الكارثة المائية التي يمر بها العراق
مصطفى محمد غريب
الكارثة المائية التي يمر بها العراق
لو قلت ان الكارثة المائية التي نعيشها ـــ مسؤول عنها بالدرجة الأولى الحكومات العراقية وبخاصة 35 عام من الحكم الدكتاتوري ثم حكم المحاصصة والتبعية لقام البعض محتجاً معارضاً لقولي، وهو يسمع ويشاهد ما تفعله إيران وتركيا بالعراق خلال السنين الحالية ، قد اتفق معهم وانا مثلهم اتابع اتساع وعمق الكارثة المائية لكن العله فينا ، وأنا أذكر مُصراً " لو " أن الحكام او الحكومات العراقية كانوا يتحملون المسؤولية الوطنية تجاه معضلة المياه والجفاف مستقبلاً بحق لقاموا بالتحرك المطلوب والعمل من اجل درء الكارثة فيما يخص تنظيم الخطط والأساليب لبناء السدود والمجمعات المائية واهتموا بالحفاظ على مياه النهرين دجلة والفرات والانهار التي كنت تذهب للبحر بشكل مباشر ولم تستفد البلاد ولا الشعب العراقي منها، أما الأسباب الأخرى فهي بفعل خارجي خطط له منذ فترات طويلة وكان من الممكن إيقافه عن طرق عديدة منها طريق المفاوضات المباشرة واشراك الأمم المتحدة كضغط عالمي ، حتى لوكان الأمر يحتاج الى القوة مثلما فعلت وتفعل الدول التي كانت شعوبها مهددة بالعطش والفناء واراضيها بالجفاف المميت!
كانت بلاد ما بين النهرين اسم معروف في التاريخ أطلق على العراق لوجود نهرين كبيرين هما دجلة والفرات ولقب العراق بارض السواد لكثرة أراضيه الزراعية وبساتينه واشجاره، ثم ما يمتلكه من اهوار وانهار وروافد ومنابع وعيون مائية ، خلال مئات السنين وبلاد ما بين النهرين تعيش الرخاء المائي بوفرتهِ، وعلى مر الدهور لم يبادر الى ذهن الكثيرون أن هذه البلاد ستتعرض للجفاف بدءً من جفاف انهارها وروافدها لا بسبب الطبيعة او تبدلات مناخية بل بسبب ما تقوم بها دول الجوار ، الجاران المسلمان إيران وتركيا اللذان يساهمان في هذه الكارثة عن طريق تجفيف انهاره وروافده، هذا التوجه العدائي عبارة عن سياسة ممنهجة لتجفيف البلاد وتدمير زراعته وحياته البشرية ضمن مخطط هدفه الهيمنة والسيطرة والتحكمْ والاستيلاء على موارده
1 ــ تركيا ولا حاجة لإطالة الحديث عما قامت به من إنشاء السدود على نهري دجلة والفرات دون التشاور مع العراق، هذه السدود الضخمة التي تحبس حصة العراق المائية على الرغم من المناشدات واللقاءات والمباحثات إلا أن تركيا ماضية في حبس المياه بينما في الجانب الثاني هي تجني فوائد جمة تدعم اقتصادها حيث تصدر للعراق ما قيمته مليارات الدولارات من بضائع مختلفة،
2 ــ إيران ماضية في غيها في حبس المياه وحسب احصائيات رسمية فقد بنت السدود وقطعت حسب تصريح اللواء الركن جمال الحلبوسي " ايران قطعت 42 نهرا عن العراق" وفي مقدمتها، نهر الزاب الصغير، نهر الوند ، نهر كارون، نهر كرخه يصب في هور الحويزة، نهر دوبريج، نهر الطيب، نهر كنجان ، نهر وادي كنكير وغيرها من الأنهار والجداول ...الخفي الوقت نفسه تستفيد من تصدير بضائعها وغازها بمليارات الدولارات بينما يعاني المواطن العراقي من سياسة الإرهاب المائي الذي يهدد الملايين من الشعب العراقي ويدمر زراعته ويجفف أراضيه ،وفي هذا الصدد أشار مهدي الحمداني وزير الموارد المائية ان "إيران حولت جميع الروافد عن شط العرب وانشأت سدة دون الأخذ بمصالح العراق " وقد حذر الحمداني " ان انخفاضا كبيراً في الايرادات المائية تعانيه البلاد بسبب قطع ايران كميات كبيرة من التدفقات " المائية.
في المحصلة نجد أن سياسة تركيا الحالية العدائية في قضية حصة الموارد المائية للعراق سببت كوارث غير مسبوقة في قضية المياه والانخفاض الملحوظ في نهري دجلة والفرات مما أثر بشكل مباشر على الحياة البشرية وقضايا الري والمحاصيل والبساتين الزراعية، أما تصرفات حكام إيران فقد ساهمت ايضاً في انخفاض الامدادات المائية وهي تسببت ايضاً في الاضرار التي لحقت في الوسط وجنوب البلاد.
اليوم والعراق يعيش أزمة شحة المياه لأسباب عديدة منها انخفاض هطول الامطار وإهمال الحكومات العراقية المتتابعة وسوء الادارة وشبح جفاف نهري دجلة والفرات بسبب السياسة المائية لدول المنبع ثم ارتفاع درجات الحرارة وغلق بعض الانهر التي تمر في الاقليم بسبب بناء السدود الكبيرة من قبل تركيا وباقي الروافد من قبل إيران ، الآن اصبحت بلاد الرافدين على حافة كارثة انسانية واسعة كما أنها أدت الى التصحر في مناطق عديدة، إضافة وبسبب ما ذكرناه فقد انخفض انتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية .
