي على ذلك المبلغ الدسم الذي كان بمثابة تذكير من رب العالمي بان اثق به لانه لا يترك عباده المخلصين. وهو القائل، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿٣﴾ الطلاق
بعد هذه القصة لم اشك ابداً بان الله سوف يتدبر الامر مهما كانت المحنة كبيرة لانه يقف معنا دائماً. وانت ايها القارئ، هل واجهتك معجزات كبيرة وصادمة؟
...تمت المعجزة السادسة والمسلسل...