ان مشكلة الجفاف بشكل عام مشكلة تعاني منها العديد من الدول وبخاصة الدول التي تفتقر الى الانهار والجداول وقلة الامطار وغيرها من العوامل الطبيعية ، إلا أن العراق بلد المياه والانهار والاهوار لا يصنف مع الدول المشار اليها فكارثة الجفاف لاحت في الافق منذ سنين ولهذا الجفاف اسباب ذكرناها وبدأت تلوح مأساة المدن والقرى والارياف المطلة على نهر دجلة ونهر الفرات إضافة الى انهار اخرى وساهمت مثلما أشرنا ايران وتركياً في زيادة الاوضاع سوءً وعليه من الضروري ان لا تكتفي الحكومة العراقية بعقد لقاءات واجتماعات مع هاتين الدولتين موضوعية بدون اي تراجعات والتصميم على وضع مصلحة البلاد والشعب العراقي فوق أي اعتبا، ووضع النقاط على الحروف بالحديث عن لب المشكلة وكيف يمكن علاجها وفق طرق عملية وخطط ثابتة واتفاقيات جديدة تلزم ايران وتركيا بالالتزام وعدم الاستيلاء على الحصص المائية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والاقليمية والثنائية، ولقد أشارت وسائل الإعلام عن وجود لقاءات تفاوضية مع تركيا وكلف وزير الدفاع العراقي ثابت محمد سعيد العباسي برئاسة الوفد المكلف بالتفاوض مع الجانب التركي ولعل هذه اللقاءات تبشر بالخير للوصول الى حلول صحيحة تحفظ حقوق العراق في إطلاق زيادات من المياه وأشار الوزير ثابت محمد سعيد العباسي في حديث مع جريدة الحزب الشيوعي "طريق الشعب انه " سيكون هناك استجابة من الجانب التركي، وحتى الايراني والسوري، كون البيئة السياسية والاقتصادية الحالية، داخل هذه الدول مهيئة للتفاوض".
أن التفاوض مع ايران وتركيا خطوة صحيحة لكن يجب أن تكون للمفاوضات معايير واضحة ومدروسة وأن لا تمر وكأنها مفاوضات شكلية ومجاملة على حساب الحقوق المائية المشروعة للشعب العراقي برمته لأن المياه قضية موت أو حياة ومن المسلمات الثابتة التي تخص الحياة بكل أنواعها في العراق، وأن تعتمد على أسس الحقائق وليس لمجرد العتاب أو روتينية المطالب ضمن الاستجداء مما يدفع الجانبين الإيراني والتركي على التعنت واستغلال ضعف الوفد العراقي أو ضعف الحكومة العراقية وبالتالي استغلال هذا الضعف وفرض اتفاقيات لا تعبر عن مصالح البلاد ولا عن مصالح الشعب العراقي، وليس هذا من نسج الخيال فنحن على علم بما تقوم به إيران من ضغوط لرضوخ الجانب العراقي وعدم الاعتراض على تجاوزات إيران على حصة العراق بينما الحكومة العراقية تصمت صمت القبور بما تقوم من سلوك مكشوف لسرقة المياه " عينك عينك يا تاجر" وتتصرف وكأن البلاد تحت سيطرتها وتابعة لها بفضل الأحزاب والتنظيمات والميلشيات الشيعية التابعة لها، وقد لا تختلف ما تقوم به تركيا من ابتزاز وتجاوز على حصة العراق فهي تستخدم ورقة PKK والعنصرية التركية بقضية دعوى حقها في الموصل وكركوك، وكذلك استخدام سياسة حجب أو قطع مياه دجلة والفرات من قبل السدود التي اقامتها على منابع النهرين وهي مصرة على السياسة العدوانية على الرغم من المناشدات الخجلة التي قامت بها البعض من الحكومات في الوقت الراهن .
ان الأوضاع التي يمر بها شعب العراق تكاد أن تكون كارثية مدمرة وتحتاج إلى جهد مضاعف لمعالجة كارثة المياه والجفاف، على الحكومة العراقية أن تتعامل مع إيران كجارة تربطها مصالح مشتركة وليس كتابع لها بسبب العلاقات الطائفية على الحكومة العراقية تغليب مصالح البلاد وعدم التلاعب والخضوع، فالسنين السابقة دلت على أن أكثرية القوى المتنفذة بما فيها الميليشيات الطائفية المسلحة لم تنبس إلا خجلاً في بعض الأحيان ولم تطالب علناً وبقوة الكف عن تدمير البلاد بحبس أو السيطرة على حصة المياه ، كما يجب التحرك بقوة دون تأخير أو مرونة زائدة مع تركيا والمطالبة بإنهاء وجود القواعد العسكرية التركية وعدم السماح بما تقوم به من تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية، أما مشكلة حزب العمال التركي " PKK " فيجب أن تحلها على الأراضي التركية وليس استغلال الأراضي في الإقليم ، ثم يجب إيقاف حبس حصة العراق المائية المنصوص عليها في كافة القوانين الدولية والإقليمية والمتعارف عليها وفق المعايير الإنسانية.
العمل والتصميم على إيقاف الكارثة على الأقل في هذه المرحلة واجب وطني تتحمل الحكومة والقوى المتنفذة مسؤولية ايقافها عن طريق الموقف الحازم تجاه إيران وكذلك تركيا.